نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني مقالا، للباحثة
الفلسطينية الأمريكية في حقوق الإنسان، نورا عريقات، جاء فيه أن إعلان الرئيس دونالد
ترامب اعتبار
القدس عاصمة لإسرائيل، أنهى عقودا من ازدواجية الخطاب الأمريكي، والانحياز الأعمى للاحتلال
الإسرائيلي، وسياسة الاستيطان، والفصل العنصري، وتجاهل القوانين والقرارات الدولية.
وقالت الكاتبة، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن قرار الرئيس دونالد ترامب، يأتي كتتويج لخمسة عقود من السياسة الخارجية الأمريكية، التي سهلت عمليات الاستيطان، وتوسيع رقعة الاحتلال الإسرائيلي، في القدس الشرقية والضفة الغربية بشكل عام.
وأضافت الكاتبة أن الإدارة الأمريكية متمثلة في الرئيس السابق ليندون جونسون، كانت قد عارضت ضم إسرائيل للقدس الشرقية في سنة 1967، إلا أن الرؤساء الذين جاؤوا بعده اعتمدوا على خطاب مزدوج، حيث إنهم كانوا في العلن يعتبرون أن تواصل سياسة الاستيطان يمثل خرقا للقانون الدولي، ويعرقل جهود إحلال السلام، ولكن في الخفاء كانوا يوفرون لإسرائيل دعما عسكريا وماليا ودبلوماسيا غير مشروط، وهو ما مكنها من مواصلة عربدتها دون تحمل أي مسؤوليات قانونية.
واعتبرت الكاتبة أن
الولايات المتحدة لطالما رفعت شعار صنع السلام، وتذرعت به لحماية حليفتها إسرائيل، إذ إنه بين 1967 و2017، استخدمت واشنطن حق الفيتو 43 مرة، لتعطيل قرارات في مجلس الأمن، تهدف لردع إسرائيل وكبح جماح الاستيطان.
وبفضل الدعم الأمريكي، تمكنت إسرائيل من زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية، من 200 ألف في 1993 إلى 600 ألف اليوم، ولذلك فإن قرار ترامب الآن يمكن أن يكون له جانب إيجابي، وهو أنه فضح حقيقة صنع السلام الذي تمارسه الإدارة الأمريكية.
وذكرت الكاتبة أن نجاح إسرائيل في التملص من كل التبعات القانونية والسياسية لممارساتها، يعود بالأساس إلى التدخل الأمريكي القوي في كل مرة. حيث إن الإدارة الأمريكية منذ 1967 دأبت على استخدام سياسة مزدوجة، تهدف إلى ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وفي نفس الوقت جعلها في حل من أي التزام سياسي فعلي، وهذا الأسلوب جعل دولة الاحتلال محصنة ضد قوانين وقرارات المجتمع الدولي.
وأضافت الكاتبة أنه بفضل هذا الغطاء الدبلوماسي من القوة الأولى في العالم، واصلت إسرائيل مصادرة أراضي الفلسطينيين ومنحها للمستوطنين اليهود، في مقابل محاصرة الشعب الفلسطيني داخل رقعة جغرافية ضيقة. ثم جاءت اتفاقات أوسلو 1993، لتثبت هذا الواقع عوض أن تلغيه.
وأوضحت الكاتبة أن اتفاقات أوسلو حددت في البداية فترة خمس سنوات، كمرحلة انتقالية تجرى فيها محادثات من أجل إبرام اتفاق سلام. إلا أن تلك الاتفاقات لم تكن مبنية على القانون الدولي، بل تهدف ظاهريا لتحقيق قراري الأمم المتحدة رقمي 242 و338، وهذا كان يعني أن القضية الفلسطينية لن تحل بالقانون، بل بحسب مخرجات المفاوضات، وهو ما أدى إلى نتيجة كارثية للفلسطينيين.
وذكرت الكاتبة أنه علاوة على كل هذه الحقائق على الأرض، فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أوضح بكل جرأة، أنه لن تكون هنالك دولة فلسطينية. ولذلك كان على القيادة الفلسطينية التخلي عن هذا المسار في سنة 2001، إبان اندلاع انتفاضة الأقصى، وتصعيد إسرائيل لأعمالها العسكرية ضد المتظاهرين. ولكن عوضا عن ذلك، فقد تمسكت السلطة الفلسطينية بأمل زائف، بأن الولايات المتحدة سوف تؤمن لها الاستقلال في مقابل الطاعة والولاء.
واعتبرت الكاتبة أن ترامب اليوم أنهى هذا الدور الأمريكي المزدوج، ويفترض أنه وضع حدا لأي أمل لدى الفلسطينيين بأن واشنطن سوف تمنحهم الاستقلال، أو أن الجانب الإسرائيلي مستعد للتنازل عن أي جزء من الأراضي التي احتلها خلال الحرب.
وأكدت الكاتبة أن المرحلة الجديدة التي دخلتها القضية الفلسطينية، والتي ستتضمن التخلي عن حلم الدولة الفلسطينية، وتشريع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، لا يمكن تحميل المسؤولية فيها لإدارة ترامب وحده، باعتبار أن نفس هذا الدور لعبته واشنطن إبان حكم العديد من الرؤساء، سواء من الجمهوريين أم من الديمقراطيين.
وتساءلت الكاتبة حول ردة الفعل المنتظرة من الدول العربية، إذا تسارعت وتيرة الاستيطان الإسرائيلي وضم المناطق التابعة للأراضي الفلسطينية، مرجحة أن الرد الأقرب يمكن أن يكون قطع العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن هذا يبقى مستبعدا بالنسبة للعديد من الدول، على غرار المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، لأنها تضع على رأس أولوياتها المحافظة على الحماية الأمريكية.
ورجحت الكاتبة أن تكون الخطوة المناسبة للشعب الفلسطيني، من أجل نزع الشرعية عن دولة الاحتلال، هي النضال السلمي والمدني، على غرار حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وتسليط العقوبات على الكيان الإسرائيلي، خاصة أن التظاهر في الشوارع والعمل العسكري تستغله قوات الاحتلال، للرد بقوة مفرطة وإيقاع أكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوف الشعب الفلسطيني.