نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية مقال رأي، تحدثت فيه الكاتبة رولا خلف عن المصلح الذي برز على ضوء تلاشي حقبة المستبدين العرب السابقين الذين عرفوا بتشددهم. ويأمل الأفراد الذين لا يملكون حق إبداء الرأي في طريقة حكم ابن سلمان، أن يتمكن الابن من التفوق على الأب وتطوير المملكة بالفعل.
وأفادت الكاتبة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه في الشرق الأوسط، غالبا ما يخلط الغرب بين عاملين، الشباب والرغبة في التغيير. وعلى امتداد العقد الماضي، ارتكزت السياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط على أسطورة الشباب العربي المصلح الذي يمثل المحرك نحو التغيير.
وأشارت الكاتبة إلى أن هذا التغيير المرجو تجلى من خلال أسماء عدة، على غرار سوريا بشار الأسد، ابن حافظ الأسد الذي حكم البلاد لفترة طويلة جدا، وليبيا سيف الإسلام، ابن الرئيس السابق معمر القذافي، فضلا عن مصر جمال مبارك، ابن الرئيس السابق، حسني مبارك. ومؤخرا، برز محمد
بن سلمان في المملكة العربية
السعودية، ابن الملك سلمان آل سعود. في الأثناء، تحاول الدول الأجنبية إقناع نفسها بأن محمد بن سلمان سيكون الحداثي الجديد الذي سيدفع بالبلاد إلى أحضان التقدم والديمقراطية، ما يجعلهم يقدمون له يد المساعدة؛ حتى ينجح في ذلك.
وبينت الكاتبة أنه، وعلى اختلاف درجات حماسهم إزاء إحداث التغيير في بلدانهم، وقع الترويج لهؤلاء الشبان والاحتفاء بهم في العواصم الغربية. وبشكل متواصل، أثبت أبناء أبرز الحكام الدكتاتوريين في الشرق الأوسط أنهم مستبدون تماما مثل سلفهم، وفي بعض الأحيان أكثر وحشية. وينطبق هذا الأمر على ولي العهد السعودي، البالغ من العمر 33 سنة، محمد بن سلمان، الذي انطلق من سياسة سعودية قمعية أكثر رقيا ارتبطت بكبار الأمراء في الماضي، بما في ذلك والده، ليتبنى حربا علنية ضد أي شخص لا يوافقه الرأي.
وأقرت الكاتبة بأن أحد الضحايا المحتملين لهذا النهج الاستبدادي هو الناقد السعودي، جمال
خاشقجي، الذي اختفى منذ أكثر من أسبوعين، بعد زيارة القنصلية السعودية في إسطنبول. وقد أثارت المزاعم التي تحيل إلى قتله موجة احتجاج دولية ومشاعر حزن وغضب مهيبة في صفوف المؤسسات الغربية التي انقادت وراء أسطورة الأمير الإصلاحي. ما لاشك فيه أن الشباب يتمتعون بطاقة أكبر، من شأنها أن تتحول إلى محرك للإصلاح، ولكن انعدام الخبرة قد يدفع بهذه الطاقة إلى الاتجاه الخاطئ.
وأكدت الكاتبة أنه قبل مدة طويلة من وقوع الغرب في شباك محمد بن سلمان، كان هناك شاب عربي آخر يعمل على إغواء الدول الغربية، ألا وهو جمال مبارك. وقد شدد الدبلوماسيون الغربيون في القاهرة على أن جمال مبارك كان الخليفة الأنسب لوالده حسني مبارك، بغض النظر عن حقيقة أن مصر لا تخضع لنظام ملكي، أو أن هذا المستثمر المصرفي لم يظهر سوى بعض الخصال التي قد تؤهله لتولي مثل هذا المنصب الحساس.
في نهاية المطاف، عمدت الحاشية الفاسدة المحيطة بجمال مبارك إلى تغييب المؤسسة العسكرية، وغذت الاستياء الشعبي ضد حسني مبارك. وعند نشوب الثورة المصرية في سنة 2011، وجد الشعب والجيش عدوا مشتركا، ما أدى إلى سقوط حسني مبارك.
وقد كان تودد السياسيين وكبار رجال الأعمال لسيف الإسلام، ابن الديكتاتور الليبي السابق، الذي عرف بحسن لباسه وطلاقة حديثه باللغة الإنجليزية، أمرا مثيرا للسخرية. عندما ثار الشعب الليبي ضد القذافي، برز سيف الإسلام على أنه محارب، فيما عمد إلى تبني منهج تعسفي تماما مثل والده. في خطاب في بداية الثورة الشعبية في سنة 2011، تعهد سيف الإسلام بأن "النظام" سيواصل القتال حتى آخر رجل، آخر امرأة، آخر رصاصة.
واسترجعت الكاتبة بدايات بشار الأسد، طبيب العيون، وزوجته الفاتنة التي جذبت انتباه القادة الأوروبيين. وقد تمكن الأسد من إغواء القادة الأوروبيين، وجعلهم يصدقون أنه على استعداد لجعل سوريا المظلمة تعود إلى النور من جديد. في المقابل، وبعد مرور عقد من الزمن تقريبا، واجه الأسد الثورة الشعبية ضده بشراسة، جعلت وحشية والده تبدو "أمرا بسيطا للغاية".
وأكدت الكاتبة أنه حتى في دول شرق الأوسط الأكثر تحضرا، كان الجيل الجديد من الحكام الشباب أكثر استبدادا من آبائهم. فعلى أرض الواقع، لم يبد أبناء الحاكم السابق للإمارات العربية المتحدة، الذي يحظى بقدر كبير من الاحترام، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أي درجة من التسامح التي لطالما عرف بها والدهم. ويبقى السؤال القائم، ما الذي يدعم أسطورة الشاب العربي المصلح؟
أوردت الكاتبة أن المحرك وراء هذه الأسطورة في الاعتقاد السائد بأنه في منطقة الشرق الأوسط اللاديمقراطية، تعد الاستمرارية أمرا مهما للغاية، في حين أن التغيير يعد أمرا محفوفا بالمخاطر، الموقف الذي تبنته الدول الغربية عقب الفوضى التي اجتاحت المنطقة إبان الربيع العربي. ويتمثل الدافع الثاني في الانجذاب نحو حكام جدد يولون أهمية قصوى للإصلاحات الاقتصادية، حتى إذا كانوا يكرسون نظاما يفتقر للشفافية والمساءلة. في الواقع، ليس هناك ما يبرر الاعتقاد الغربي الذي يستند إلى آمال زائفة.
والجدير بالذكر أن الشباب غالبا ما يتمتعون بالحماسة والشجاعة لإحداث التغيير وتبني نهج إصلاحي. لكن انعدام الخبرة يولد شعورا بانعدام الثقة والأمان، حيث إن رغبة الأبناء في تعزيز قوتهم غالبا ما تدفعهم إلى تجاهل نصائح الأشخاص الأكبر سنا والأكثر خبرة. نتيجة لذلك، يعمد هؤلاء الشبان، على غرار ابن سلمان، إلى إدارة شؤون بلدانهم بناء على قواعد حكم محدودة ومعدودة، في حين يقعون في فخ غرائزهم المحكومة بالشك وجنون العظمة.
وفي الختام، أحالت الكاتبة إلى أن الخطأ الأبدي للمؤسسات السياسة الغربية يكمن في الخلط بين الشباب والالتزام بمسار التغيير. كما تفترض هذه الجهات أن الحكام الشباب الذين سافروا إلى الدور الأجنبي، والذين أظهروا قدرا كبيرا من الاهتمام بالفن والعالم التقني، على الأغلب سيمارسون الحكم بشكل أكثر مسؤولية. لكن، وللأسف الشديد، أظهر الشرق الأوسط أن الرغبة في التحديث والإصلاح ومواكبة العصر لا تعني بالضرورة القطع مع السياسات الاستبدادية الوحشية.