سابقت السلطة السياسية في
تونس الزمن، لتدارك "التباطؤ" الذي ميّز تفاعلها، الأيّام الأولى، لاغتيال مهندس الطيران محمد
الزواري، وذلك في محاولة لردّ الاعتبار للأخير، الذي وصفه مسؤولون رسميون بالشهيد، فيما تسارعت القرارات والإجراءات الحكومية العاجلة.
وقرر رئيس
الحكومة يوسف الشاهد، الخميس، عزل والي صفاقس (محافظ) وقيادات أمنية رفيعة، بعد أن كان أعلن، الاثنين، "أنه سيحاسب كل من ثبت تقصيره أو تورّط من قريب أو بعيد في استباحة أمن البلاد".
ومنحت وزارة الداخلية، الخميس، بطاقة الإقامة الرسمية لأرملة الزواري، وهي سورية الجنسية، في انتظار منحها الجنسية التونسية، بحسب ما أكّده شقيق الشهيد.
فخر للدولة
وكانت أرملة الزواري، ماجدة خالد صالح، تقدّمت بطلب الحصول على بطاقة الإقامة في أكثر من مناسبة طيلة 6 سنوات، غير أنّ طلبها قوبل بالرفض.
وقال وزير الحوكمة والوظيفة العمومية، عبيد البريكي، خلال زيارة رسمية إلى بيت الزواري بصفاقس، بتكليف من رئيس الحكومة: "إن منح الجنسية التونسية والإقامة لأرملة الشهيد حق مكفول".
ووصف الوزير اغتيال الزواري بـ"الجريمة النكراء التي استهدفت العِلْم الذي كرّسه الشهيد خدمة لأبناء غزة في مواجهة عدوان الكيان الصهيوني"، وفق تعبيره.
كما قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، إيّاد الدهماني، إنّ الزواري يستحق وصف "الشهيد"، مؤكّدا في تصريح لراديو موزاييك، الأربعاء، "أن الدولة التونسية تفخر بأن الزواري انتمى إلى المقاومة الفلسطينية".
حمساوي
وفسّر محلّلون سياسيون ومراقبون عدم تفاعل السلطة السياسية وأغلب الأحزاب التونسية مع اغتيال مهندس الطيران محمد الزواري، خلال الأيّام الأربعة الأولى التي تلت الجريمة، بـ"الخوف من تبعات التعاطف مع الحمساوي الزواري".
وقال المُحلّل السياسي وأستاذ القانون الدستوري، جوهر بن مبارك، إنّ "الشهيد الزواري أحرج السلطة السياسية وعديد الأحزاب، على غرار حركتي
النهضة ونداء تونس".
وأضاف بن مبارك، في تصريح لـ"
عربي21"، أنّه "ربّما لم يستوعب رئيسا الجمهورية والحكومة وحركتا النهضة والنداء ما حصل في البداية، لكن بعض المؤشرات الدالة على ضلوع الكيان الصهيوني في العملية كانت واضحة منذ مساء السبت، وصارت جلية الأحد".
وقال بن مبارك: "فرضية عدم فهم هؤلاء ما جرى حقيقة، وانشغالهم بالتثبت بخصوص هوية الضحية، تجاوزت الآجال المعقولة، وهو ما يحيل على إمكانية ارتباط مواقفهم بحسابات سياسية داخلية تتعلق أساسا بهوية الشهيد وانتماءاته السياسية".
النهضة تداركت
وتابع بقوله: "كان هناك تخبّط من قبل حركة النهضة، التي خيّرت في البداية أن تنأى بموقفها إزاء جريمة اغتيال الزواري، ذي التوجّه الإسلامي، والمحسوب عليها، والمنتمي إلى كتائب عز الدين القسام (حماس)؛ لذلك كان هناك خوف من أن يتمّ ربطها بـ"حماس"، المصنّفة حركة إرهابية حسب المعايير الأمريكية".
وأشار بن مبارك إلى أنّ رئاستي الجمهورية والحكومة "شعرتا خلال الأيّام الأخيرة بالحرج؛ بسبب عدم الخروج إلى الشعب التونسي للحديث، على الأقل، عن الاعتداء على السيادة الوطنية، وطمأنة الناس بأنّ التحقيقات كفيلة بأن توصل المحققين إلى معرفة الأطراف الحقيقية المتهمة.. لكن أعتقد أنّ الانتماءات السياسية للشهيد منعتهما من ذلك".
واعتبر بن مبارك أنّ حركة النهضة "تداركت موقفها بنجاح؛ من خلال تحريك الرأي العام، وتبنّي قضية الشهيد بشكل أكثر وضوحا من الناحية السياسية، خاصة بعد أن نفى رئيس مكتبها السياسي نورالدين العرباوي، الأحد، أن يكون الزواري نهضويا.
وأشار العرباوي، في تصريح إعلامي، "أنّ النهضة اكتشفت حقيقة انتماء الزواري إلى حماس وكتائب عز الدين القسّام من خلال بيان الأخيرة".
إجراءات
وأفضى مجلس وزاري مضيّق، الثلاثاء، على خلفية اغتيال الزواري، إلى إقرار عدّة إجراءات حكومية (أوامر)، على غرار بعث المركز الوطني للاستخبارات، وإعداد مشروع قانون مكافحة جرائم شبكات الاتصال، وتحويل إدارة الحدود والأجانب إلى إدارة عامة، وتنظيم عمل شركات الإنتاج التلفزيوني التي تتعامل مع القنوات الأجنبية.
وكشف رئيس النيابة الخصوصية لبلدية "العين" بصفاقس، خالد معلى، أنّه تقرّر إطلاق اسم الشهيد محمد الزواري على أكبر الساحات بالجهة، وعلى الشارع الذي يقطن فيه.
وتابع معلّى في تصريح لراديو موزاييك بأنه سيتم، بالتنسيق مع المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، تجسيد تمثال يجسّد طائرة دون طيار أو غواصة، تزامنا مع ذكراه الأولى العام القادم.
وفي سياق متصل، تقدّم 37 نائبا عن مختلف الكتل البرلمانية بمبادرة لتحويل المخبر الذي كان يعمل به الزواري في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس إلى مركز تطوير هندسة الطائرات.