هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استغل الإعلام المصري المؤيد للانقلاب قضية تهويد القدس؛ لمهاجمة خصوم
النظام، وتحميلهم مسؤولية الأزمة، وتخوين من يطالبون بتحرك الجيوش العربية للدفاع عن
فلسطين أو مواجهة إسرائيل.
وعلى الرغم من عدم تعالي الأصوات الشعبية التي تطالب الجيش المصري بالتدخل
لنصرة "القدس"، كما كان يحدث طوال العقود السابقة، إلا أن النظام ومؤيديه
بادروا بتوجيه الانتقادات إلى أي مطالبات في هذا الإطار، بحسب مراقبين.
هجوم استباقي
وتعليقا على هذا التوجه، قال الصحفي "تامر أبو عرب" عبر
"فيسبوك": "أنا لم أقرأ أي منشور يطلب من الجيش المصري أن يذهب لتحرير
القدس، لكني رأيت مئات المنشورات التي تشتم من يطلب من الجيش أن يحرر القدس"،
مضيفا أن "الدولة المصرية يمكنها أن تأخذ عشرات المواقف السياسية والدبلوماسية
بعيدا عن تدخل الجيش في الأزمة".
وفي هذا السياق، كتب رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع"، خالد
صلاح، مقالا وجه فيه انتقادات حادة لخصوم النظام ولمن يطالبون الجيوش النظامية العربية
بمواجهة إسرائيل بعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وقال صلاح، في مقاله الذي نشره السبت الماضي: "المعركة مع إسرائيل
أيها الأغبياء، حاكموا حماس وحزب الله والقاعدة وداعش على ضياع القدس، واتركوا الجيوش
العربية تلملم آثار خيانتكم، وارحمونا من أصواتكم الوقحة، ودعوا هذه الأمة تناضل لأجل
كرامتها".
وأضاف: "البعض يريد لقضية القدس أن تتحول من معركة مع إسرائيل إلى
معركة مع الأنظمة العربية في الداخل، القوى الخبيثة تجرنا بعيدا عن الهدف، كالعادة،
وبدلا من أن نتوحد في مواجهة قرار الرئيس الأمريكي، ونناضل في سبيل إقرار الحق العربي،
نسقط مجددا في خلافات داخلية ومعارك الشماعات السياسية الكلاسيكية، لتضيع القدس إلى
الأبد".
وكال خالد صلاح الاتهامات لخصوم النظام، قائلا إن "حماس أسهمت في
شق الصف الفلسطيني، وبدلا من أن توجه سلاحها للعدو، وجهت رصاصها لفتح والقيادات الفلسطينية،
وأسهم الإخوان في سوريا في إسقاط بلادهم، وتدمير جيشهم، ليخرج نهائيا من معادلة الصراع
العربي الإسرائيلي، وهذا ما جرى أيضا في اليمن والعراق وتونس وليبيا، وكل هؤلاء يلومون
الآن الأنظمة السياسية، التي حاصروها بالإرهاب والعنف، والاستقواء بالخارج، وشق صف
الأمة العربية بالكامل، وإثارة الفتن، والعمل على إضعاف الجيوش العربية، وإرباك الدولة
الوطنية في العالم العربي"، على حد قوله.
أما الصحفي دندراوي الهواري، المؤيد للنظام، فكتب هو الآخر مقالا بعنوان
"يسألون عن جيشنا ونسألهم: أين حماس وداعش والإخوان من تحرير القدس؟!" قال
فيه إن "من يصدرون فتاوى تجيز قتال وإسقاط الجيش المصري تارة، وتشويه دوره الوطني
والقومي ووصفه بأنه جيش مكرونة وسمك وجمبري تارة أخرى، يطلبون منه الآن قتال إسرائيل
وتحرير القدس.
وأضاف: "أي معادلة سياسية ووطنية وقومية عفنة، التي يضع مكوناتها
كل من جماعة الإخوان الإرهابية والنكسجية أدعياء الثورية في الداخل، وأردوغان وتميم
في الخارج، ما بين الدعوة لقتال وتفكيك جيش مصر، واستبداله بميلشيات إخوانية إرهابية،
على غرار الحرس الثوري الإيراني الإرهابي، وبين دعوته ليقود بمفرده معركة تحرير فلسطين
وإنقاذ القدس من براثن التهويد.
إعلام الستينات
الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع، وصف الإعلام المصري بأنه إعلام تابع بشكل
كامل لتوجهات النظام، مضيفا أنه لم يعد أحد يثق فيه، ولا ينتظر منه أي خير؛ بسبب ما
فعلوه من أكاذيب وبيع الوهم للناس خلال السنوات الأربع الماضية.
وأضاف ربيع، في تصريحات لـ"عربي21"، أن "إعلام السيسي"
ظل لعدة سنوات يهاجم "حماس"، ويتهمها بالمسؤولية عن العمليات الإرهابية التي
تحدث في مصر، وعندما عقد النظام مصالحة مع الحركة، تحولت بشكل مفاجئ إلى حركة مقاومة
وطنية تسعى إلى تحرير الأرض المحتلة.
وأكد أن ما يقوم به الإعلام المصري في عهد السيسي هو امتداد لما كان يحدث
أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما كان يلقي بالمسؤولية على خصومه السياسيين
في قضايا ليس لهم علاقة بها من الأساس، وهذا ما نشاهده الآن حينما يتم اتهام قطر وتركيا
والإخوان بخيانة القضية الفلسطينية.
الإفلات من المسؤولية
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، محمود السعيد، إن الإعلام المصري
تم تأميمه منذ 2013، مؤكدا أنه يردد سياسة النظام الحالية تجاه هذه القضية الفلسطينية،
ولا يجرؤ على مخالفة التعليمات التي تملى عليه.
وأضاف السعيد، في تصريحات لـ "عربي21"، أن المهنية تصبح شبه
معدومة في الإعلام المصري عند تناوله للأحداث السياسية، مشيرا إلى أنه منذ قرار ترامب
نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، فإن معظم الصحف والقنوات المصرية تعاملت مع
القضية بالسياق ذاته، حيث ركزت على إبراز دور مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية،
وجهود مصر في إجراء المصالحة بين حركتي فتح وحماس، دون أن تنتقد الولايات المتحدة أو
إسرائيل أو تسيء إليهما.
وأوضح أن شيطنة معارضي النظام، مثل دولة قطر أو جماعة الإخوان المسلمين،
تأتي ضمن المحاولات الدائمة من جانب النظام لتحميلهم المسؤولية عن إخفاقاته في كل قضية
تصدى لها؛ حتى يرسخ فكرة أنهم يعملون ضد الأمن القومي المصري.