نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا لأستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة بيرمنغهام كاثرين براون، تشرح فيه كيف تتم صناعة المتطرفين، والطرق المثلى لمواجهتهم.
وتقول الكاتبة إن "الخبير بيتر نيومان من مركز دراسات
التطرف الدولي، يصف التطرف بأنه (كل شيء يحصل قبل انفجار القنبلة)، ودراسته محاولة لإثبات أن
الإرهابيين لا يولدون بل يصنعون، وفي دراسات التطرف هناك تركيز على التربية، وعلى أي صدمات أو تمييز تعرضوا لها، وعلى ارتباطاتهم، وعلى مستواهم الاجتماعي والاقتصادي، وما يؤدي إلى ذلك هو عبارة عن مجموعة واسعة من المتغيرات المترابطة".
وتشير براون في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "مركز (راند) للتحليل والحلول، تعرف على 200 عامل مهم، أو تبسيط على شكل نموذج (هرمي) أو (درجي)، قدمه ابتداء قسم شرطة نيويورك، أما الأول فهو معقد لدرجة يصعب فيه التعرف على الإرهابيين المحتملين، في حين أن الأخير اختزالي، إلى درجة أنه يجعل كل منا مشتبها به بالإرهاب".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "في المقابل، فإن هناك نظريات تشجعنا على التفكير بـ (عامل الجاذبية) للتطرف، وتركز هذه النظريات على الأهداف السياسية والأيديولوجية للمجموعات المعنية، ففي حالة
تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، فإن دعايتهما تحاول استغلال (عوامل الدفع)، بالادعاء أن المسلمين في الغرب ضعفاء ولا يستطيعون ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ويتحدث الحكماء عن (الأخوة) وآثارها، والعلاقات القوية والثقة والشعور بالانتماء، التي تتطور بين الأفراد المتطرفين بعقلية (نحن ضد العالم)".
وتعلق براون قائلة: "تشير دراساتي إلى أن الشعور المفرط بالقوة، والمغامرة في الجهاد، التي وصفها أحد أعضاء تنظيم الدولة بالقول إنها (افضل من لعبة كول أوف ديوتي/ نداء الواجب) يقدمان سياسة مشوهة وغير واقعية، ويوفران نقدا لمشكلات الفرد، ودعوات قوية للفعل الذي ينطوي عليه الحل".
وتضيف الكاتبة: "إن ربط عوامل الدفع والجذب لا يقودنا إلى طريق أو صيغة تنطبق على الحالات كلها (أو حتى أغلبيتها)، ولذلك، بدلا من التركيز على الأشخاص، فإنه يمكننا بحث البيئات والبنى التي تولد مجموعات عنيفة، مثلا في الوقت الذي يمكننا القول فيه بأن المجتمعات التي تعاني من مستويات عالية من الفقر والتمييز فيها مستوى أعلى من التطرف، وليس من الضروري أن الفقراء والذين يميز ضدهم هم الذين يتطرفون، فإن التحدي هنا هو الاعتراف بأن السياسة مسألة مهمة، فالطائفية في العراق أدت إلى نشوء تنظيم الدولة، وضعف البنى في كل من أفغانستان وباكستان أدى إلى الاعتماد على تنظيم القاعدة وحركة طالبان، ونظام القذافي ومن خلفه في ليبيا سيبقى أثره لأجيال قادمة، فيمكن التعرف على الأسباب الجذرية مثل هذه، أن يساعدنا في بناء سياسات تعالج المظالم والاستثناءات على المستوى الدولي والتقليل من العنف الإرهابي".
وتجد براون أن "فهم الأسباب التي تجعل شخصا ما يحمل آراء متطرفة، أو الأهداف الأساسية لمجموعة ما، لا يمكن أن يوضح لنا لماذا يهاجم أحدهم حفلا موسيقيا، ولماذا قتل هؤلاء الناس كلهم، إن الإرهابيين لا يفكرون فقط بالضحايا المحتملين للهجوم، بل إنهم يختارون موقع المذبحة بكل عناية، فهم يريدون أن يحولوا تعريف المساحات العامة وكيفية تعاملنا معها، وكنت كتبت في 2014 حول اختيار حركة طالبان لمهاجمة مطار كراتشي، فبسبب قناعتهم أنه يمكن أن تتحقق المثالية في البشرية، فإن هذه المجموعة وتنظيم الدولة وغيرهما من المجموعات، تسعى للقضاء على أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم غير مثاليين من المجال العام: النساء والمثليين والمسلمين من طوائف أخرى".
وتذهب الكاتبة إلى أن "الهجوم في
مانشستر يشكل جزءا من نموذج من مفجر سوهو بالقنبلة المسمارية إلى هجمات بالي وباريس، بناء على هذه الشمولية الزائفة التي تصر على عدم مشاركة العالم مع (الآخرين)، وما كان واضحا بالنسبة لحركة طالبان، كما كان الحال بالنسبة لتنظيم الدولة، هو القضاء على الاجتماعات العامة والاحتفالات في الشوارع والحفلات الموسيقية والتجمعات السياسية، حيث نجتمع ونعبر عن إنسانيتنا ودنيويتنا، وما يفضلونه هو إلزامنا بمفاهيم سياسية ضيقة ورؤية ضيقة (للحياة الجيدة)، رؤية يحركها الخوف من العزلة، وعنفهم لا يقتل بوحشية فقط، لكنه يمزق النسيج الاجتماعي بتمزيق مستوى الثقة في المجتمع الذي يساعد على تجمعنا وتحملنا وحياتنا العامة".
وتختم براون مقالها بالتحذير قائلة: "ما هو واضح في رد فعلنا هو أنه يجب علينا ألا نسمح لهم بخنق حياتنا السياسية والاجتماعية، ويجب علينا ألا نسمح لهم بسرقة عملنا معا، وقد يبدو غريبا، لكن إثبات تعدديتنا والذهاب للحفلات الموسيقية قد يكونان على المدى الطويل هما أقوى الحصون ضد العقائد المتطرفة الشمولية".