هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب الصحافي روبرت فيسك، يتحدث فيه عن وعد بلفور، الذي مر على صدوره مئة عام.
ويسخر فيسك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، من تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي قالت إنها "فخورة" بوعد بلفور، ويقول إن "الإسرائيليين سيحتفلون، ولم لا ؟ لوضع ختم بريطانيا على مستقبل الدولة اليهودية في فلسطين، ودونه ربما لم تقم إسرائيل، إلا أن المعاناة المخيفة والمأساة التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون، وجاءت بعد سنوات، تشير إلى أن رسالة بلفور، ومن خلال صياغتها المخطئة، ظلت بالتأكيد لعنة تلاحق إلى اليوم المكان المسمى الأرض المقدسة".
ويضيف الكاتب أن "الأكثر مدعاة للخزي من كلمات تيريزا ماي -خاصة أن الكثير من البريطانيين يشعرون بالخجل، أو يفضلون الصمت عندما يفكرون في هذا الفصل من التاريخ- ما قاله سفير إسرائيل في لندن، مارك ريغيف، الذي وصف مواطني بريطانيا، التي جاء إليها ممثلا دبلوماسيا، بأنهم (متطرفون) لو عارضوا وعد بلفور".
ويشير فيسك إلى أن "هذا الرجل الذي كان علينا أن نتحمل مبرراته المثيرة للغثيان عن الذبح في غزة، عندما كان متحدثا باسم الحكومة الإسرائيلية، يواصل حديثه قائلا إن (من يعارضون وعد بلفور يكشفون عن تطرفهم، وإن كنت تعارض الوطن القومي لليهود فإن هذا يعني أنك تدعم تدمير إسرائيل، ودعونا نكون واضحين، فإن هذا هو موقف الحكومة الإيرانية وموقف الجماعات الإرهابية مثل حزب الله وحركة حماس)".
ويقول الكاتب إنه "بدلا من تعنيف السفير الإسرائيلي لاستخدامه لغة غير دبلوماسية باتجاه (مواطنيها)، فإن ماي فضلت أن تحتفظ بصمتها الجبان، فيما تركت للسفير الإسرائيلي مهمة إخبارنا بالطريقة التي يجب أن نفكر فيها بوعد بلفور، ولو لم نتفق معه فكلنا متطرفون وإرهابيون، وبالضرورة معادون للسامية وعنصريون ونازيون ومتعاطفون مع حركة حماس".
ويتساءل فيسك قائلا: "أي سفيه هذا الرجل؟ ألا يعرف مارك ريغيف أن صحافيا إسرائيليا، على الأقل، أشار إلى أن وعد بلفور ربما كان نفسه معاديا للسامية؟ وجاء بعد سنوات قليلة من تشريع بريطانيا قانونا منعت فيه دخول المهاجرين اليهود من روسيا وأوروبا الشرقية إلى الأراضي البريطانية، وبالتأكيد كانت بريطانيا تريد الحصول في عام 1917 على دعم يهود أوروبا وأمريكا في الحرب العالمية الأولى، لكننا فضلنا أن يتجنب أي مهاجرين يهود لندن المظلمة من أجل فلسطين المشمسة".
ويقول الكاتب: "دعونا نشير إلى أمر آخر، فإن إسرائيل موجودة سواء كان وعد بلفور الداعم الأجنبي لها أم لم يكن، لكنها ستختفي لو قامت بتدمير نفسها من خلال سياسة رئيس الوزراء في سرقة أراضي العرب للمستعمرين الإسرائيليين الذين سيجلبون الخراب عليها".
ويضيف فيسك: "كما تحدث أحد المؤرخين الإسرائيليين البارعين، وهو أستاذ في جامعة أوكسفورد، قائلا إن وجود إسرائيل ربما كان ظالما لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا بيوتهم، ويعيشون اليوم في الشتات، لكنها قانونية، وجاءت إلى الوجود بشكل قانوني، ومعترف بها دوليا، مع أن سياستها الاستعمارية في الضفة الغربية ليست قانونية، وهي عضو في الأمم المتحدة، ولديها علاقات دبلوماسية مع 159 دولة".
ويذهب الكاتب إلى أن "هذا لا يبرر شعور تيريزا ماي بالفخر، ومن الملاحظ أن تصريحاتها وضعت مصالح بريطانيا التجارية فوق المعاناة والظلم الرهيب الذي حل بالفلسطينيين، وبالطبع فعلت هذا لأنها مهتمة بنتائج الخروج من بريطانيا (البريكسيت) أكثر من اهتمامها بملايين اللاجئين، وهذه السيدة نفسها -تذكروا- هي من أمسكت بيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
ويذكر الكاتب للتاريخ ما قالته ماي في مئوية بلفور: "أنا... سعيدة من العلاقات التجارية والعلاقات الأخرى التي تربطنا بإسرائيل، التي نقوم ببنائها وتعزيزها، وعلينا أن نكون واعين للحساسية التي لدى البعض من وعد بلفور، ونعترف أن العمل تم ولا نزال ملتزمين بحل الدولتين فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين"، ويعلق فيسك قائلا إن "هذا التصريح مخز مثل وعد بلفور ذاته".
وينقل فيسك ما ورد في الوعد حقيقة، وهو "أن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي يهودي على أرض فلسطين، وأنها ستستخدم كل ما لديها من وسائل لتحقيق هذا الهدف، ويجب ألا يؤثر هذا على الحقوق المدنية والدينية لغير اليهود على أرض فلسطين".
ويلفت فيسك إلى الكذبة التي قام عليها الوعد؛ لأن غالبية سكان فلسطين كانوا عربا، وعدد اليهود لم يكن يتجاوز الـ60 ألف نسمة، منوها إلى أن البيان أشار إلى الغالبية في المجتمعات غير اليهودية الموجودة، ولم يشر إليهم بالعرب أو المسلمين، بل "(مجتمعات)، (موجودة)، التي يمكن إقناعها يوما ما بأن (توجد) في مكان آخر".
ويقول الكاتب: "يمكن أن ننسى بلفور وشلته، حيث اعترفوا بعد أشهر بأنهم قصدوا ألا يلتفتوا للعرب، وبالتأكيد فلم يحصلوا على أي اهتمام (العرب)، فخلال 30 عاما أقيمت إسرائيل وبدأت المأساة الفلسطينية، وبهذا تشعر ماي بالفخر".
وينوه فيسك إلى "كلمة (الحساسيات)، التي لم تكن تقصد بها ماي بالتأكيد مشاعر اللاجئين الفلسطينيين، لكن بعض النواب المحافظين، وكذلك (المسكين) زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، الذي يواجه الجلد والنقد المعتاد؛ بسبب عدم حضوره حفلة العشاء الرسمية في ذكرى وعد بلفور في لندن، ولو كان واضحا بالنسبة للـ(بريكسيت) وشجب هذه المهزلة كلها، مثل وضوحه من وعد بلفور، لكن للأسف فهو يخشى من مواقف الدوائر الانتخابية العمالية".
ويقول الكاتب إن "ماي (لديها عمل يجب إنجازه)، ولا تزال تؤمن بحل الدولتين، في وقت تم فيه البناء على الضفة الغربية، وانهارت محادثات السلام".
ويخلص فيسك إلى القول: "هذه مأساة بالطبع، لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، إسرائيل ظلت على قيد الحياة، لكن بدعم ضخم من الولايات المتحدة لا تزال قائمة بصفتها دولة، لكن دون سلام مع جيرانها، ونهاية لاستعمار أرض شعب آخر، ودون دولة فلسطينية، التي أقول وللأسف إنها لن تقوم، فإن إسرائيل ستظل في حرب، وتعيش في خوف دائم، ولها أعداء، لكن استمع لما قالته ماي، شعور بالفخر، ولو لم تشعر فاعتبر نفسك نازيا".