هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الريف المصري خصال حميدة، لعل أهمها: حبّه للعبادة، وحرصه عليها، وعلى تذكر المناسبات الدينية، ويطلق عليها: الموسم، فيحتفل بالهجرة النبوية في مطلع شهر المحرم، وبيوم عاشوراء في العاشر منه، وبالمولد النبوي في شهر ربيع الأول، وبذكرى الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب، وبتحويل القبلة في المنتصف من شهر شعبان.
مناسبة للتجمع
لهذا الاحتفال مظاهر عند الريف المصري، فيكون في الليلة التي تسبق هذا اليوم، وتجتمع العائلة فيه، حتى من تزوج وخرج من بيت العائلة، يأتي في هذه الليلة ليصل رحمه، ومعه أولاده، فكانت العائلات الريفية تنتظر الموسم ليكون فرصة للتجمع، وفي بعض الأحيان يكون الابن قد سافر للمدينة، وأقام فيها، بحكم عمله، وعائلته التي تكونت فيها، فينزل لبلده مسقط رأسه، ليقضي يوم الموسم معهم.
تجمع الأمهات الأبناء، ومعهن بناتهن - في هذه المواسم - ليتم الإعداد لطعام خاص بالمواسم، كل أسرة حسب قدرتها المادية، ويقوم بعض الأثرياء من أهل التدين بعمل الطعام للفقراء، ويجتمع الفقراء في مغرب ليلة الموسم، بين ذكر لله، أو درس علم في المسجد، فتكون التوسعة على الأسر في البيوت، أو عن طريق أهل الخير والثراء، مما يشعر الناس بالقرب والحب لهذه المناسبات، ولأهل الخير والعطاء.
وكذلك في بعض مناطق الأرياف تنتشر مناسبات ومواسم أخرى، لها ارتباط ببعض الصالحين في هذه البلدان، كمولد السيد البدوي في طنطا، وفي الإسكندرية المرسي أبو العباس، وفي القاهرة: السيدة زينب، والإمام الحسين، والسيدة عائشة، وفي الصعيد: سيدي عبد الرحيم القناوي، وغيرها من الموالد. للشيخ القرضاوي رأي فيها يعتبرها أشبه باحتفالات شعبية، مع إنكاره المخالفات الشرعية التي تحدث.
كانت هذه المواسم تقوم بدور مهم على مستوى الأسر المصرية الريفية، وما يتصل بها، فالأطفال تتذكر المواسم وتعرف بعض المعلومات عنها، والأسر تلتقي على ما يجمعهم اجتماعيا، وفي بعض الأحيان يحدث قبلها حديث ديني في المساجد عن هذه المناسبات.
التشدّد والتمدّن
ولكن جدَّ جديد على الريف المصري غيّر من خارطته الدينية والاجتماعية، انقطعت بها هذه المواسم للأسف، أو قل الإهتمام بها، فقد غزا الريف أمران: التوجه المتشدّد في موقفه من هذه المناسبات، والحكم ببدعيتها، وتيار المدنية الذي سلخ الريف من أهم خصائصه، فالتيار المتشدد ينكر هذه المناسبات، ويرى الإحتفال بها بأي شكل كان بدعة لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته، ولا السلف الصالح، وأنه من محدثات الفاطميين.
وهناك طرف باسم التمدن، يعتبر هذا الاهتمام لونا من الدروشة الشعبية، بينما كما يقول شيخنا القرضاوي: الناس أمسوا يحتلفون بميلاد ملوكهم ورؤسائهم وعظمائهم، بل إن كثيرا منهم يحتفلون بميلاد أولادهم، وميلاد أنفسهم، فلماذا لا يحتفلون بمولد من أنقذهم الله تعالى على يده، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم إلى صراط مستقيم؟!
ويرى أنه لو حولنا هذه المناسبات إلى ندوات، ومؤتمرات سنوية للحديث عن الرسول العظيم وشخصيته وسيرته ورسالته، فقد كسبنا من وراء ذلك كسبا عظيما، وأبلينا في سبيل دعوة الإسلام بلاء حسنا.
الآن غابت هذه المناسبات والمواسم عن ريفنا ومجتمعنا المصري، وبدأت تتقطع الأواصر الاجتماعية التي كانت تجمع العائلات بهذه المواسم، بل أصبح تذكر هذه المناسبات الدينية نادرا عند الناس، فقديما كانت الأمهات والأسر الريفية الأمية، تسأل عن التاريخ، فتجد المرأة الريفية تقول لك: ما تاريخ اليوم؟ فتقول لها مثلا: نحن اليوم العاشر من أيلول/ سبتمبر، فتقول لك: والتاريخ العربي؟ أي الهجري، وتسألك: متى الموسم؟ وذلك للاستعداد له.
الحديث عن أثر التشدد والتمدن الشكلي على الريف وبخاصة في قضايا المرأة، والقضايا الاجتماعية، وعلاقة الفلاح المصري بالحيوان، ومكانته لديه، يحتاج لأحاديث مفصلة، وإلى باحث في علم الاجتماع، يرصد مثل هذه الظواهر، لعلنا نتناول بعضها، ومدى صلة هذه الحياة بصحيح الإسلام.
[email protected]