هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في أقل من أربع سنوات، نجح زعيم الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، في القضاء على مظاهر المعارضة في مصر، وإغلاق جميع منافذ التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية بكل صورها البسيطة والمعقدة؛ فقضى على جميع الحركات العمالية والطلابية والحزبية والشعبية، من خلال قدرته على ما يسمى إعادة الدولة القمعية في أسوأ صورها.
وعلى الرغم من ثورة الديجتال التي ساهمت في ربط العالم ببعضه البعض والداخل بالخارج والعكس، وانتشار عصر المعرفة والإعلام الرقمي، إلا أن السيسي، وفق عدد من النشطاء السياسيين والمحللين والمراقبين، استطاع تجاوز كل تلك التحديات، بل وأخضعها لأغراضه، واستغلها في تنفيذ رغباته، في التضليل من جهة، والقمع من جهة أخرى.
خلق الرعب والإرهاب
وعلق القيادي في حركة 6 أبريل، والناشط السياسي، محمد نبيل، بالقول: "الدولة القمعية لم تقع أصلا حتى يعيد السيسي بناءها"، موضحا أن "السيسي لعب على تكتيك معروف؛ بخلق حالة من الرعب والخوف عند الناس، وتصديره في الإعلام أنه المخلص، وكثير من الناس اشترت مثل هذه الكلام".
وأضاف لـ"عربي21" أنه "على مستوى الداخلي، تقاعست الأجهزة الأمنية بعد ثورة 25 يناير عن أداء دورها كعقاب للناس، وبقيت المعادلة كي نحميكم لا بد أن تقبلوا قمع السياسيين والثوار. أما على المستوى الخارجي، فقد صدّر نفسه كمحارب للإرهاب، واستغل وجود المتطرفين حتى يوطد حكمه، كما أن الأمر بالنسبة للغرب لعبة مصالح، وليست مسالة أخلاق، وهو (السيسي) استطاع تأمين مصالحهم".
ورأى أن نظام السيسي "استطاع التغلب على رد فعل السوشيال ميديا لممارساته، أنه أيضا لعب عليها، وأدركت تأثيرها، فبادرت بتشغيل لجان إلكترونية لخلق رأي عام مضاد، ويجر المعارضة في جدل وسفسطة لا طائل من ورائها
وعزا قدرة السيسي على البقاء والصمود، سواء على رأس معسكره من جهة، ومعارضيه ومنافسيه من جهة أخرى، إلى أمرين، أولهما "ضعف وتشتت المعارضة؛ نتيجة الضربات الأمنية القاسية وغير المسبوقة وغير المتوقعة، وثانيهما، تسرب الخوف للناس من المواجهة، فهو يستخدم الرعب للسيطرة على الجمهور، لكن القاعدة تقول: آجلا أم عاجلا سيتحول الخوف لغضب".
الدعم الدولي والإقليمي
عضو لجنه الشؤون الخارجية والأمن القومي السابق بمجلس الشورى، محمد جابر، أكد أن "السيسي استند إلى الدعم الدولي والإقليمي له في تمرير سطوته على الشعب المصري، والقضاء على كل مظاهر الحياة السياسية، وأعاد البلاد إلى ما قبل القرن التاسع عشر".
وأضاف لـ"عربي21": أن "السيسي استفاد من الوضع الدولي المترهل وغير المستقر، ومن التراجع الكبير للمنظمات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، التي التزمت الصمت، كما وظف عجز الجهات القضائية الدولية، وعدم قدرتها على ملاحقة مجرمي الحروب ومرتكبي الجرائم ضد البشرية إلا في إطار ضيق تسيطر عليه الأنظمة الحاكمة".
مؤكدا أن "كل تلك المعطيات دفعته إلى سحق معارضيه، والتنكيل بهم، أيا كان انتماؤهم حتى لو كانوا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية"، لكنه أكد أن "مثل هذا الوضع عادة لا يدوم طويلا؛ إنما يزول وفق القاعدة العامة: ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. فالوضع الراهن يدفع خصوم السيسي القدامى والجدد والمتجددون كل يوم إلى البحث عن حلول تسمح لهم بالعيش والبقاء".
السيسي ليس وحده
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، سارة العطيفي، رأت أن السيسي تفوّق على كل سابقيه من طغمة العسكر الحاكمين، من خلال "التكريس لدولة تمارس إرهابا أيديولوجيا وبوليسيا على الشعب، والتحكم في كل أمور الدولة لصالح الكرسي، كما أوجد عددا كبيرا من مراكز السلطة الصورية من برلمان وإعلام وشيوخ وقضاة ومثقفين باعوا ضمائرهم من أجل القائد، كالنبات المتسلق الطفيلي، الذي يقتات من دماء وإرهاب المجتمع".
وكشفت لـ"عربي21" أن ملفات الفساد التي تضرب في عمق الدولة القديمة أصبحت أداة لضمان ولاء هؤلاء المتطفلين وتنفيذ قرارته"، مضيفة أن "الخارج لعب دورا في شرعنة نظام السيسي بالتغاضي عن عدم شرعيته بتأمين مصالح الإمارات بوأد الإسلاميين، والسعودية بالتنازل عن تيران وصنافير، وإسرائيل بخنق قطاع غزة، وتنفيذ صفقة القرن، والغرب بكبح جماح الهجرة المتزايدة".
وذهبت العطيفي إلى القول بأن "عالم العولمة وعصر الديجتال يصنعون الديكتاتورية كما يصنعون الديمقراطية؛ فالسيسي استطاع استخدام كل الوسائل لخداع شريحة كبيرة من المجتمع المصري، أنصاف المتعلمين والمثقفين والسياسيين وغيرهم، أما الجزء المتبقي فهم في السجون أو مكممو الأفواه أو مهاجرون".