أعتذر لهيئة التحرير، لأنني لم أتمكن من موافاتها بمقالي الأسبوعي، الذي كان مقررا نشره يوم السبت الفارط (هذه الكلمة من تأثيرات العطلة التي قضيتها في المغرب قبل نحو شهر). فقد كنت في الخرطوم، حيث كنت أكتب معظم فقرات المقال، فينقطع التيار الكهربائي، ويضيع كل ما كتبته؛ لأنني أنسى "حفظ" ما أكتب على الكمبيوتر قبل الانتهاء من الكتابة، ثم أشحن الكمبيوتر بالكهرباء حتى يصاب بالحمى، وأشرع في إرساله إلى الصحيفة، ولكن خدمات الإنترنت - ولسبب لا أفهمه - تنقطع بمجرد عودة التيار الكهربائي.
وقد يبدو العذر أعلاه قليل الوجاهة، ولكن - وبصراحة - فقد ألهاني عن الكتابة احتمال أن أصبح وزيرا. ففي الولايات المتحدة
السودانية (نظريا: نظام الحكم في السودان اتحادي يتألف من 18 ولاية)، هناك نحو 340 شخصا يحملون لقب وزير، ونحو 3400 شخص يحملون لقب وزير سابق.
وطوال الأيام التي قضيتها في الخرطوم، كان حديث المجالس "التعديل الوزاري المرتقب"، خاصة وأن العملة السودانية (الجنيه) بدأ يسقط عموديا أمام الدولار الإمبريالي الاستكباري، وصار الجنيه السوداني الذي كان يساوي أربعة دولارات قبل نصف قرن، يكفي فقط لشراء رغيفة خبز واحدة، حتى صرت تسمع من يقول إن راتبه الشهري 600 رغيفة خبز.
ورغم أنني ومعي ثلاثة فقط من زملاء الدراسة الجامعية لم نحظ بفرصة الاستوزار، فقد توقعت وتوقع معي العديدون أن أفوز بمنصب وزاري، خاصة وأن اثنين من الزملاء الثلاثة يعانون من الزهمرة التي تؤدي الى فقدان الذاكرة، وبالتالي صارا خارج المنافسة. ولكن صحفيين ثقات، بحكم أنهم قريبون من دوائر الحكم، أبلغوني بأن التشكيل الوزاري الجديد، سيكون بأسلوب إعادة التدوير. بمعنى أن وزراء سابقين سيصبحون وزراء "حاليين".
كنت في بداية مشواري في الحياة العملية، قد فزت بوظيفة دبلوماسية في الخارجية السودانية، ولكنني تنصلت منها؛ لأنني كنت قد خرجت قبلها بشهور قليلة من السجن في عهد ديكتاتور السودان الراحل جعفر نميري، ولم يكن واردا أن أصبح بوقا له في منابر خارج بلادي، ولا أظن أن جهاز أمنه كان سيحتمل وجودي في مكان ما ممثلا لحكومة بيني وبينها "ثار".
والتقيت عرضا قبل أيام - وبعد أن أدركت أن حلم الاستيزار بعيد المنال - بسفير مخضرم في الخارجية السودانية، فقال لي كلاما ما معناه: لماذا لا تنظر في أمر الالتحاق بالجامعة العربية، وبالتحديد في قطاع الإعلام فيها، وأنا أضمن لك الفوز بوظيفة هناك هي أصلا من نصيب السودان.
واعتبرت اقتراح صديقي "نصيبة"، وفي العامية السودانية نسمي المصيبة "نصيبة"، وقلت به بالعامية المصرية: جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح. يا حبيبي، الناس تسأل عن حسن الخاتمة، وأنت تريد لي الارتباط بـ"جنازة" وقد مضى من العمر معظمه؟
وبيني وبين جامعة الدول العربية ما صنع الحداد، (رغم أنني لا أعرف ماذا اقترف الحداد كي يصبح صنيعه صنوا للوقيعة)، وفي قلبي حب صادق لوزير خارجية لبنان الأسبق شارل مالك، الذي يقال إنه اعترض على ضم السودان لتلك الجامعة، بعد نيله الاستقلال عام 1956.
لا يهمني في كثير أو قليل أن مقترح إنشاء
الجامعة العربية جاء في 29 أيار/ مايو من عام 1941 من أنتوني إيدن، وزير خارجية بريطانيا، عندما صرح في 24 شباط/ فبراير 1943 في مجلس العموم البريطاني، بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين "العطف" إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية.
وتلقف الفكرة رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس، ورئيس الوزراء السوري جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري، فكان ما كان بمباركة الأردن والسعودية العراق واليمن، ثم طوّر أنتوني إيدن مقترحه بأن تكون المنظمة العربية الجامعة المرتقبة معنية بتوحيد الدول العربية.
وهكذا ولدت الجامعة العربية رسميا في 22 آذار/ مارس من عام 1945، أي قبل مولد الأمم المتحدة بشهور، لتعمل على تحقيق الوحدة العربية، ومنذ يومها والدول العربية تعاني من متلازمة التوحُّد (أوتيزم)؛ التي تجعل المصاب - بين أشياء أخرى - منغلقا على نفسه.
وجاء ميثاق الجامعة حافلا بالعنتريات اللفظية والأحلام الزلوطية (في الأدب الشعبي السوداني كان زلوط ديكا هزيل البنية ومنتوف الريش، وبالتالي عاجزا عن إقناع أي دجاجة بالتعامل معه، ويقضي جل يومه نائما فوق حبل الغسيل، وذات ليلة رأي في المنام أنه صار وسيما بديع الريش، وحوله دجاجة حسناء برفقة سلالته من الفروج/ الفراخ، ثم رأى نسرا ينقض على صغاره، فانقض بدوره على النسر، وإذا به يكتشف أنه وقع على ربة البيت التي كانت نائمة تحت الحبل، فما كان منها إلا أن نتفت ما تبقى من ريشه، وهكذا صار العاجز الذي يحلم بأمر ليس له به طاقة يوصف بأنه يمارس حلم زلوط).
يقول ميثاق الجامعة في ما يقول: احترام استقلال الدول الأعضاء وسيادتها (وكلك نظر أيها القارئ)، وأن تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، (وأنا عزيزي القارئ لن أُفسِّر، وأنت لن تُقَصِّر).
ومن أطرف ما جاء في ما يسمى ببروتوكول الإسكندرية الذي يقرر مهام ما يعرف بمجلس الجامعة (الهيئة العليا): قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها، فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة، فيلجأ الطرفان إلى المجلس لفض النزاع بينهما. وفي هذه الأحوال تكون قرارات المجلس ملزمة ونافذة.
ما هذا؟ ألا يعني أن قرارات المجلس "غير ملزمة"؟ فإذا لم تقبل دولة ما بتلك القرارات فمعنى ذلك أنها على خلاف مع بقية الدول التي قبلت بها. فمن أين للمجلس الصلاحيات لجعل تلك القرارات ملزمة بلجوء دولتين الى نفس المجلس الذي قراراته غير ملزمة؟
أقول للجامعة العربية ما يقوله مشجعو كرة القدم المصريون لمشجعي الفريق المهزوم: "قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا".
ولي عودة لأمر هذه الجامعة الطارحة إن شاء الله.