أسند رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي مهام زيارة بابا الفاتيكان، فرنسيس الأول، إلى مصر، التي تبدأ غدا الجمعة، للقوات المسلحة، وفق صحيفة "الوفد"، نقلا عن مصادر كنسية، في وقت رفض فيه الأخير، التنقل خلال الزيارة، في سيارة مصفحة، واعتذر عن عدم النزول بأحد القصور الرئاسية، وفي المقابل نشرت السلطات صور الترحيب به في الشوارع، وكثفت من إجراءاتها الأمنية.
ومن المقرر أن يتوجه البابا، خلال الزيارة، إلى استاد الدفاع الجوي التابع للجيش، السبت، راكبا عربة "غولف" غير مصفحة، أحضرها معه خصيصا من الفاتيكان، على أن يقوم بإمامة الصلاة وسط 21 ألفا من الكاثوليك بمصر، بإشراف الجيش.
وتأتي الزيارة في سابقة هي الأولى للبابا منذ توليه البابوية، تلبية لدعوة كل من السيسي وشيخ الأزهر والبابا تواضروس، ووصف المتحدث باسم الفاتيكان، غريغ بورك، الزيارة بأنها تنعكس في أبعاد ثلاثة: الرعوي من أجل الجماعة الكاثوليكية بصر، والمسكوني في الحوار مع الأقباط الأرثوذكس، والحوار بين الأديان.
وتعد زيارة البابا لمصر، السابعة عشرة للبابا، والرابعة لبلد ذي أغلبية مسلمة، بعد الأردن وتركيا وأذربيجان. بينما يُعد لقاء البابا والسيسي، ثاني لقاء لهما، بعد لقاء الأخير به بالفاتيكان، في تشرين الثاني/ نوفمبر2014.
وفي ما يتعلق بإمكان طرح قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بالقاهرة، خلال لقائهما المرتقب، قال المتحدث باسم دولة الفاتيكان، جورج يورك: "حكومة الفاتيكان عندما تستطيع أن تستجيب لقضايا إنسانية مثل هذه، فهي تفعل ذلك لكن مع أقصى قدر من التكتم"، مضيفا: "على أي حال، البابا على علم بالقضية، وقد صلى له، وهو يشارك العائلة في أحزانها".
برنامج الزيارة
يزور البابا مصر في وقت تشهد فيه حالة طوارئ أُعلنت بعد اعتداءين داميين على كنيستين في 9 نيسان/ أبريل الجاري.
وكشف نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر، مطران أسيوط، الأنبا كيرلس، أن الزيارة تستمر ثلاثة أيام، وأن البابا اعتذر عن عدم الإقامة في القصور الرئاسية، وأنه سيتوجه بمجرد، وصوله، عصر الجمعة، إلى قصر "الاتحادية" للقاء السيسي، في لقاء خاص، يتناول القضايا، والعلاقات الثنائية.
وأضاف أن البابا سيحضر، يوم الجمعة، حفلا تنظمه رئاسة الجمهورية على شرفه، ثم يتوجه لمشيخة الأزهر لحضور مؤتمر دولي تنظمه جامعة الأزهر حول السلام، ويلقى كلمة فيه، وبعدها يلتقي بشيخه أحمد الطيب. وكان الأخير زار الفاتيكان في أيار/ مايو الماضي، وذلك بعد عشر سنوات من برودة العلاقات بين الجانبين.
وبعدها يتوجه البابا إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية؛ ليلتقي ببابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني، في لقاء مغلق، ثم يُعقد لقاء مشترك بين وفديهما، بالمقر البابوى بالكاتدرائية، ثم يتوجها معا إلى الكنيسة البطرسية بالقاهرة، التي شهدت اعتداء في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لتنظيم صلاة لإحياء ذكرى ضحايا الاعتداء، ثم يعود البابا إلى مقر سفارة الفاتيكان للراحة.
أما يوم السبت، فخصصه البابا للشق "الرعوي" من زيارته، إذ يحيي خلاله قداسا، ويلتقي الأقلية الكاثوليكية التي يبلغ عدد أفرادها في مصر أقل من 300 ألف.
وغير بعيد، انطلقت، الأربعاء، الجولة الخامسة من الحوار بين مجلس حكماء المسلمين، برئاسة شيخ الأزهر، رئيس المجلس، ومجلس الكنائس العالمي، برئاسة القس أولاف فيكس، بمقر مشيخة الأزهر، تحت عنوان "دور القادة الدينيين في تفعيل مبادرات المواطنة والعيش المشترك".
السيارة المصفّحة
وفي بيان وزعته الكنيسة الكاثوليكية بمصر، مساء الأربعاء، أكد المتحدث باسم الفاتيكان، جريج بورك، أن البابا لا يريد استخدام سيارة مصفحة خلال زيارته إلى مصر، مشيرا إلى أنه "سيستخدم سيارة مغلقة، غير مصفحة، وفقا لرغبته، وأنه سيتنقل بسيارة عادية خلال القداس يوم السبت ليكون وسط الناس، وخلال اللقاء في الإكليريكية مع الكهنة والمكرسين والإكليريكيين".
كلمة قبل الزيارة
وقبل الزيارة، وجه البابا رسالة للشعب المصرى، مساء الثلاثاء، قال فيها إنه سيأتي إلى مصر كصديق ومرسل سلام.
ووجه، في مقطع فيديو نشره الفاتيكان، تعازيه لأقباط مصر ومسيحيي الشرق الأوسط في ضحايا الإرهاب، معربا عن أمله في أن تكون الزيارة بمثابة تثبيت وتشجيع لمسيحيي الشرق الأوسط، مؤكدا أهمية حوار الأديان والمصالحة بين "أبناء النبي إبراهيم".
واستخدم في كلمته اللغة الإيطالية، إلا أنه استخدم كلمات عربية، فبدأ حديثه للشعب المصري بـ"السلام عليكم"، ووصف مصر بـ"أم الدنيا"، واختتم الكلمة بـ"شكرا"، و"تحيا مصر".
إجراءات أمنية
ووصل إلى مطار القاهرة يوم الجمعة الماضي، وفد إعلامي كبير يضم 60 صحفيا، بالإضافة إلى 60 من المساعدين والعاملين مع البابا، للإعداد وتغطية الزيارة، كما وصلت إلى القاهرة، مساء الثلاثاء، مقدمته، التي تضمنت 16 شخصا، للإعداد لها.
وقبل يوم من الزيارة، نشرت وكالة "رويترز" صورا للوحات إعلانية في شوارع القاهرة للترحيب بالزيارة، وكتب عليها "بابا السلام.. في مصر السلام".
وعلى الصعيد الأمني، وضعت مديرية أمن القاهرة خطة مشددة، عبر تأمين جميع الأماكن والشوارع المقرر مرور البابا فيها.
وأعلنت سلطات الأمن بمطار القاهرة الدولي، حالة الاستنفار الأمني، وشنت أجهزة الأمن حملات موسعة تستهدف مناطق بالقاهرة لاستهداف عناصر سياسية وجنائية مطلوبة.
تسييس الزيارة
بدا واضحا أن نظام حكم السيسي يريد أن يحقق أهدافا سياسية من وراء الزيارة، وصدرت دعوات عدة من قبل عدد من أنصاره إلى استغلالها لأهداف دعائية.
وبثت الإعلامية لميس الحديدي حلقة من برنامجها "هنا العاصمة"، عبر فضائية "سي بي سي"، من الفاتيكان، وأجرت لقاءات عدة هناك، أبرزها مع الكاردينال ليوناردو ساندري، رئيس مجمع الكنائس الشرقية، الذي صرح بأن زيارة البابا تحظى بأهمية بالغة، وتنطوي على أنشطة كثيرة داخل مصر.
واحتفت صحف القاهرة الصادرة الخميس بالزيارة. وخصصت صحيفة "اليوم السابع"، ملفا خاصا للزيارة تحت عنوان "المجددان يلتقيان: البابا فرانسيس والرئيس السيسي.. مصر والفاتيكان: لقاء السلام".
وطالب رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة المنصورة، عضو لجنة الإصلاح التشريعي، صلاح فوزي، بأن يتم استغلال الزيارة على أعلى مستوى، وإيصال رسالة عن السلام والأمان بمصر.
وقال النائب هشام الحصري، إن الزيارة تعطي رسالة مهمة للعالم، وتؤكد أن مصر قادرة على هزيمة الإرهاب والمتطرفين.
وكتب الكاتب الصحفي أحمد الجمال، مقالا بعنوان "مرحبا بقداسة بابا روما"، قال فيه إن "زيارة البابا تضيف للبعد التاريخي العريق أبعادا أخرى مهمة، في مقدمتها ما أسميه تقوية مداميك حائط الصد الحضاري والثقافي في مواجهة الهمجية بأنواعها ودرجاتها".
وقال وكيل كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، الدكتور عوض إسماعيل، إن الزيارة لها أبعاد دينية وخلقية وإنسانية متعددة.