هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طوَّف غسان سلامة في إحاطته الخميس؛ بأعضاء مجلس الأمن في الأزمة الليبية بجوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية، متنقلا بين مناطقها الرئيسية؛ الغرب والشرق والجنوب.
وتضمنت الإحاطة محاور مقاربة البعثة الأممية في نسختها الثانية، والتي ترتكز على المزاوجة بين المسارات الثلاث السياسية والأمنية والاقتصادية. وبرز هذا التركيز مع تولي ستيفاني ويليامز منصب نائب رئيس البعثة، بعد أن انحصرت خطة سلامة منذ الأسابيع الأولى لتوليه منصبه في الحل السياسي عبر الانتخابات العامة.
ولأن خطوات عملية مهمة اتخذت على المسارين الأمني والاقتصادي برعاية البعثة، وذلك بإقرار ترتيبات أمنية جديدة، واعتماد حزمة الإصلاحات الاقتصادية، فقد أخذ هذان المساران حيزا من إحاطة سلامة؛ بالتعبير عن عدم رضاه الكامل عن الأول والإعلان عن تقدم جديد في الثاني.
مخططات وعقبات
تصريح سلامة بأن الترتيبات الأمنية تسير ولكن ليس على الوتيرة المخطط لها؛ يكتنفه غموض، وكان عليه أن يفصل في حكمه ويحدد طبيعة الهوة بين المخطط والمنفذ، وأسباب التعثر وأهم العقبات أمام التنفيذ المرضي. وقد يُفهم من إشارته للمؤسسة العسكرية كمعيار للتقييم؛ تأكيدا على صعوبات تتعلق باستجابة بعض المجموعات المسلحة للاتفاق الأمني.
اقتصاديا، أشار سلامة إلى تمكنه من الجمع بين محافظ المصرف المركزي طرابلس ونائبه الذي صار محافظا لمركزي البيضاء. وما كان لهذه الخطوة أن تتحقق لولا أن هناك توجه مختلف للبعثة، حازم وضاغط، ولا يمكن إلا أن يكون مقترنا بوجود ويليامز التي هي ظل ليد أمريكية تحرك الماء الراكد.
ما تسرب عن اجتماع الكبير والحبري برعاية البعثة؛ يشير إلى تطور إيجابي يتعلق بمعالجات لبعض العقبات أمام الإصلاحات الاقتصادية.
مستقبل الكيانات
قد لا تقود المبادرة إلى توحيد المصرفين، فهذا أمر لا يقرره الطرفان، خاصة السيد الحبري، وهو جزء من التدافع السياسي، ولا يمكن أن ينفك عنه إلا أن يكون إيذانا بالتوافق بين طرابلس وطبرق، لكن المبادرة تمهد لوقف الانقسام، وتسهم في الحد من مظاهر الازدواجية التي تهدد الاقتصاد الليبي.
على المسار السياسي، هناك ما يشير إلى تجاوز البعثة للاتفاق ومخرجاته؛ من كيانات سياسية ومجلس نواب ومجلس دولة، وأن تركيزها يتجه إلى مقاربة المؤتمر الوطني الجامع الذي سيكون وعاء ومظلة لتوافق جديد يكون من ضمن ركائزه الاتفاق على الانتخابات العامة.
الاستنتاج بأن البعثة في اتجاهها لتجاوز البرلمان والمجلس الأعلى للدولة؛ ندركه من استهانة سلامة بالأول ووصفه بالعقيم. وفي اللفظة دلالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، كما أنه لم يُشد بالتوافق حول تغيير المجلس الرئاسي، وفي التنويه إلى أهمية التعديلات الوزارية، ما يؤكد عدم حماسة سلامة لتوافق البرلمان والأعلى للدولة.
الإشارة إلى المصالح الشخصية التي تشكل الباعث لتحركات ومواقف الساسة الليبيين، والتي ترددت على لسان سلامة في آخر تصريحاته وكررها في إحاطته، ليس مجرد وصف لواقع، بل فيه تبرير لتجاوزهم، والتركيز على المؤتمر الوطني الجامع المزمع عقده في مطلع العام القادم هو شهادة وفاة الأجسام السياسية الراهنة.
وتسأل أقل المراقبين اهتماما بشأن الليبي؛ فسيقول لك إن اليقظة الأخيرة للجسمين السياسيين لها علاقة بخطة تجاوزهما، فالمبادرة الأخيرة تم طرح معظم ما ورد فيها من أفكار منذ أكثر من عام ولم تلق تأييد البرلمان، وكان الصد هو سيد الموقف.
ترتيبات جديدة
لا أستبعد الربط بين الحضور المكثف للجسمين في ملتقى باليرمو، حسب ما تسرب من قوائم المشاركين، وتوجهات سلامة، وربما ستكون هناك جهود لمجابهة الخطة الجديدة للبعثة الأممية، غير أن حظوظهما، خاصة بالنسبة للبرلمان، ضعيفة، ويبدو أن حالة السخط والرفض محليا ودوليا تجاه البرلمان ستفشل أي مسعى لإطالة عمره.
إذاً صار عمر الأجسام السياسية النافذة قصيرا، غير أن الدخول في مغامرة البدء من الصفر لترتيب الوضع السياسي والاقتصادي والأمني، وحتى الاجتماعي، تحت مظلة المؤتمر الجامع محفوفة بمخاطر. فالتناقضات ستكون أكثر والعقبات أكبر، خاصة مع إضافة عنصر آخر لمقاربة التوافق وهم أنصار النظام السابق.