كتاب عربي 21

"غول" ميريام كلينك يهز شِباك الإعلام

1300x600
حققت ميريام كلينك ما كانت تريده من الفيديو كليب الإباحي "فوّتت الغول وحطّيتو فيّي وعبّيتو" الذي أطلقته ومُنع في لبنان، فتحول إلى لَهَب غزا وسائل الإعلام والتواصل بسرعة النار في الهشيم، فهل على الإعلام أن يتنبّه لمثل هذه الخطط ويُسقط هذه الأخبار، حتى لا يسمح بتسديد "الغول" الهدف في شباكه، كما يذهب البعض، بدعوى اتقاء الترويج المجاني لما يخالف الآداب الإنسانية والذوق العام؟

أبدا، إذا اتفقنا أن الإعلام هو مرآة المجتمع وعاكس شفّاف لمشاهدينه بمختلف جوانبها وتفاصيلها كافة، حتى ما هو غريب منها أو ما يُصنف ضمن الظواهر الشاذة. وإلا كان يتوجب على الإعلام تجاوز أخبار الانتحار وجرائم الشرف وغيرها؛ بحجة عدم التأثير السلبي على ضعاف النفوس الذين تشجعّهم حكايات الشر على الانحراف. وكذلك الأَولى انطلاقا من المعيار نفسه تجاوز أخبار الحروب لا سيما منها القائمة على فتن عنصرية، حتى لا تتأجج النفوس وتتسع الشروخ، وبالتالي إلغاء نشرات الأخبار على التلفزيونات.

لعل الاعتدال الإعلامي في تناول هذه الصرعات يضمن المحافظة على المعايير التالية:

أولا: الإضاءة على الخبر بتجرد والحرص على وصول مختلف وجهات النظر حول الموضوع إلى جمهور المتلقين. فحجة "الانحراف" ضعيفة ويجب ألا تخيفنا، وإبليس بذاته حظي بفرصة التعبير عن نفسه ومشاريعه المستقبلية.

ثانيا: ضمان عدم إعادة نشر أو بث ما يخدش الحياء من المواد الطارئة، تماما كما تعامل القضاء اللبناني بمهنية مسؤولة، إذ منع تداول كليب كلينك الذي تعرّت فيه إلى حد كبير، وأطلقت بداخله مجموعة كلمات وآهات وأنّات بإيحاءات جنسية فاضحة لا تقبل الجدل، في فيلم جمعها على سرير مع فنان عرف سابقا بألوان غنائية متّزنة هو جاد خليفة، لتنضم إليهما على السرير في أحد المقاطع، طفلة صغيرة شكل ظهورها القشة التي قصمت ظهر ميريام أمام القضاء والمجتمع. 

ثالثا: عدم تضخيم الحكاية، وإبقاؤها ضمن مربّعها المنطقي.

رابعا: استثمار هذه الظواهر لإشراك المجتمع المدني في حوار مع المؤسسات الدستورية لتحديث تشريعات تحمي القيم المجتمعية المتوافَق عليها بين الناس، وهذا التحديث بات ضرورة يفرضه بإلحاح تطور وسائل التواصل الاجتماعي بتسارع جنوني. 

خامسا: مراقبة وسائل الإعلام نفسها وتقييم أدائها العام في ما يتعلق بمنظومة القيم الأخلاقية، وأين كانت من عملية تشكيل الذائقة العامة للجمهور، التي تعتبر جواز العبور أو المنع لأي إصدار مطبوع أو مرئي ومسموع.

سادسا: الاعتراف بالواقع الذي يشير إلى العرب كأحد أكبر الأعراق المستهلكة للمواد الجنسية في الإنترنت، والبحث عن أسباب هذا النهم الجنسي ولا سيما عند المراهقين والشباب، الذين ربما تتقطع بمعظمهم سبل تأسيس البيوت الزوجية.

سابعا: عدم تأدية المجتمع دور المثالية الكاذبة، فيرجم بعنترية أخلاقية ميريام ومثيلاتها اللواتي لسنَ إلا رغبات لراغبين.

ثامنا: عدم تذرع بعض وسائل الإعلام بـ "مفتوحيّة" الإنترنت على الجنس الإباحي، كما ردد بعض الإعلاميين اللبنانيين، الذين فضّلوا عدم منع بث كليب كلينك على شاشات التلفزة، لأن على الشبكة العنكبوتية ما هو أفضح. والرد على هذا الكلام كلامٌ يقول إذا كنا لا نستطيع أو ربما لا نريد منع المواخير في البلد، فهذا لا يعني أن نحوّل شاشاتنا التي تعبّر عن ثقافتنا في الحياة إلى مواخير موقوتة.

وختاما، "غول" آخر سدّدته ميريام كلينك في شباك المجتمع اللبناني حين اعتبرت أن هناك تمييزا يمارس ضدها، فحين باسَت هيفا وهبي الواوا استخدمت، بحسب كلينك، الطفولة في أغنيتها المصورة "بوس الواوا" ولم يتحرك أحد. فهل هناك إباحية بسمنة وإباحية بزيت، ومن كانت شباكه نظيفة فليسدد في مرمى كلينك "الغول".