نشرت صحيفة "
البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن ملامح الحرب التي يمكن أن تندلع في
الشرق الأوسط بعد انسحاب دونالد
ترامب من الاتفاق النووي، خاصة أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشكلان تحالفا يسعى بكل السبل إلى تفكيك ما تبقى من منطقة الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاقية النووية مع
إيران، ليس الأول من نوعه. فقد سبق لترامب إعلان قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي.
وذكرت الصحيفة أن بعض الأطراف قارنت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني بسياسة الرئيس الأمريكي جورج بوش، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال افتعال الحروب في كل من أفغانستان والعراق. وفي الواقع، تنطوي استراتيجية ترامب في المنطقة على مخاطر هائلة، خاصة بعد أن وضع ترامب الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي على المحك؛ بين مطرقة سياسة القوة التي تميز الولايات المتحدة وسندان الدبلوماسية التي يؤكد عليها الاتحاد الأوروبي.
وأوردت الصحيفة أن ترامب لا يسعى إلى الحد من النشاط النووي لإيران فحسب، بل يعمل على تغيير النظام الإيراني عن طريق استنزاف الموارد الاقتصادية والاستراتيجية للجمهورية الإسلامية. ويعمل ترامب على تضييق الخناق على الشعب الإيراني عن طريق فرض عقوبات جديدة على إيران، لدفع الشعب إلى إسقاط الحكومة.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب لم يترك لإيران سوى خيارين بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. ويتمثل الخيار الأول في تفاوض إيران مع بقية الأطراف المشاركة في هذه الاتفاقية، على غرار الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي. ومن جهته أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن احتمال اللجوء للدول الأخرى وارد جدا، لكن فرض عقوبات ضد إيران قد يحد من قدرتها على اتباع هذا المسار. ويبدو أن سياسة ترامب أجبرت الشركات الأوروبية على التضحية باستثماراتها في إيران، من أجل الوصول إلى الأسواق الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أن الخيار الثاني يكمن في تحقيق التوافق بين الإصلاحيين والمتشددين الذي يمكن أن يؤدي إلى الانسحاب نهائيا من الاتفاق النووي واستئناف الأنشطة النووية والإسراع في تنفيذ برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. في المقابل، سيكون هذا التوافق سببا كافيا بالنسبة لإسرائيل لشن هجوم استباقي على المنشآت النووية الإيرانية بمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية.
نتيجة لذلك، لن تتراجع إيران عن دعم الأطراف المعادية لإسرائيل وعلى رأسها حزب الله اللبناني. ويمكن للصراع الإيراني الأمريكي أن يصبح واسع النطاق مع مشاركة بقية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك السعودية وغيرها من القوى العربية السنية، ولعل ذلك ما تأمله القيادة الإسرائيلية.
ونوهت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اتهم خلال الشهر الماضي إيران بعدم الامتثال للاتفاق النووي. وعلى الرغم من أن ادعاءاته لم تؤخذ على محمل الجد من قبل الغرب، إلا أنها تعتبر اليوم نذير شؤم. وفي واقع الأمر، يشكل كل من نتنياهو وترامب تحالفا خطيرا يجمع بين شخصين نرجسيين، يسعى كلاهما إلى إملاء السلوك الدولي على مختلف الأطراف متناسين السياسة المحلية المختلة لبلدانهم.
وأوضحت الصحيفة أن غاية ترامب الأساسية تتمثل في التدمير المنهجي لإرث باراك أوباما السياسي، وتحقيق وعوده الانتخابية. أما نتنياهو فيريد الحفاظ على صورة البطل الذي سينقذ اليهود من محرقة ثانية. وفي ظل المشاكل القانونية التي تلاحقه التي تثير الكثير من الشكوك من حوله وتهدد بعزله من منصبه، تبدو استراتيجية افتعال الحرب السبيل الوحيد أمام نتنياهو للفوز في الانتخابات.
في الآونة الأخيرة، دعم دونالد ترامب إسرائيل بشكل غير مسبوق بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ووقوع الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا. ومن جهته، يعمل نتنياهو على تشتيت الانتباه الدولي عن القضية الفلسطينية، التي دخلت مجددا مرحلة حرجة.
وذكرت الصحيفة أن الدبلوماسية الدولية الحازمة فقط قادرة على وقف النشاط النووي في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن للأطراف الأخرى الشريكة في الاتفاق أن تنقذ المبادئ الأساسية لهذا الاتفاق، وأن تقدم الدعم إلى القادة الإيرانيين المعتدلين للحد من آثار العقوبات الجديدة. وتستطيع هذه الدول إخماد فتيل الأزمة في منطقة إسرائيل الشمالية، التي شهدت مواجهات مباشرة بين القوات الإسرائيلية والإيرانية.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن إنهاء العقوبات المسلطة على إيران والتخلي عن فكرة تغيير النظام الإيراني هو السبيل الوحيد لإرساء اتفاق جديد يضمن استمرارية نزع السلاح النووي من إيران، ووضع برنامج الصواريخ الباليستية تحت المراقبة. ومن المرجح أن يسمع ترامب نفس المقترح من نظيره الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في لقائهما المقرر عقده في شهر حزيران/ يونيو القادم. ولكن، من المتوقع أن يتبنى ترامب نفس الاستراتيجية التي اتبعتها إدارة بوش، المتمثلة في إغلاق الأبواب أما التفاوض مع إيران، بسبب التهديد العسكري.