هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في المركز العالمي للأبحاث في الشؤون الدولية والمعلق في صحيفة "جيروزاليم بوست" جوناثان سباير، يقول فيه إن طهران ربحت الحرب للسيطرة على الشرق الأوسط، مضيفا أن "لا فرصة لدى السعودية لتغير الموجة، رغم الخطوات الجريئة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان".
ويقول سباير إن "السعودية تسير على طريق الحرب في الشرق الأوسط، فقد قامت بإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، وبعد التصريحات التهديدية التي أعقبت سقوط الصاروخ الباليستي على الرياض، الذي أطلق من اليمن، يبدو أن هناك مرحلة من النشاطات الحاسمة التي ستقوم بها السعودية ضد المصالح الإيرانية في المنطقة".
ويضيف الكاتب أن "تحرك الأمير محمد بن سلمان على أكثر من جبهة، يذكر بمايكل كوريلوني وتحركه الحازم ضد أعداء عائلته في المشاهد الختامية من فيلم (العراب)، وليس من الواضح أن الأمير البالغ من العمر 32 عاما قد وجد الصيغة ليوقف التميز الإيراني".
ويشير سباير في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى سجل المواجهة بين السعودية وإيران، الذي حصل في أكثر من مكان في المنطقة خلال العقد الماضي، "فالعراق ولبنان لم يعودا قادرين على العمل بطريقة فاعلة، فيما انهارت دول بالكامل، مثل سوريا واليمن، وهناك حرب جارية على الأنقاض في هذين البلدين، وفي كل حالة فإن المستفيد كان إيران".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في لبنان قام حزب الله بهزيمة تحالف 14 آذار المدعوم من السعودية، حيث كشفت أحداث أيار/ مايو 2008 عن عجز وكلاء السعودية عندما تمت مواجهتهم بقوة متعددة توفرت لوكلاء إيران في لبنان، وعندما قرر حزب الله الدخول في الحرب الأهلية السورية، أكد أن النظام اللبناني لا يستطيع تقييد حركته، بالإضافة إلى أن تعيين حكومة يسيطر عليها حزب الله في عام 2016، وتعيين ميشيل عون حليف الحزب رئيسا قبل شهرين من تشكيل الحكومة عززا سيطرة إيران على البلد، وكان إلغاء السعوديين لدعم الجيش اللبناني، وإجبار الحريري على الاستقالة اعترافا منهم بهذا الواقع".
ويبين سباير أن "الدعم المادي والبشري في سوريا، والتكنولوجيا التي قدمت لنظام بشار الأسد، أديا دورا حاسما في منع انهيار النظام، وعملت التعبئة الإيرانية للجماعات الوكيلة على بناء مليشيات محلية، التي قدمت للنظام القوة البشرية اللازمة لهزيمة المنافسين، وفي المقابل انتهت جهود دعم المعارضة السورية، التي أدت السعودية دورا حاسما فيها، بانتشار الفوضى وظهور الجماعات السلفية".
ويبين الكاتب أن "الحرس الثوري نشر في العراق قوة مليشيا مستقلة وبدعم رسمي، مكونة من 120 ألف مقاتل في الحشد الشعبي، ومع أن القوى في الحشد الشعبي لم تكن كلها مؤيدة لإيران، إلا أن أهم ثلاث مليشيات فيه مرتبطة بإيران، وهي منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله".
وينوه سباير إلى أن "إيران تتمتع بتأثير سياسي في بغداد، فحزب الدعوة الحاكم مؤيد من الناحية التقليدية لإيران، فيما تسيطر منظمة بدر على وزارة الداخلية، بشكل ساعدها على الخلط بين ما القوات المسلحة والمليشيا، ما ساعد على استفادة مليشيات جرى تقديمها بطريقة رسمية من الدعم والتدريب العسكري الأمريكي".
ويقول الكاتب: "لم يبق أمام السعودية إلا محاولة اللحاق بإيران، حيث زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الرياض في نهاية الشهر الماضي؛ من أجل افتتاح مجلس التنسيق السعودي العراقي، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء عراقي للسعودية منذ أكثر من ربع قرن، لكن ليس لدى السعوديين أكثر من المحفزات المالية لدعم حلفائهم السياسيين المحتملين".
ويذكر سباير أن "السعوديين حاولوا في اليمن التدخل عسكريا، وكانت النتائج غير حاسمة، حيث فشل الحوثيون وحلفاؤهم في السيطرة على كامل البلاد، ولم يستطيعوا الوصول إلى مضيق باب المندب الحيوي للملاحة البحرية الدولية؛ وذلك بسبب التدخل العسكري السعودي عام 2015، لكن السعودية متورطة في مستنقع حرب لا نهاية قريبة لها، مع أن الدعم الإيراني للحوثيين لم يكن كبيرا".
ويعلق الكاتب قائلا: "بناء على لائحة النتائج، فإن إيران انتصرت في لبنان، وتنتصر في العراق وسوريا، وتقوم باستنزاف السعودية في اليمن".
ويوضح سباير أن "إيران كانت قادرة في كل حالة على بناء جماعات وكيلة لها، اعتمدت عليها لعملية التأثير العسكري والسياسي في البلاد، وعملت إيران وبنجاح على تحديد بعض الثقوب في معسكر عدوها، حيث تصرفت بحزم وسرعة من أجل إلغاء نتائج الاستفتاء الكردي على الاستقلال في شهر أيلول/ سبتمبر، وعاقبت الأكراد على التحرك بسبب تنظيمه، واستطاع الإيرانيون استخدام علاقاتهم القوية مع عائلة طالباني، الحزب المنافس لعائلة البارزاني، وهندسة عملية الانسحاب لقوات البيشمركة من مدينة كركوك في تشرين الأول/ أكتوبر، بحيث عبدت الطريق أمام سيطرة حلفاء طهران على المدينة الغنية بالنفط".
ويقول الكاتب إن "هناك أدلة قليلة حول تعلم السعوديين من فشلهم السابق، واستطاعوا الآن وقف التأثير الإيراني في المنطقة، فالسعوديون ليسوا جيدين في بناء جماعات وكيلة لهم في العالم العربي، ولم يفعلوا إلا القليل الناجع منذ تسلم ابن سلمان السلطة، وكل ما فعله هو نزع الستار عن التعددية الطائفية للحكومة اللبنانية، وهدد أعداءه في اليمن، وهي خطوات رمزية مهمة، لكنها لا تقدم الكثير من القوة الفعلية للرياض، التي افتقدتها دائما، فوقف التمدد الإيراني مباشرة أو من خلال جماعات وكيلة لا يعتمد في النهاية على السعوديين أو الإمارات، لكن على مشاركة الولايات المتحدة، وربما إسرائيل في حالة لبنان".
ويستدرك سباير بأنه "رغم أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس لا يعرف مدى التعاون الأمريكي الإسرائيلي، إلا أن تصريحاته الأسبوع الماضي عن بقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا، وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استمرار تعزيز أمن إسرائيل في سوريا، تشير إلى أن لهذين الطرفين دورا يمكنهما أداؤه".
ويجد الكاتب أن "التصرف السعودي السابق يدعو إلى الشك، إلا أن إيران لديها كعب أخيل في كل بلد، ففي كل بلد شهد تنافسا سعوديا إيرانيا وجدت طهران صعوبة في تطوير تحالفات خارج الشيعة أو الأقليات الأخرى، ولا يثق السنة، خاصة في الدول السنية، بإيران، ولا يريدون العمل مع الإيرانيين، وهناك عناصر داخل الطبقة السياسية الشيعية العراقية لا تريد أن تعيش تحت إبهام إيران، ولاعب داهية يبحث عن وكلاء لدعمهم لديه الكثير من الجماعات للعمل معها، لكن السعوديين ليسوا هم هذا اللاعب".
ويختم سباير مقاله بالقول: "على الأقل، فإن محمد بن سلمان عبر عن نيته مواجهة إيران وجماعاتها الوكيلة في العالم العربي، واللعبة مفتوحة، والنجاح فيها يعتمد على استعداد حلفاء الرياض للعمل إلى جانبها، ومنحنى التعلم كذلك في الأساليب السياسية وحروب الوكالة مفتوح".