هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلنت الحكومة المصرية قرب تشغيل المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان بقدرة 300 ميجاوات.
وبحسب بيان صادر عن الشركة المصرية لنقل الكهرباء الأسبوع الماضي فإن المشروع سيدخل حيز التنفيذ في شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وأثارت هذه الخطوة تساؤلات حول اتجاه الحكومة المصرية لاستغلال التعاون في مجال الطاقة الكهربائية للتأثير على موقف السودان في مفاوضات سد النهضة، عن طريق توفير البديل للخرطوم بعيدا عن أثيوبيا التي وعدت السودان بمنحه الكهرباء من سد النهضة بأسعار تفضيلية.
مشروع استراتيجي
ويبلغ طول خطوط الربط الكهربائي مع السودان نحو 95 كيلومترا، ويبدأ خط الربط في المرحلة الأولى من محطة محولات توشكي 2 المصرية، متجها إلى محطة محولات أرقين بالسودان بجهد 220 كيلوفولت، ترتفع في المرحلة الثانية إلى 500 كيلوفولت.
وأوضحت الشركة المصرية لنقل الكهرباء أنه تم التعاقد مع شركة "لارسون أند تربو" الهندية لتولي إنشاء خط الربط الكهربائي في الأراضي المصرية بتكلفة 450 مليون جنيه، على أن يتحمل السودان تكلفة تنفيذ الخطوط الموجودة بأراضيه بتكلفة 200 مليون جنيه.
وقالت إن المشروع يأتي ضمن خطة مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، والتي تتضمن أيضا مشروعين مماثلين للربط الكهربائي، الأول مع السعودية بقدرة 3000 ميجاوات وتكلفة تبلغ 1.6 مليار دولار، والثاني مع قبرص واليونان بقدرة 2000 ميجاوات بتكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.
اقرأ أيضا: فورين أفيرز: هل سيقود سد النهضة لحرب بين مصر وإثيوبيا؟
مكاسب سياسية
وكانت الحكومة المصرية قد كشفت قبل أسبوعين وجود فائض في الطائقة الكهربائية بالبلاد بعد افتتاح ثلاث محطات عملاقة جديدة بقدرة 14 ألف ميجاوات، وأعلنت سعيها إلى استغلال هذا الفائض في مشروعات ربط كهربائي مع الدول المجاورة بما يحقق مكاسب سياسية واقتصادية للبلاد.
وفي هذا السياق، قال الباحث في الشؤون الإفريقية علاء علي، إن مصر تحاول في الفترة الأخيرة بناء علاقات وطيدة في مجال الطاقة مع السودان الذي يعاني من نقص في الكهرباء ويقف هذا النقص عائقا أمام إقامة العديد من المشروعات الصناعية.
وأوضح علي، في تصريحات صحيفية، أن استثمارات مصر في مجال الطاقة بإفريقيا بلغت أكثر من 50 مليون دولار، لافتا إلى أن قطاع الكهرباء يعد من أهم القطاعات التي تتميز بها مصر في القارة الأفريقية ويمكن أن تستغله لمساعدة بعض الدول وفي المقابل تحقق مصر مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة.
استجابة متأخرة
وتعليقا على هذا التوجه المصري قالت أستاذة العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الأفريقية إيمان طايل، إن هذه الخطوة هامة للغاية، موضحة أنها تأتي بمثابة استجابة متأخرة جدا لنداءات سابقة أطلقها سياسيون ودبلوماسيون مصريون في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، على رأسهم الدكتور بطرس غالي، حيث طالبوا بدعم مصر لدول أفريقيا بالطاقة الكهربائية، وخاصة دول حوض النيل، حتى يزداد الترابط والمصالح بين الجانبين ويصبح المصير مشتركا.
وأضافت طايل، في تصريحات لـ "عربي21"، أن تلبية مصر لاحتياجات السودان من الطاقة الكهربائية يأتي في وقت حرج حيث تتعطش الخرطوم إلى الطاقة لدعم الاستقرار الداخلي في البلاد ومساعدته على تجاوز التقلبات الاقتصادية الكبيرة التي يمر بها حاليا.
وأكدت أن هذه الخطوة ستؤدي إلى التأثير على موقف السودان من سد النهضة الأثيوبي بدرجة كبيرة، حيث كانت أديس أبابا قد وعدت الخرطوم بإمداده بالطاقة الكهربائية التي يحتاجها وبأسعار تفضيلية بعد اكتمال بناء السد، موضحة أن هذه الوعود كانت أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت السودان لاتخاذ موقف مؤيد لأثيوبيا في المفاوضات الثلاثية.
وتوقعت طايل أن تنعكس هذه المبادرة المصرية على الأمن الإقليمي وتواجه مخططات مضادة للمصالح المصرية في منطقة حوض النيل، كما تحسن كثيرا من الموقف المصري في ملف إدارة مياه نهر النيل.
اقرأ أيضا: هل فقدت مصر ورقة ضغط على إثيوبيا بعد مصالحتها مع إريتريا؟
أهداف المشروع
وأكدت أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان سيترتب عليه نزع الذرائع التي تسوقها أثيوبيا لبناء سد النهضة حيث تدعي أن الهدف الأساسي من المشروع هو إنتاج الكهرباء واستغلال هذه الطاقة في مشروعات التنمية المحلية وتصدير الفائض منها إلى دول الجوار وفي مقدمتها السودان.
وأضافت أن هذه الخطوة ستثبت للعالم أنه يمكن تحقيق هذه الأهداف بتكاليف اقتصادية وسياسية أقل بكثير من تكلفة سد النهضة الذي تسبب في توتر كبير في العلاقات بمنطقة حوض النيل في مقابل إنتاج 6000 ميجا وات من الكهرباء فقط، وهي كمية لا تلبي احتياجات البلاد من الطاقة ولا تكفي للتصدير للخارج، وبالتالي فإن الإنتاج لا يستوجب هذا الثمن السياسي الباهظ.
واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على أن الهدف الأساسي من بناء أثيوبيا لسد النهضة ليس إنتاج الكهرباء كما تعلن، مؤكدة أن أديس أبابا تتحرك وفقا لمخطط استراتيجي للسيطرة على مياه النيل واستخدامها لاحقا في تحقيق نفوذ سياسي وهو ما يعني أن مشروع سد النهضة مشروع سياسي بالأساس وليس تنموي.
وكشفت أن مصر تسعى أيضا إلى تصدير الكهرباء لبعض دول حوض النيل ومن بينها أثيوبيا حتى تحتفظ مصر بدورها المحوري الأقليمي، خاصة وأنها تحاول أن تربط الكهرباء في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا بفضل الفوائض في الطاقة وتوافر الكوادر الفنية المرهلة.