نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمحلل في شؤون الجماعات الإسلامية والحركات الجهادية جيسون بيرك، حول الجيل الأول من الجهاديين، يقول فيه إنهم يظهرون أحيانا جانبا آخر غير الوحشية وكراهية الثقافة التي نشأوا بها.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مجندا أمريكيا وقائد وحدة مشاة طلب من أصدقاء أن يرسلوا له علبة من مسحوق الشوكلاتة السويسرية، واعترف جهادي بلجيكي كان يعمل خبازا بأنه يفتقد الخبز اللذيذ الساخن، فيما اعترف عمر حسين، وهو جهادي بريطاني قاتل في صفوف
تنظيم الدولة، بأنه يشتاق لوجبة من السمك من ماركة "بيردز أي" المعمولة على شكل الأصابع، وتمنى لو حصل على بسكويت "جافا كيكس"، وقال الجهادي البالغ من العمر 30 عاما، إنه يتأمل لو مات في غارة جوية من معرفة أن العرب لا يعرفون "الخط الأحمر ومنح الآخرين مكانهم"، ولا "الاصطفاف في الطابور".
ويعلق بيرك قائلا إن "حنين حسين هو تعبير عن الثقافة البريطانية، مثلما حن الأمريكي لمسحوق الشوكلاتة السويسري، والبلجيكي للخبز الجيد، وهو يعبر عن الطريقة التي تطورت فيها الجهادية اليوم: فمع أن الرؤية الإسلامية الجهادية تتجاوز مظاهر القلق القومية، أو من المفترض أن تكون هذا، إلا أن (طريق الجهاد)، هو واقع ضيق، فسواء كان
الجهاديون في بغداد أو مقديشو أو بيرمنغهام أو مانشستر، فإنهم لا يتخلون عن ثقافتهم القديمة وظروفهم الاجتماعية عندما يعتنقون (القضية) أكثر مما يعتقدون، أو يرى المنظرون الجهاديون أنهم فعلوا هذا، فحتى أن كنياتهم وألقابهم التي يتبنونها تحمل صورة عن مواطنهم وأصولهم، حيث قاتل عمر حسين في صفوف تنظيم الدولة تحت اسم (أبو سعيد البريطاني)".
ويرى الكاتب أن "هذا أمر ضروري الآن؛ لأن تنظيم الدولة سيجبر عاجلا أم آجلا على الخروج من معاقله في الشرق الأوسط، فدون الموصل والرقة سينهار التنظيم، ولن يكون قادرا على الزعم بأنه سيحيي الخلافة، التي ستوحد المسلمين تحت نظام حكم واحد، وسينهار معه نظامه المالي، وسيعود إلى ما كان عليه أولا: منظمة عراقية قاسية وعنيدة، أما المنظمات التابعة له في العالم وأوروبا فستنقطع عنه وتتطور بطريقتها الخاصة".
ويلفت بيرك إلى أنه "كان يمكن فهم تطور التشدد الإسلامي، الذي نشأ في العقود الماضية، سواء في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا وأجزاء من أفريقيا، التي كانت فيها تقاليد طويلة من نشاط العنف، فالناشطون الجزائريون لديهم الفرصة للنظر إلى تجربة من سبقوهم بالدرجة ذاتها التي ينظر فيها الجهاديون الصوماليون والباكستانيون، الذين قاتلوا لمدة 60 أو 70 عاما".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم وجود الكثير المشترك بين مسارح الجهاد العالمي، إلا أن هناك الكثير الذي لا تشترك فيه، وهذا أمر واضح، فلماذا نريد أن تكون الجهادية في الفلبين مثل التطرف في الصومال أو أوزبكستان؟ وهم لا يتحدثون اللغة ذاتها، ولو وصل النموذج الوهابي إلى هذه المناطق فإن التقاليد الدينية التي يتبعها الناس تظل المصدر الرئيسي في معظم الأماكن".
ويقول بيرك: "لا توجد تقاليد في القارة الأوروبية والولايات المتحدة وبريطانيا تسهم في تطور الحركات المتطرفة، فليس لدينا سوى تاريخ عمره 15 عاما من العنف، فنحن لا نزال في الجيل الأول من العنف الإسلامي، فالتطرف الإسلامي البريطاني هو مشروع يتطور".
ويضيف الكاتب: "بعيدا عن الجهاديين الذين يحنون لوجبات أصابع السمك، أو الوقوف الملتزم في الطوابير، فإن هناك بعض المزايا التي تتضح، وتظهر الفوارق مع بقية الدول الغربية".
ويبين بيرك أن "الحركة الجهادية البريطانية الناشئة لم يشترك فيها إلا عدد قليل من المجرمين السابقين، كما هو الحال في فرنسا، التي تحولت فيها السجون إلى محاضن للتطرف الإسلامي، وعدد أقل من المعتنقين للإسلام في الولايات المتحدة، حيث تصل النسبة إلى 40%".
وينوه الكاتب إلى أنه "في المجمل، فإنه يبدو أن الجهاديين البريطانيين أفقر من الأمريكيين، لكنهم أغنياء بعض الشيء بالمقارنة مع نظرائهم في القارة الأوروبية، وهناك نسبة عالية من جهاديي
بريطانيا، وبينهم مفجر مانشستر سلمان العبيدي، لهم تاريخ في التورط مع العصابات، أو نوع من النشاطات الإجرامية في مرحلة ما من حياتهم، وهذا ينسحب على جهاديي القارة الأوروبية، وهناك نسبة عالية من الأمراض النفسية بين جهاديي بريطانيا، ومن الصعب القول فيما إن كانت النسبة فيها تتفوق على مناطق أخرى".
ويفيد بيرك بأنه "في بريطانيا، ومقارنة مع فرنسا أو الولايات المتحدة، فإنه من النادر استخدام المهاجمين للسلاح، فالطريقة الفرنسية للجهاد، التي استخدمت في عدد من الهجمات المسلحة، بدأت تستخدم السلاح الكيماوي، وفي بريطانيا لا يستخدمونها، وهذا راجع للقوانين المتشددة بشأن امتلاك السلاح".
وبحسب الكاتب فإن "الدينامية للتشدد الإسلامي في الدول الغربية تأثرت بأصول المهاجرين، وهذا يتراوح من أنواع مختلفة من العنف، إلى نشاطات للجماعات المتشددة الموجودة، إلى المعايير الثقافية والاجتماعية".
ويخلص بيرك إلى القول: "سيقوم المتطرفون بمزج هذه العناصر كلها؛ استمع للجهاديين البريطانيين على الفيديو و(تويتر) و(فيسبوك)، أو في المقابلات العادية، فهم يستخدمون لهجة الشوارع التي تظهر في الأحياء الفقيرة، التي يعيش فيها أبناء المهاجرين، التي تمزج بكلمات عربية لا ينطقونها جيدا وتعبيرات دينية تشي بسوء فهم للدين الإسلامي ومفاهيمه، وهذه ليست لغة الجهاد العالمي، لكنها لغة الجهاديين البريطانيين".