ألقى تراجع الدعم المالي الخارجي للسلطة
الفلسطينية بظلاله على شكل
الموازنة الفلسطينية للعام الحالي.
وبحسب بيانات وزارة المالية الفلسطينية، فقد تجاوز حجم الدين العام على السلطة الفلسطينية 2.5 مليار دولار، ما ينذر بدخول الاقتصاد الفلسطيني في نفق مظلم في حال استمر الاعتماد على هذه القروض، بحسب ما أشار العديد من خبراء الاقتصاد.
ويعود ارتفاع حجم الدين العام إلى اعتماد السلطة الفلسطينية على القروض الخارجية لتمويل نفقاتها، بعد تقليص الدول المانحة مساعداتها المالية للخزينة العامة، وخصوصا في السنوات الخمس الأخيرة.
وبلغة الأرقام، فقد بلغت قيمة الموازنة لهذا العام 4.48 مليار دولار، منها 4.1 مليار دولار للنفقات الجارية التي تشمل الرواتب والنفقات التشغيلية، أما الموازنة التطويرية فقد رُصد لها مبلغ 350 مليون دولار، بينما وصلت قيمة العجز المالي في الموازنة نحو 765 مليون دولار، بعد احتساب المنح والمساعدات التي قدرتها الحكومة بـ500 مليون دولار لهذا العام.
ووفق أرقام صدرت عن وزارة المالية أواخر الشهر الماضي، فقد تراجعت المنح المالية للخزينة العامة في العام الماضي إلى 614 مليون دولار، بينما بلغت في العام 2008 على سبيل المثال 1.7 مليار دولار، وبمتوسط 1.1 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة.
ويبدو أن السلطة الفلسطينية باتت تدرك خطورة تراجع المنح والمساعدات المقدمة لها من الدول المانحة في السنوات الأخيرة، وهو ما دفع رئيس الوزراء رامي الحمد إلى القول: "نعم ستكون موازنة العام الجاري أكثر صعوبة من سابقتها 2016، بالنظر إلى المعطيات الخارجية والتغيرات السياسية".
الموازنة الأصعب
من جانبه أشار، عاطف عدوان، رئيس لجنة الموازنة في المجلس التشريعي الفلسطيني، إلى إن "موازنة العام الجاري هي الأصعب على السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها، ويعود ذلك إلى أن الدول المانحة دأبت منذ السنوات الخمس الأخيرة على تغيير سياستها في
تمويل السلطة الفلسطينية؛ بسبب الضغوط الإسرائيلية الممارسة على هذه الدول".
وأضاف عدوان لـ"عربي21" أن "المتوسط الفعلي لقيمة
المساعدات الخارجية للسلطة الفلسطينية كان يقدر بـ1.2 مليار دولار سنويا حتى العام 2012، تحديدا عندما هدد الرئيس الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة للحصول على عضوية مراقب فيها، وبعد هذا التاريخ انخفضت قيمة المنح والمساعدات المالية إلى متوسط لا يتجاوز 350 مليون دولار سنويا في السنوات الخمس الأخيرة"، وفق قوله.
وأوضح عدوان أن "ما هو متوفر من خيارات لدى السلطة الفلسطينية لتمويل هذا العجز؛ هو فرض المزيد من الضرائب بأشكالها كافة، واللجوء إلى البنوك المحلية للاقتراض، وهذا ما سيشكل تحديا للأجيال القادمة، حيث سيرتفع الدين العام، وبالتالي سينخفض نصيب الفرد من الدخل القومي".
وتشير أرقام الموازنة العامة إلى أن الدين العام المستحق على الحكومة الفلسطينية وصل حتى نهاية العام الماضي إلى 2.5 مليار دولار، وهي قيمة تساوي 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الفلسطيني. ويتوزع الدين العام بين 1.4 مليار دولار من البنوك المحلية، والباقي هي قروض خارجية.
العجز ليس مشكلة
من جانبه، أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، معين رجب، إلى أن "عجز الموازنة لهذا العام لا يشكل خطرا حقيقيا على أداء السلطة الفلسطينية، كما يروج له الكثيرون، ويعود ذلك لأن وزارة المالية تستطيع تمويل هذا العجز من خلال الاقتراض من البنوك المحلية بفائدة متدنية جدا، تقارب الصفر في المئة، أو من خلال فرض المزيد من الضرائب على السلع المستهلكة في السوق المحلي".
وتابع رجب، في حديث مع "عربي21"، أن "الفترة ما بين عامي 2012 و2016 نجحت من خلالها الحكومة الفلسطينية في تعظيم الإيرادات المالية الضريبية وغير الضريبية (رسوم المعاملات الحكومية من طوابع ورسوم)، بنسبة تفوق 25 في المئة".
وفي المقابل، اعتبر رجب أن "الخطر الحقيقي الذي يواجه الفلسطينيين في تمويل عجز الموازنة لهذا العام، هو قيام الجانب الإسرائيلي بوقف تحويل أموال المقاصة التي تساهم بنسبة 65 في المئة من إيرادات الخزينة العامة للسلطة الفلسطينية".
وتعرف أموال المقاصة بأنها إيرادات مالية تجبيها "إسرائيل" نيابة عن الفلسطينيين كضرائب على السلع والخدمات الواردة للفلسطينيين من الخارج، ويبلغ متوسط قيمتها الشهرية 700 مليون شيكل (182 مليون دولار).
لكن إسرائيل تستخدم هذه الضرائب، التي تخصص لدفع فاتورة رواتب الموظفين العموميين، كسلاح ضد الفلسطينيين، وتحجبها عنهم في حال توتر في العلاقات السياسية الرسمية بين الجانبين.
نتائج كارثية
وفي السياق ذاته، أشار الخبير المالي نهاد نشوان، إلى أنه "بسبب تراجع مخصصات الدول المانحة للسلطة الفلسطينية، فإن الأشهر القادمة ستشهد مزيدا من الضغوط على المواطن الفلسطيني، من خلال فرض الحكومة المزيد من الضرائب على السلع الاستهلاكية، الأمر الذي سيرفع من معدل التضخم، وهو ما ينذر بدخول الاقتصاد الفلسطيني في مرحلة انكماش ستكون نتائجها كارثية على الأصعدة كافة".
وتوقع نشوان، في حديث لـ"عربي21"، أن "تشهد الفترة القادمة المزيد من الضغوط المالية على السلطة الفلسطينية من المجتمع الدولي، معتبرا أن تقدير بند المنح والمساعدات الخارجية في الموازنة المرتقبة بـ500 مليون دولار مبالغ فيه بعض الشيء، بعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف تمويل السلطة الفلسطينية، إذا لم تتراجع عن قراراها بتعليق المفاوضات مع الإسرائيليين".