كتاب عربي 21

الوفاق بعد مقترح التعديل على الاتفاق

1300x600
ليس صحيحا دائما المثل القائل "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي"، وأتخوف أن يكون من حالات عدم انطباقه الوضع في ليبيا، فيما يخص الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في ديسمبر 2015.

مضى عام كامل على توقيع الاتفاق السياسي والنتائج يعرفها العامي قبل الملم بتفاصيل الشأن الليبي، وهي باختصار مراكمة إضافية للمشاكل المعهودة، وتجذير للأزمات الموجودة.

فريق الحوار السياسي، وهم المعنيون من الجانب الليبي بتصميم الاتفاق السياسي، أخفقوا في الاستدراك على الثغرات الكبيرة للاتفاق السياسي بعد أن تبين عواره منذ الأشهر الأولى، واجتمعوا مرات عدة وكان تقييمهم يتجه إلى الحاجة للتغيير، لكنهم عجزوا في كل مرة عن "الاتفاق".

ومع قناعتي بأن التغيير يحتاج إلى نضج سياسيي واجتماعي، بمعنى تهيئ الظروف السياسية والاجتماعية، إلا إني أرفض الأخذ بهذه القاعدة في الأزمات الطاحنة، فالتأخير انتظارا للنضج يعني مراكمة للمشاكل بشكل يجعل حلها مستعصيا أو ترقيعيا. أيضا تثبت التجربة أنه برغم تهيؤ الظرف فإن الإخفاق في الوصول إلى اتفاق حقيقي مستمر، وذلك بسبب العجز وضعف التفكير وغلبة الأهواء الخاصة على المصلحة العامة. 

انتظرت مجموعة الحوار السياسي حتى زاد أنين المتوجعين من الليبيين وهم الغالبية العظمى، وارتفع صوت المحتجين على عجز وضعف الاتفاق وعرابيه لأجل الاستدراك عليه، فاعتبر البعض منهم هذا نضجا سياسيا، ولم يفلحوا في أن يسهموا في توافق حقيقي وقابل للاستمرار منذ البداية، فيجنبوا الناس ويلات المعاناة التي مست أرزاقهم والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ووقود. وسيلقي هذا التأخير بظلاله السلبية على العملية السياسية وعلى الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد لا محالة.

بالنسبة لمخرجات اجتماع فريق الحوار الأخير في تونس، فلا غبار على التعديلات التي تضمنها بيانهم من حيث إنها يمكن أن تسهم بدرجة كبيرة في تخطي الجمود الذي يلف المجلس الرئاسي خاصة النقطة المتعلقة بإعادة تشكيله من ثلاثة أعضاء فقط، وإسناد مهام القائد الأعلى إلى مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة وعضو من الرئاسي، إلا أن الاتفاق لم يعالج قضية جوهرية وهي وضع خليفة حفتر في المنظومة العسكرية، وهي مسألة أساسية وسيقترن تمرير التعديلات المقترحة على الاتفاق السياسي من قبل البرلمان بمدى ضمانة تثبيته على رأس المؤسسة العسكرية وبصلاحيات واسعة، إذ ما يزال حفتر يتمتع بدعم قوي برغم العقبات التي تواجهه.

التحديات التي تنسف مقولة "أن تأتي متاخرا خير من ألا تأتي" كبيرة من أهمها ترسخ القناعة لدى الأطراف الرافضة للاتفاق السياسي بأنه فاشل، بل مؤامرة للقضاء على ما تبقى من مقدرات البلاد ورهنها للوصاية، والحقيقة أن فشل الاتفاق وسع من دائرة هذه الشريحة أو المتعاطفين مع موقفها. 

في المقابل فشل الاتفاق عزز من ترسيخ فكرة عسكرة الدولة ممثلة في النموذج الذي قدمه خليفة حفتر لدى أنصاره في الشرق، وأن الحلول السياسية مضيعة للوقت برغم أنه لا ضمانة في أن ينجح العسكر في معالجة الأوضاع المتردية، بل التجربة المصرية تؤكد أنهم قد يضاعفوا من تردي الوضع.

لا يفوتني الإشارة إلى السلوك المعيب الذي اقترن باتجاهات التغيير في الأجسام السيادية والمناصب العليا، وهو المسارعة في إصدار قرارات لأجل إعاقة التغيير، أو الاستفادة من المناصب في تعزيز النفوذ وتحصيل المكاسب. فقد أطلعني سياسي نافذ عن اتجاه لإصدار عشرات القرارات المتعلقة بتوسيع دائرة المستفيدين من النموذج الحالي للسلطة التنفيذية في محاولة للتشويش على أي تعديلات، وقرارات لصالح الفرق الداعمة بتعيينهم سفراء أو قائمين بالأعمال وموظفين في السفارات والقنصليات وبعض الشركات في الخارج. وهو سلوك تكرر منذ تشكيل المجلس الانتقالي ومارسته كل الحكومات السابقة، نتيجته تأكيد الاعتقاد بأن كل من تصدروا المشهد السياسي نفعيون تهمهم مصالحهم ومصالح جهوياتهم أو قبائلهم أو أحزابهم، وليس مصلحة ليبيا والليبيين.