هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عشر سنين قادمة ستغير وجه المنطقة للأفضل
يجب على المعارضة أن تتوافق لحرمان السلطة من اللعب على انقساماتها
مقاطعة انتخابات السيسي كانت عصيانا مدنيا نجح نجاحا ساحقا
المعارضة قدمت كل ما لديها لمنع العنف وإدانته، بعكس سلطة الانقلاب
قال وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري الأسبق، محمد محسوب، إن "مقاطعة الانتخابات الرئاسية كانت عصيانا مدنيا نجح نجاحا ساحقا، وهو إجراء تبناه الشعب المصري من تلقاء نفسه ليعبر عن رفضه للسلطة وسياساتها".
وأوضح، في الحلقة الثانية
من المقابلة الخاصة مع "عربي21"، أن "التغيير يستوجب أكثر من
الرفض، وهو الحراك الإيجابي، الذي يتضمن كثيرا من الأدوات السلمية التي تمتلكها
الشعوب لتحدث بها تغييرا في السلطة وطريقة الحكم".
وشدّد على ضرورة أن
"تتوافق المعارضة لحرمان السلطة من اللعب على انقساماتها، وأن تتحول لغة
الخطاب، ليكون الحديث عن إنقاذ الدولة والمؤسسات، وإقصاء كل من يتحدث عن تفكيكها أو
الانتقام منها، حتى يُمكن عزل السلطة عن المؤسسات، وإظهار حقيقة السلطة المعادية
للشعب وللدولة وللمؤسسات".
وكشف "محسوب"
جانبا من كواليس المفاوضات التي سبقت فض اعتصام رابعة، مؤكدا أنها انتهت إلى حل
واضح دستوري، غير أن من يدير الأمور في تلك الفترة كان راغبا في أن يصل للسلطة بأي
ثمن، فافتعل مجزرة لم يكن لها أي ضرورة؛ بغرض إغلاق أفق التسويات السياسية".
وأشار إلى أن السيسي
"اشترط لتعطيل الاتفاق اعتزال الرموز الأساسية المؤيدة للشرعية الدستورية للعمل
السياسي، فقبلت هذه الرموز، وكل ما طلبته هو أن تُوضع قائمة بمن يرغبون في اعتزالهم
العمل السياسي، لإسقاط كل حجة لعرقلة العودة للمسار الدستوري والديمقراطي".
وأكد أن "الأوضاع
الحالية في مصر أو في العالم العربي هي أوضاع تحول وليست أوضاع استقرار، وبالتالي
فإن عشرة سنين قادمة ستغير وجه المنطقة، ربما للأفضل لو تمكنت الشعوب من أن تتدخل
مرة أخرى لإجراء الجراحة اللازمة والحاسمة هذه المرة، وفرض أنظمة حكم ديمقراطية
مدنية".
وفيما
يلي نص الحلقة الثانية من المقابلة:
- البعض قال إنه عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية سيتم الإعلان عن جبهة معارضة واسعة تشمل الجميع في الداخل والخارج.. هل هناك أمل في خروج هذه الجبهة للنور؟
لا
علاقة بالآمال والتمنيات بموضوع بناء جبهة معارضة واسعة تشمل الجميع، فهو الخيار
الوحيد إذا رغبت القوى السياسية الإصلاحية أن تؤثر في المشهد، وأن تقوم بما يجب
عليها لإنقاذ مصر مما هي فيه وما هي مقبلة عليه.
- البعض يرى أن الغضب المكتوم
والرفض المحبوس في صدور المصريين لا قيمة له على الإطلاق ما لم يتحول إلى فعل
وحركة على الأرض، وهذا لن يحدث؛ بسبب القبضة الأمنية والقمعية للنظام.. فعلى ماذا
تراهنون؟
الغضب لا يبقى غضبا
مكتوما دائما، والقبضة الأمنية لا يُمكنها أن تمنع حراكا شعبيا إذا توفرت شروطه.
وأهم شروطه بعد حالة
الاحتقان العام الذي يراه القاصي والداني، هو أن تتوافق المعارضة وتنهي الخلافات
فيما بينها، وأن تتبنى مشروعا واضحا للتغيير يشعر الشعب معه أنه إذا تحرك إنما يسير
في اتجاه تغيير للأفضل ولحالة واضحة وغير ضبابية.
لابد أن ندرك أن الشعب
عاش تجربة الثورة، وثمة اتفاق عام على أن سرقتها جاء نتيجة الخلافات بين القوى
السياسية، وهو ما يعني أن التوافق بين هذه القوى أصبح شرطا أساسيا للوصول إلى
تغيير إيجابي.
- ما هي فرص تحرك الشعب في
انتفاضة جديدة ضد السيسي لإزاحة نظامه؟ ومتى قد يحدث ذلك برأيك؟
لا أحد يمكنه أن يتنبأ
بحراك الشعوب. كما أن الشعب المصري خرج توا من ثورة هائلة ثم حراك شعبي متواصل
لمدة ثلاثة أعوام لرفض الانقلاب المسلح على المسار الديموقراطي، وهو دفع فاتورة
فادحة عبر تلك السنوات، ولا أعتقد أنه سيقبل أن يدفع مزيدا من التكاليف إلا إذا
رأى نخبه السياسية وقد توحدت وتبنت عقدا وطنيا يُنهي خلافاتها ومشروعا جامعا
يستعيد زمام المبادرة ويقتنع به الشعب.
- حسن نافعة أستاذ العلوم
السياسية قال إنه سيكون أول المؤيدين للسيسي والداعمين له إذا استخدم فترة ولايته
الثانية في تمهيد الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي يسمح لكل المواطنين بالمشاركة
الفعالة في الحياة السياسية.. فهل وارد أن يفعل السيسي ذلك؟
دكتور حسن نافعة هو أحد
أصحاب الرؤى السياسية المحترمة، وأعتقد أنه قال ذلك – وأنا قرأته – لإدراكه أن
تركيبة النظام لا تسمح بأن تتبنى الخيار الديموقراطي.
- هناك من يقول إن العصيان
المدني الذي يدعو البعض إليه ليس من ثقافة المصريين، وإنه يحتاج لجهد كبير ووقت
طويل.. فهل تتوقع استجابة أو تعاطي إيجابي من قبل قطاعات شعبية مع دعوات
العصيان المدني؟
مقاطعة الانتخابات كانت
عصيانا مدنيا نجح نجاحا ساحقا، وهو إجراء تبناه الشعب المصري من تلقاء نفسه ليعبر
عن رفضه للسلطة وسياساتها.
لكن التغيير يستوجب أكثر
من الرفض، وهو الحراك الإيجابي، والذي يتضمن كثيرا من الأدوات السلمية التي
تمتلكها الشعوب لتحدث بها تغييرا في السلطة وطريقة الحكم.
والشعوب لا تقوم بهذا
الحراك الإيجابي إلا عندما يتحدد لها الهدف وتكون أمامها بدائل مرضية، وتكون في
طليعتها نخبة سياسية متوافقة بقدرٍ كاف.
- يبدو أن الواقع أثبت عدم
صحة التصريحات والتقارير التي تحدثت عن وجود تململ داخل المؤسسة العسكرية وباقي
مؤسسات الدولة من ممارسات السيسي.. فما هي أبعاد هذا التململ -إن وُجد- ؟ وما مدى
خطورته على نظام السيسي؟
على العكس، الواقع أثبت
صحة أن مؤسسات الدولة المصرية غير راضية عما يجري، لكن موازين القوى لازالت لصالح
السلطة.
فلو كان الأمر مختلفا،
لما شهدنا تلك المهزلة بتفاصيلها المحزنة من خطف لمرشح بمساعدة دولة أجنبية إلى
اعتقال رئيس أركان الجيش الأسبق إلى حبس عقيد جيش لأنه أقدم على الترشح إلى حبس
رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، والحديث عن مستندات بالخارج تدين من ارتكب مجازرا
في حق الشعب المصري.
والمعارضة السياسية هي
التي تمنح السلطة ميزة في مواجهة معارضة المؤسسات. فانقسام المعارضة السياسية
وتبني بعض من أطرافها لخطاب عدائي لمؤسسات الدولة خلطا بينها وبين السلطة هو مما
يقيد قدرة المؤسسات على الحركة.
ولذا يجب أن تتوافق
المعارضة لحرمان السلطة من اللعب على انقساماتها، وأن تتحول لغة الخطاب ليكون
الحديث عن إنقاذ الدولة والمؤسسات وإقصاء كل من يتحدث عن تفكيكها أو الانتقام
منها، حتى يُمكن عزل السلطة عن المؤسسات وإظهار حقيقة السلطة المعادية للشعب
وللدولة وللمؤسسات.
- صحيفة "واشنطن
بوست" قالت إن السيسي لن يكمل ولايته الثانية، ولن يتمكن من تحقيق الاستقرار
الذي وعد به المصريين.. فهل تتفقون معها فيما تذهب إليه؟
العالم كله يرى الثقوب في
هذه السلطة والنواقص التي لا تسمح لها بالبقاء إلا بعضا من المنظرين لدينا الذين
يعتقدون أن ستعيش للأبد.
الحقيقة أن هذه السلطة
جاءت انقلابا على ثورة يناير ومطالب الشعب فيها، وتفعل كل شيء لطمس هذه الثورة
ولزراعة اليأس في نفوس الشعب بأنها لن تعود، لكن سينتهي أمرها بأن تبتلعها ثورة
يناير لتعاود مسارها لتحقيق المطالب التي لم تتحقق لليوم.
- بحكم دورك السابق في المفاوضات
التي سبقت فض اعتصام رابعة.. ما هي كواليس هذه المفاوضات؟
المفاوضات انتهت إلى حل
واضح دستوري، يفوض الرئيس مرسي بموجبه سلطات لرئيس وزراء متوافق عليه لحين إجراء
انتخابات مبكرة، وهو ما قبلته كافة الأطراف إلا من أعد وخطط لمجزرة رابعة.
وكُشف عن هذا الحل الدستوري
بمؤتمر صحفي حضره المستشار طارق البشري ودكتور سليم العوا وآخرين في دار الحكمة 27
تموز/ يوليو 2013، وتحدثت أنا عنه بمؤتمر صحفي بعد لقاء الليدي كاترين أشتون
بالقاهرة في 29 تموز/ يوليو، كما إن بعضا من أطرافه سواء من تحالف دعم الشرعية أو
جبهة الإنقاذ موجودين بالخارج، والجميع تحدث عدة مرات عن وجود هذا الحل.
وشاهد الرأي العام لقاء
نائب الرئيس المؤقت (محمد البرادعي) وقتها مع السيدة أشتون واستعجالها بالرحيل
لغضبها لعدم الإعلان عن وجود نقطة التقاء بالمفاوضات، ومع ذلك أكدت وجود بدايات
الحل وأنها ستعود لاستكماله. وكان
هناك تصريح لنائب رئيس الجمهورية وقتها أثناء منصبه وبعد استقالته رفضا للمجزرة
بأن الأطراف كان لديها حل، وأن جريمة الفض أفسدت كل شيء.
وبقي نائب وزير الخارجية
الأمريكية في القاهرة ومعه ممثل الليدي أشتون ليتنقلا بين الأطراف لوضع اللمسات
الأخيرة على الاتفاق.
غير من يدير الأمور في
تلك الفترة كان راغبا في أن يصل للسلطة بأي ثمن، فافتعل مجزرة لم يكن لها أية
ضرورة بغرض إغلاق أفق التسويات السياسية والتأسيس لمرحلة جديدة يسود فيها الخوف،
وتكون الكلمة فيها لمن يمتلك السلاح لا من يملك الحقيقة.
ولتعطيل الاتفاق اشترط وزير
الدفاع في وقتها اعتزال الرموز الأساسية المؤيدة للشرعية الدستورية للعمل السياسي
فقبلت هذه الرموز، وكل ما طلبته هو أن تُوضع قائمة بمن يرغبون في اعتزالهم العمل
السياسي، لإسقاط كل حجة لعرقلة العودة للمسار الدستوري والديمقراطي.
لقد سعى الجميع – وأقول
الجميع بلا استثناء من القوى السياسية ذات القيمة والوزن – لإنهاء الأزمة بحلول
سياسية كانت متاحة، لكن إطالتها وتأجيلها كان له غرض وحيد وهو الوصول لمجزرة لمن
بحث عنها ليُعمد به كرسي الحكم.
- الأمين العام لجامعة الدول
العربية، أحمد أبو الغيط، قال إن الإسلام السياسي هو أخطر تهديد يواجه المنظومة
العربية بالكامل.. ما تعقيبكم؟
للأسف إن عملية الترويج
لاعتبار تيار الإسلام السياسي هو عدو، لا يخدم إلا من يعتبرون الإسلام هو العدو،
وأولئك الساعين لمواجهة بين الأديان والحضارات.
والجامعة العربية بعد سبعين
سنة من بنائها وصلت لفشل في كل المجالات، حتى أصبحت كمّا مُهملا، بينما دول
إقليمية غير عربية أو قوى دولية تتحكم في مصائر الدول العربية.
كما إن القضية العربية
الأولى – وهي قضية فلسطين – وصلت لحالة سيئة في ظل نظام عربي فشل في تحقيق نظام
دفاعي عربي قادر على الردع أو تكامل اقتصادي عربي يسمح بإنهاء حالة الفقر المستشري
في العالم العربي رغم توفر الثروات بدرجة مذهلة.
نحن أمام منظومة فاشلة،
ودائما ما يبحث الفاشلون عن شماعة لتعليق فشلهم عليها.
- رئيس حركة
"النهضة" التونسية، راشد الغنوشي، قال إنه "لا خيار للاستقرار في المنطقة
العربية إلا بتطبيق التجربة التونسية للحوار والتوافق والابتعاد عن الإقصاء
والخداع والعنف".. ما تعقيبكم؟
أؤمن بضرورة الاستفادة من
التجارب الأخرى مع يقيني بأنها لا تُستنسخ، وعلى سبيل المثال استفادت التجربة
التونسية بما جرى في مصر، وهو ما دفع بعض القوى لأخذ خطوة للخلف ومحاولة توسيع
دائرة التوافق الوطني مقابل تنازلات محسوبة. وهي سياسة ذكية، ونجحت في تقليل حالة
الاحتقان.
وإذا كانت قوى الثورة
التونسية هي التي فتحت ذراعيها للقوى الأخرى وقبلت بمشاركتها الحكم، فإن الحالة
المصرية في الوقت الراهن مختلفة، فلدينا انقلاب وصل للسلطة عبر عمليات قتل
واعتقالات واسعة وأغلق الأفق العام وأسقط كل المطالب التي جاءت بها الثورة.
وأنا أحاول أن أتخيل
مشهدا تسعى فيه مثل هذه السلطة للحوار أو التواصل أو إعادة بناء الثقة أو فتح
الأفق السياسي، فلا أجد أي أساس معقول لذلك.
قوى المعارضة المصرية
قدمت كل ما لديها لمنع العنف وإدانته وإقصاء أي أصوات تتبنى خطابا يخرج على
الثوابت الوطنية، بينما السلطة قامت بكل ما من شأنه قطع الأواصر بين أبناء الوطن،
وإقصاء كل صوت يخالفها حتى لو من داخل أقبية السلطة ذاتها.
- برأيك، هل فُقد الأمل في
إحداث تحول أو انتقال سلس للسلطة بهدف الوصول للحكم المدني؟
الأوضاع الحالية في مصر
أو في العالم العربي هي أوضاع تحول وليست أوضاع استقرار. وبالتالي فإن عشرة سنين
قادمة ستغير وجه المنطقة، ربما للأفضل لو تمكنت الشعوب من أن تتدخل مرة أخرى
لإجراء الجراحة اللازمة والحاسمة هذه المرة وفرض أنظمة حكم ديمقراطية مدنية.
وربما تكون -لا قدر الله
- للأسوأ إذا استمرت النخب السياسية تعيش في غرفها المغلقة ومراراتها التاريخية،
واستمرت في اعتبار خصوماتها الأيديولوجية أكبر من خصوماتها مع الاستبداد.
الأمر كله يعتمد على قدرة
النخب السياسية على التوافق، وقدرة الشعب على التعبير عن رفضه للاستمرار بطريق
الإفقار وإهدار الكرامة.
اقرأ أيضا: محسوب يدعو لعقد وطني جديد وتدشين مشروع ثوري جامع