أعلنت صحف
مصرية مؤيدة للنظام تسريح عشرات الصحفيين، بعد مراقبة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وانزعاجها من انتقادهم للنظام، ورفضهم لبيع جزيرتي
تيران وصنافير.
وكانت البداية في صحيفة اليوم السابع، إذ أصدرت إدارتها المؤيدة للنظام، ويترأسها الصحفي خالد صلاح، قرارا بفصل عشرات الصحفيين من العمل في الصحيفة، بسبب معارضتهم لعبد الفتاح
السيسي.
وقالت مصادر في "اليوم السابع"، تحدثت لـ"
عربي21"، طالبة عدم ذكر اسمها، إن إدارة الصحيفة أخبرتهم بأن قيادات أمنية اجتمعت برؤساء المؤسسات الإعلامية وطالبتهم بتطهير مؤسساتهم من كل الصحفيين المعارضين، وأن هذه الخطوة قد يتبعها ملاحقة بعضهم أمنيا واعتقالهم.
وبحسب ما اطلعت عليه "
عربي21"، فبخلاف الصحفيين المفصولين، عاقبت الإدارة صحفيين آخرين، هم الأقل معارضة للنظام، بتخفيض رواتبهم، فيما تم إجبار آخرين على إغلاق حساباتهم على موقع "فيسبوك" إرضاء للأجهزة الأمنية.
الأمن يراقبكم
وأكد عدد من الصحفيين المفصولين، تواصلت معهم "
عربي21"، أن إدارة الصحيفة أخبرتهم أن تقارير أمنية وصلت لإدارة الصحيفة، وفيها نماذج من منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحمل انتقادات للنظام، وطلبت فصلهم من الصحيفة.
وأكدوا أن "الاعتراض على بيع السيسي تيران وصنافير للسعودية"، كان السبب في إقالة عدد كبير منهم.
وأوضحوا أن من بين الصحفيين المفصولين أربعة كانت تهمتهم التوقيع على بيان يؤكد مصرية الجزيرتين، وإعلانهم ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال صحفيون مفصولون إن خالد صلاح عنفهم بشدة لمهاجمتهم السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا لهم إن السيسي هو "صاحب" مؤسسة "اليوم السابع"، ولا يمكن انتقاده وهم يعملون فيها.
وأشاروا إلى أن الصحفيين الأربعة معينون رسميا في الصحيفة، لذلك لجأت الإدارة إلى التحايل على قوانين العمل للتخلص منهم، حيث منحتهم إجازة إجبارية بدون أجر لمدة عام، قابلة للتجديد.
وعندما رفضوا التوقيع على طلب الإجازة، منعتهم الإدارة من دخول الصحيفة، وأخبرتهم أنهم سيتم فصلهم نهائيا.
حقبة سوداء
وتقدم عدد من الصحفيين المفصولين بشكوى إلى نقابة الصحفيين للتدخل في الأمر، لكنهم أعلنوا عدم توقعهم عجز النقابة على استعادة حقوقهم في ظل رئاسة عبد المحسن سلامة لمجلسها، وهو الصحفي المعروف بتأييده الشديد للنظام، على حد قولهم.
ويمتلك صحيفة "اليوم السابع" رجل الأعمال الشاب أحمد أبو هشيمة، المعروف بتأييده لنظام السيسي.
وتشهد
حرية الصحافة في مصر، منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، أسوأ عصورها على الإطلاق، وفق نشطاء حقوقيين، أشاروا إلى أن مصر تراجعت إلى المرتبة 161 من إجمالي 180 دولة في مجال حرية الصحافة، وأمن الصحفيين، وفقا لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2017.
وتم تصنيف مصر ضمن "القائمة السوداء" بجانب البحرين والسعودية 168.
وكانت السلطات قد حجبت أكثر من 120 موقعا إخباريا مؤخرا.
النظام ينكل بمعارضيه
وتعليقا على هذه الأزمة، قال المحامي الحقوقي إسلام مصطفى، إن "النظام وصل لحالة غير مسبوقة جعلته يسمم المناخ العام بدعوى محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي"، مشددا على أن "الملاحقات الأمنية ومراقبة الصحفيين، أو المواطنين بشكل عام، هو إجراء مخالف للقانون والدستور".
وأكد مصطفى، في تصريحات لـ"
عربي21"، أن فصل الصحفيين زاد بسبب قضية تيران وصنافير، لأن السيسي لم يكن يتوقع أن يواجه تنازله عن الجزيرتين بهذه المعارضة، لذلك أطلق العنان للأجهزة الأمنية لتزيد من بطشها بالشعب.
وأضاف أن فكرة المراقبة في حد ذاتها هي استمرار للقبضة الأمنية والعسكرية والتنكيل بالمعارضين في البلاد، مؤكدا أن النظام تعدى قمع أمن دولة في عصر حبيب العادلي وزير داخلية مبارك.
غباء سياسي
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية محمد شوقي، إن العديد من المؤسسات الصحفية ورؤسائها يتمادون في النفاق والتطبيل للسيسي ونظامه حتى دون أن يطلب منهم ذلك، معربا عن اعتقاده بأن من أصدر أوامر فصل الناس من هذه المؤسسات الصحفية يتصرفون من تلقاء أنفسهم للتقرب من النظام.
وأشار إلى أن "النظام اكتشف أن كثيرا من معارضي تسليم الجزيرتين للسعودية هم من الصحفيين، فأراد أن يستأصلهم من أعمالهم، ووجد أنه لا يستطيع فصل الصحفيين العاملين في الصحف القومية، بسبب قوانين العمل التي تحميهم، فتدخل في الصحف المملوكة للقطاع الخاص، حتى يحكم سيطرته أكثر ليفصل من يشاء من الصحفيين".
وأكد لـ"
عربي21" أن هذه الخطوة هي حلقة جديدة في مسلسل الغباء السياسي للنظام، وتعامله الأمني مع الأزمات السياسية دون أي تفكير عقلاني، متوقعا بأن هذه الأمور كلها لن تطول كثيرا قبل أن يقوم حراك شعبي كبير ضد النظام.