يتصاعد الغضب من أحزاب
الحكومة المغربية، بعدما أصدرت الأخيرة بلاغا تهاجم فيها
حراك الريف وتتهم نشطاءه بالعمالة وتلقي أموال من الخارج، والمس بالمؤسسات الدستورية والوحدة الترابية للبلاد والترويج للانفصال.
غطاء سياسي للعنف
وحذرت البرلمانية السابقة عن دائرة الحسيمة، سعاد شيخي، وعضو البلدية، ومسؤولة بحزب العدالة والتنمية، من أن "يكون اجتماع أحزاب الأغلبية غطاء سياسيا لاستعمال العنف، وجر المنطقة إلى المجهول".
واعتبرت سعاد شيخي، في تصريح لـ"
عربي21"، أن "الحكومة فضلت الصمت ستة أشهر وبعدها قررت أن تخرج هذا البلاغ الذي تضمن تصريحات خطيرة، مست بشكل سيء جميع أبناء الريف".
وسجلت أن "حديث زعماء أحزاب الأغلبية هو بمثابة صب مزيد من الزيت على النار، ودافع إلى مزيد من الاحتقان على الأرض، خاصة وأنهم اعتمدوا على ثلاث مرتكزات".
وتابعت: "أولها أن زعماء الأحزاب تحدثوا عن الانفصال، أتمنى أن يقدموا دليلا على وجود الدعاية الانفصالية في الحراك، لن يجدوا دليلا واحدا لأنه غير موجود أساسا".
وزادت بخصوص النقطة الثانية المرتبطة بالتمويل الأجنبي، تاريخيا هذه المنطقة تعيش على تضامن أبنائها المقيمين بالخارج، ومع الحراك تعزز هذه القيم، فهل يعد أبناء الريف العاملون في الخارج أجانب؟".
وأفادت أن النقطة الثالثة، فتتمثل في المساس بالأملاك العامة والخاصة، ومن تتبع الحراك الممتد لأزيد من ستة أشهر يقف بالدليل الملموس على حقائق تأمين المؤسسات منذ لحظة استشهاد محسن فكري إلى مسيرة (الطناجر)، وهذا التأمين يقوم به النشطاء الفاعلون في الحراك".
ودعت إلى فتح حوار مباشر مع نشطاء الحراك، وقالت إنه "إلى اليوم لم تعقد جلسة حوار واحدة مع النشطاء منذ أزيد من ستة أشهر، إلا إذا كانت وزارة الداخلية تعتقد أن جلسة مع المنتخبين تسمى حوارا".
اقرأ أيضا: المغرب يتهم حراك الريف بالانفصال وتلقي أموال الخارج (شاهد)
ثمن البلوكاج
وقال الباحث المشارك في معهد شاتام هاوس البريطاني، محمد مصباح، إن "العنف في حال قررت الدولة المغربية استعماله لن يزيد الأمور إلا تعقيدا في منطقة الريف، عقب
احتجاجات استمرت ستة أشهر طغت عليها شعارات الكرامة والعدالة في أعقاب مقتل بائع السمك".
وتابع محمد مصباح، في تصريح لـ"
عربي21"، إن "الحكومة مدعوة إلى التعامل بمرونة فهي الكفيلة بتمييز مطالب الحراك المشروعة، عن المطالب الراديكالية إن وجدت".
وأفاد أن حراك الريف كأي حراك اجتماعي "يحمل معه مطالب متنوعة منها المعتدلة ومنها الراديكالية، والتي بطبيعتها تكون هامشية، فوظيفة الحكومة هو احتضان المطالب العادلة".
وسجل أن الطريق للفرز "لا تكون عبر اللجوء للقوة بل عن طرق الحوار الصريح والمباشر، فهو الكفيل بحل المشاكل أما استعمال القوة فلن الأمور إلا تعقيدا".
واعتبر أن "الحكومة كانت مغيبة عن المنطقة ولم تجر حوارا مع الناس طيلة فترة ستة أشهر، والسبب أنها كانت مشغولة بقضية (البلوكاج الحكومي)، غياب الحكومة ساهم بشكل كبير في تدحرج الاحتجاجات إلى هذا الشكل".
وشدد على أن الحكومة مدعوة إلى الاستماع إلى الحراك، تماما كما فعل رئيس الحكومة السابق ابن كيران الذي اتخذ موقفا شجاعا، وبذلك انتقل إلى طنجة (شمال) وحاور الناس وأنهى الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الماء والكهرباء".
أين الحكومة؟
وسجل الناطق باسم حزب الاستقلال، عادل بنحمزة، "عدة ملاحظات على اجتماع أحزاب الأغلبية بوزير الداخلية بخصوص الحراك في الريف".
وتابع عادل بنحمزة في تدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "أحزاب الأغلبية ووزير الداخلية لهم مؤسسة الحكومة كمؤسسة دستورية من مهامها الأساسية تدبير الشأن العام في جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها، هناك يجب التداول فيما يمكن اتخاذه من قرارات من طرف الحكومة كسلطة تنفيذية".
وأضاف بنحمزة "على هذا الأساس وزير الداخلية يجب أن يجتمع مع الأحزاب غير الممثلة في الحكومة لاطلاعها على الوضع إذا كان الأمر يستدعي ذلك، لأن أحزاب الأغلبية ممثلة في الحكومة ولها إمكانية تقدير الموقف بناء على ما يتوفر للحكومة من معطيات".
وسجل أن "حضور سعد الدين العثماني كممثل لحزب العدالة والتنمية وجلوسه للاستماع لعرض وزير الداخلية، فيه مس سياسي كبير بمنصب رئيس الحكومة، إذ كيف يقبل سعد الدين أن يستمع لوزير الداخلية في موضوع بالغ الحساسية خارج إطار الحكومة التي يرأسها؟ وكيف لم يطلب من وزيره في الداخلية تقديم ذلك العرض في مجلس الحكومة وهو الوضع الطبيعي؟".
وأفاد: "أحزاب الأغلبية يمكنها الاجتماع لتقدير الموقف السياسي مما يجري في الريف، لكن حضور وزير الداخلية يفقد الاجتماع هويته فلا هو اجتماع حزبي ولا هو اجتماع حكومي".
وشدد على أن "التصريحات التي أعقبت لقاء أحزاب الأغلبية بوزير الداخلية، قد تكون صالحة لأي شيء.. سوى أن تكون مساعدة على خفض درجة التوتر التي يوجد عليها الوضع في الريف وخاصة في الحسيمة والجماعات المجاورة لها".
مساءلة برلمانية
وقالت القيادية في حزب العدالة والتنمية أمينة ماء العينين، إنه "لابد من استدعاء وزير الداخلية للبرلمان حتى يقدم المعطيات التي صرح ممثلو الأغلبية الحكومية أنهم استمعوا إليها فبنوا على أساسها أحكاما غاية في الخطورة من قبيل (النزعة الانفصالية، تبخر خرافة المطالب الاجتماعية، تلقي التمويل من الخارج، تهديد المؤسسات و المس بالثوابت.....)".
وتابعت أمينة ماءالعينين، في تدوينة على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي، "التصريحات تنم عن أزمة الوساطة التي يفترض بالأحزاب السياسية ممارستها من خلال مبادرة حزبية رائدة، تتحرك لإيجاد الحلول المنصفة التي من شأنها تهدئة الأوضاع من خلال أطروحات مقنعة ذات مصداقية".
وسجلت: "دور البرلمان هو مساءلة الحكومة ومراقبة سياساتها خاصة حينما يتعلق الأمر بملفات ملتهبة وحساسة تترتب عليها مسؤوليات (لنتذكر كديم إزيك التي لازال المغرب يحاول معالجة تبعاتها)".
وزادت "الأمر يحتاج إلى خطاب العقل والقدرة على الاستيعاب كما يحتاج إلى الكثير من المصداقية؛ إنها اللحظات التي تتجلى فيها كارثية الاختيارات القائمة على تقويض دور الأحزاب السياسية وتبخيسها وتأزيمها من الداخل وشن الحرب على النخب والرموز ذات المصداقية، حينها تجد الدولة نفسها أمام حراك الشارع دون وساطة".
توقيع على بياض
من جانبه، قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، منير الجوري في تدوينة له على صفحته بـ"فسيبوك"، إن "الأغلبية الحكومية توقع للدولة والمخزن على بياض بشأن تدخل أمني عنيف محتمل في الحسيمة ونواحيها، بعد أن ردد ممثلوها عبارات التخوين وتهمة التعامل مع الخارج و"ضرورة التدخل العاجل بعد أن تجاوز حراك الريف كل الحدود"، تم هذا عقب لقائهم بوزير الداخلية الذي "أقنعهم" بذلك. لتتحمل هذه الأغلبية بجميع أحزابها المسؤولية السياسية والجنائية فيما يمكن أن يقع. السؤال الآن".
وتساءل: "أين الأغلبية الحكومية من مطالب حراك الحسيمة ونواحيها، المطالب الاجتماعية البسيطة المعلنة التي لا يمكن أن يختلف حولها الأحرار؟؟".
وتابع: "كيف لهذه الأغلبية أن تقتنع بفشل الحوار وهي التي لم تشارك فيه ولا بذلت مجهودا لفتحه ولا لسماع صوت المحتجين مقابل صوت الداخلية قبل أن تقرر إشعال الضوء الأخضر لذبح هذا الحراك؟؟".
وقال: "هل هذه الأغلبية المغلوبة على أمرها لا تستطيع أن تنبه إلى أن صمود المحتجين واستمرارهم وثباتهم هو نتيجة ترسيخ نموذج الدولة الكاذبة الملتفة على المطالب الاجتماعية من خلال عدة تجارب سابقة أفقدت وعودها وعهودها المصداقية، والمغاربة كيقولو "الرجل هو الكلمة"".
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب إلى ساحات للسخرية من أحزاب الحكومة وإعلان التضامن معر حراك الريف وتبرئته من التهم التي وجهت إليه والتحذير من مغبة استعمال العنف في حق المتظاهرين السلميين.