نشرت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن
الأزهر، أعلى سلطة دينية في
مصر، الذي أثيرت حول مصداقيته وحقيقة تسييسه خلال الفترة الأخيرة العديد من التساؤلات.
وقالت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، إن انتقاد الأزهر لقانون المساواة في الميراث، فضلا عن حق زواج
التونسية بغير المسلم في تونس، يعدّ بمثابة الحدث القادح الذي أثار هذا الجدل. وبشكل عام، لم يلاق خطاب الأزهر في هذا الشأن ترحيبا في البلاد الواقعة في شمال أفريقيا، من قبل الشعب والسياسيين على حد سواء.
وأضافت الصحيفة أن محرزية العبيدي، النائبة السابقة لرئيس المجلس التأسيسي التونسي آنذاك، والقيادية في حركة النهضة، انتقدت تدخل الأزهر في شؤون المجتمع التونسي. علاوة على ذلك، أشارت ابنة أحد الأئمة إلى أن "مناقشة مسألة الميراث لم تعد خطا أحمر في تونس"، مؤكدة على أن "تونس مختلفة اليوم".
وبينت الصحيفة أنه وفقا لما هو معترف به في الدستور المصري، تتمثل مهمة الأزهر في إبداء رأي المؤسسة، استنادا إلى الشريعة، في القضايا التي تثير جدلا في البلدان، والتي يكون الإسلام فيها الدين الرسمي للدولة. في المقابل، لم تكن مواقف الأزهر المحافظة، على غرار تلك التي تتعلق بالمساواة في الميراث والزواج في تونس، محل ترحيب؛ حيث إنها أدت إلى إضعاف المؤسسة.
وأوضحت الصحيفة أن تونس واحدة من البلدان العربية التي لم تعد تعتمد على الأزهر كمرجعية دينية لها منذ سنوات. وفي هذا الشأن، يمنح التونسيون ثقتهم لجامعة الزيتونة. وقد أكدت هذا الجانب القيادية في حركة النهضة، بقولها إنه "يوجد علماء عظماء في جامعة الزيتونة يجيدون النقاش والنقد".
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، لم يبد هو أيضا أي اهتمام بردود فعل السلطة السنية في مصر، وعين لجنة تترأسها المحامية بشرة بالحاج حميدة؛ من أجل البت في مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث والزواج.
وذكرت الصحيفة أن الجدل ما زال قائما حول الأزهر، خاصة بعد الهجمات التي استهدفت أقباط مصر منذ نيسان/ أبريل الماضي. وقد انتقد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الإمام الأكبر أحمد الطيب بانتظام؛ بسبب مساهمته في تأجيج العنف بين الأديان. ومن جهتها، لم تتردد وسائل الإعلام في توجيه الاتهامات للمؤسسة الدينية الأولى في مصر، باعتبار أنها لم تتبنى خطابا دينيا معتدلا بهدف التصدي للفكر المتطرف.
ولم تقتصر الانتقادات التي طالت الأزهر على هذا الحد، فقد عبر الكاتب والصحفي الشهير، إبراهيم عيسى، عن معارضته للمنهج الذي يتبعه الأزهر. وفي تصريح له خلال أحد البرامج السياسية، أشار الصحفي المصري إلى أن "البرنامج التعليمي الذي يدرس في الأزهر، يتضمن نصوصا تدعو إلى التطرف، وتحرض على اضطهاد غير المسلمين".
ونقلت الصحيفة أن السؤال الذي يطرح في هذه المرحلة يتمثل في "ما إذا كان الإمام الأكبر يملك نوايا للمضي قدما في القضاء على التيارات المتطرفة التي تتكاثر داخل الأزهر؛ وبالتالي، التأكيد على أنه القائد الشرعي للعالم الإسلامي". وعموما، يبدو أنه من الصعب اتخاذ مثل هذا القرار من قبل الأزهر، في حال تيقنا أنه أصبح مسيسا من جهة، ومتأثرا بالخطاب المتطرف من جهة أخرى.
وبينت الصحيفة أنه ليس من المستغرب أن تتشابك صلاحيات المسؤولين في مصر. وعموما، يجب على الأزهر أن يولي للرئيس قيمته؛ نظرا لبعده السياسي، كما ينبغي على السيسي الاعتراف بالبعد الديني للإمام الأكبر. لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه المعادلة لا تستقيم؛ نظرا لأنها لا تتلاءم مع السلطة السياسية والمؤسسة الدينية على حد سواء.
وأفادت الصحيفة بأن عبد الفتاح السيسي أراد وضع حد لولاية أحمد الطيب في الأزهر، وهو الإمام الذي عينه حسني مبارك، الذي رفض تغيير تعاليم الأزهر. وفي نهاية المطاف، رضخ الأزهر لضغوطات النظام، في تموز/ يوليو الماضي، وأقر بأن "الحجاب ليس إلزاما، وإنما يعد من بين التقاليد الثقافية للبلاد".
وعموما، يعد هذا الموقف من العوامل الأخرى التي أضعفت المؤسسة الدينية، وجعلتها محل انتقادات في بلاد ترتدي فيها 90 بالمئة من النساء الحجاب.
وفي الختام، نقلت الصحيفة عن الإمام الفرنسي، طارق أوبرو، قوله إنه "يمكن أن يكون بعض العلماء الدينيين مقربين من توجه الحكومة، التي تدعو إلى تبني رؤية أكثر اعتدالا للإسلام. لكنهم يظلون محافظين على قناعاتهم، ولا يجرؤون عن الحديث عنها؛ خوفا من أن يتم إقصاؤهم".