هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب المعروف باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن مغامرات الأمير محمد بن سلمان غير المحسوبة أضعفت موقف بلاده في العالم.
ويقول الكاتب إن "ولي العهد السعودي ابن سلمان هو رجل العام في الشرق الأوسط، لكن تأثيره نابع من فشله لا نجاحاته، فاتهم بالمكيافيلية من ناحية الطريقة التي انتهجها للوصول إلى العرش، حيث قضى على منافسيه داخل العائلة المالكة كلهم، لكن عندما يتعلق الأمر بوضع السعودية في العالم فإن مناوراته المخادعة تذكر أكثر بالمحقق كلوزو المشهور في أفلام ومسلسلات الستينيات في أدواره المحرجة".
ويضيف كوكبيرن: "مرة تلو أخرى قام الأمير المتهور الزئبقي بمغامرات في الخارج لتحقيق عكس ما كان يريده، وعندما أصبح والده ملكا عام 2015، قدم الدعم للمعارضة السورية، الأمر الذي كان وراء التدخل الروسي لدعم نظام الأسد، وقاد في النهاية إلى بقاء النظام في الحكم، وفي الوقت ذاته قام محمد بن سلمان بالتدخل العسكري في اليمن عبر حملة جوية، وأطلق عليها (عملية الحزم)، لكن وبعد عامين ونصف لا تزال الحرب مشتعلة، وقتل فيها 10 آلاف شخص، وأدت إلى تجويع ما يزيد على 7 ملايين شخص".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "ولي العهد يركز في السياسة الخارجية السعودية على المعارضة الشرسة لإيران وحلفائها في المنطقة، إلا أن أثر سياساته كان زيادة تأثير طهران في المنطقة، فالخصام مع دولة قطر، الذي قادته السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وفرضتا الحصار عليها منذ ستة أشهر، لا يزال مستمرا، والاتهام هو دعم قطر الجماعات المشابهة لتنظيم القاعدة -وهو اتهام يمكن أن يوجه للسعودية أيضا- بالإضافة لعلاقتها مع إيران، وكانت المحصلة النهائية للحملة المعادية لقطر هي دفع هذه الدولة الثرية والصغيرة إلى التعامل أكثر مع إيران".
ويلفت كوكبيرن إلى أن "علاقات السعودية مع الآخرين كانت تتسم بالحذر والمحافظة والحفاظ على الوضع القائم، إلا أن سلوكها اليوم يتسم بالحمق، ولا يمكن التنبؤ به، ويترك نتائج عكسية: انظر إلى الحلقة الغريبة في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما تمت دعوة سعد الحريري إلى الرياض ولم يسمح له بالعودة، وأجبر على الاستقالة من منصبه، وكان الهدف وراء هذا الفعل غير المخطط له هو إضعاف حزب الله وإيران ولبنان، لكنه من الناحية العملية أدى إلى تقوية هذه الأطراف".
ويتساءل الكاتب عما إذا كان ما يجمع هذه التصرفات أن جميعها قام على افتراض تحقيق "أفضل النتائج"، ولم تكن هناك خطة "ب"، ولا خطة "أ"، فـ"السعودية تغمر نفسها في نزاعات ومشكلات لا تعرف الخروج منها ولا وقفها".
ويفيد كوكبيرن بأن محمد بن سلمان ومستشاريه يعتقدون أنه لا يهم ماذا يفكر به اليمنيون واللبنانيون والقطريون؛ لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزوج ابنته جارد كوشنر، مسؤول ملف الشرق الأوسط يقفان معهم، مشيرا إلى تغريدات ترامب دعما لما قام به ابن سلمان من سجن أبناء عمه الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الحكومية، حيث قال: "أثق جدا بالملك سلمان وولي العهد، فهما يعرفان بالضبط ما يقومان بعمله".
ويستدرك الكاتب بأن "السعودية تتعلم أن دعم البيت الأبيض هذه الأيام لا يجلب لها إلا عددا قليلا من المنافع، فتركيز ترامب كما هو معروف قليل، وهو منشغل بالأمور المحلية، فدعمه لا يعني موافقة أطراف أخرى في الإدارة، وقد ترفض الخارجية والبنتاغون تغريدات ترامب، وتحاولان التحايل عليها أو تجاهلها، ورغم التغريدات الداعمة، فإن الولايات المتحدة لا تدعم المواجهة مع قطر، أو إجبار الحريري على الاستقالة من رئاسة الوزراء اللبنانية".
ويبين كوكبيرن أن "البيت الأبيض يكتشف محدودية القوة السعودية، فلم يكن ابن سلمان قادرا على دفع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليوافق على الخطة التي تدعمها الولايات المتحدة، التي تعطي إسرائيل معظم الضفة الغربية، وقد تكون فكرة التحالف السعودي الإسرائيلي ضد إيران جذابة للباحثين في مراكز البحث في واشنطن، لكنها لا تعني شيئا على الأرض".
ويؤكد الكاتب أن "فكرة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها لن تترك أثرا على الأرض لم تعد صحيحة، فالسعودية، وليس منافسوها، هي التي أصبحت معزولة، وتغير ميزان القوة في المنطقة العربية خلال العامين الماضين لغير صالحها، وبعض هذه الأمور سابق على ترفيع ابن سلمان ووصوله إلى السلطة منذ عام 2015، فالتحالف التركي القطري السعودي فشل في تغيير النظام في سوريا، وأصبحت تركيا وقطر أكثر قربا للمحور الذي تقوده روسيا".
ويعلق كوكبيرن قائلا: "لو أرادت أمريكا فعل شيء ضد هذا التحالف فهي متأخرة نوعا ما، أما بقية الدول في الشرق الأوسط فتعترف بأن هناك رابحين وخاسرين، ولا تريد أن تكون مع الطرف الخاسر، وعندما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، الذي يضم 57 دولة، أرسلت السعودية وزيرا صغيرا لهذه المنظمة الضعيفة، في الوقت الذي حضره الملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والقطري الشيخ تميم بن حمد، واعترفوا بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وطالبوا بتراجع أمريكا عن قرارها".
ويرى الكاتب أن "ابن سلمان أظهر قدرة ميكافيلية للحصول على السلطة داخل بلاده، إلا أن نجاحه الداخلي يمنحه إحساسا مبالغا فيه بقدراته في التعامل مع الشؤون الخارجية، وقد يقود أحيانا إلى نتائج كارثية".
ويجد كوكبيرن أن "المقارنة بين ابن سلمان وصدام حسين جيدة، فالأخير استطاع وبذكاء السيطرة على السلطة، لكنه دمر بلده عندما خاض حربين لم يستطع الانتصار فيهما".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "عادة ما يتم تفسير الأخطاء التي يرتكبها القادة المؤثرين من خلال النرجسية والجهل، وترفق بالنصيحة المتملقة والمضللة من الجنرالات الكبار، وأول خطوة نحو المغامرة الخارجية جذابة؛ لأنها تصور الزعيم على أنه حامل راية الوطن، ويبرر سيطرته داخل البلد، وهذا الموقف الوطني هو الطريق الأسهل للحصول على الشعبية، لكن هناك فاتورة سياسية عادة ما تدفع لو انتهت الحروب بالإحباط والهزيمة، وقرر ابن سلمان أن تؤدي بلاده دورا نشطا وعدوانيا، في الوقت الذي كان يتراجع فيه رصيد البلاد الاقتصادي والسياسي، وبهذه الطريقة فإنه يبالغ بأداء دوره ويزيد من أعدائه".