تعج وسائل التواصل الاجتماعي بمعلومات خاصة بمستخدميها، أصبح استغلالها تجارة حقيقية، غير أن هذه الرقابة تثير قلقا خصوصا عندما تتخذ وجها بوليسيا.
وأشارت المحللة في مجموعة "غارتنر" جيني ساسن، إلى أن "ثمة خطأ فاصلا ضيقا بين مراقبة الأفراد وتتبع نشاطاتهم لأغراض البحث".
وحتى عندما لا يكون
التجسس الهدف الأساس، فإنه "لا شيء يمنع أحدا من جمع معلومات مصدرها حصرا أشخاص على قائمة معينة"، و"تحديد موقعهم عندما يضعون منشورات على
مواقع التواصل الاجتماعي من منطقة محددة".
وتلقت شركة "جيوفيديا" العاملة كمجموعات أخرى كثيرة في توفير خدمات تحليل عبر الاستقاء من قاعدة بيانات ضخمة لمشتركي "
تويتر" و"
فيسبوك" و"إنستغرام"، أخيرا، انتقادات من الهيئة الأمريكية للدفاع عن الحقوق المدنية، بتهمة مساعدة الشرطة على تتبع نشطاء خلال تحركات اجتماعية في مدن أمريكية عدة، تعرض فيها رجال سود للقتل على يد عناصر الشرطة.
وقطعت "تويتر" و"فيسبوك" إمكان دخول الشركة إلى قاعدة بياناتها.
وفي الماضي، حظرت "تويتر" على أجهزة الاستخبارات الأمريكية استخدام برمجيات "داتاماينر" المتخصصة في تحليل التغريدات.
وتطالب الهيئة الأمريكية للدفاع عن الحقوق المدنية ببذل شبكات التواصل الاجتماعي جهودا أكبر، خصوصا عبر حظر تطبيقات مستخدمة من جانب قوات الأمن، أو يمكن اللجوء إليها أدوات للتجسس.
وقالت صوفيا كوب، المحامية المتخصصة في شؤون الحريات المدنية والتكنولوجيا في مؤسسة "إلكترونيك فرونتير فاونديشن"، إن على الشركات "معرفة زبائنها"، وإن "ثمة أسئلة خاصة عليها طرحها" في هذا الإطار.
نقاش متكرر
ويعتبر التعاون المحتمل بين شركات التكنولوجيا وأجهزة الاستخبارات، من المواضيع المطروحة للنقاش بشكل متكرر.
وقد درس القضاء الفرنسي في الماضي حالات شركات مثل "إميسيس" و"كوسموس"، إثر الاشتباه بقيام برمجياتها بالتجسس على معارضين لنظام الزعيم الليبي معمر القذافي في ليبيا، أو رئيس النظام السوري بشار الأسد.
كذلك، وجه اتهام إلى مجموعة "ياهو!" الأمريكية العملاقة، بالتجسس على مضمون الرسائل الإلكترونية لمئات الآلاف من مستخدميها لحساب السلطات الأمريكية.
لكن ثمة خاصية لحالة شبكات التواصل الاجتماعي تتعلق بالطابع العلني للبيانات المستخدمة.
ولفتت صوفيا كوب إلى أن الحكومة "لديها موظفوها الخاصون الذين يراقبون شبكات التواصل الاجتماعي. غير أن هذا الأمر يتطلب يدا عاملة. لكنْ بوجود شركات خاصة مثل جيوفيديا، تسهل هذه العملية وتبسط الرقابة الحكومية، فإن هذا الأمر يثير القلق لدينا".
ولدى شركات تحليل البيانات في كثير من الأحيان نقطة قوة، تتمثل بربطها مباشرة بدفق من البيانات المزودة من الشبكات إلى مطوري التطبيقات ووسائل الإعلام.
هذا الأمر يسمح بعملية آلية مرشحة للتحسن في ظل طفرة خدمات الذكاء الاصطناعي. غير أن استغلال البيانات يتخذ أوجها مختلفة. فإلى جانب الجواسيس التابعين لأجهزة الاستخبارات، هناك أيضا شركات إعلانية راغبة في استهداف جمهور محدد أو باحثون يحاولون التوصل إلى خلاصات علمية أو سوسيولوجية.
وقد أعلنت مجموعة "آي بي أم" هذا الصيف تعاونا مع مركز برازيلي للبحوث، بهدف رصد انتشار أمراض مثل "زيكا" و"الضنك" و"شيكونغونيا" بالاستعانة ببيانات "تويتر".
وفي لوس أنجليس، تمول وزارة العدل دراسة يجريها منذ أيلول/ سبتمبر باحثين بريطانيين ومنظمة "راند" غير الحكومية، للتأكد ما إذا كانت الشرطة قادرة على منع حصول جرائم عنصرية عبر تحديد مواقع إطلاق تعليقات تنطوي على كراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تحديد الأحياء الأخطر في هذا المجال.
ولفتت صوفيا كوب إلى أن هذه الخدمات "لها فائدتها لكن قد تحصل تجاوزات"، إذ إن "كل شكل من أشكال المراقبة أو الترصد يطرح إشكالية"، لكن "الرقابة الحكومية أسوأ، لأنها تنتهك حقوقا دستورية" للأفراد.
متابعة دقيقة
ولفتت جيني ساسن إلى أن ما تحاول شبكات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" فعله خصوصا، يتمثل في إدراج ما يسمح أو يمنع لمطوري البرمجيات القيام به ببياناتها.
لكن هذه الشبكات قادرة وفق ساسن على تذكير المستخدمين في مستهل كل عملية تصفح بأنهم وافقوا على تشارك مواقع وجودهم.
وهي لفتت إلى أن المراقبة الإلكترونية عبر هذه المواقع "ليست للجميع، وفي كل مكان، وأي زمان"، بل هي "لأولئك الذين اختاروا تشارك معلوماتهم".
وقال المحلل لدى مجموعة "اندبوينت تكنولوجيز اسوسييتس"، روجر كاي: "إننا نشارك طوعا في عملية المراقبة على بياناتنا"، مضيفا أن "هناك أناسا كثرا يعيشون حياتهم بشكل علني للغاية"، ما يسمح للجواسيس أو لجهات ضالعة في ارتكابات بسيطة برصد دقيق لتحركاتهم.
وفي هذا الإطار، يمكن الاستناد إلى عملية السرقة التي تعرضت لها كيم كارداشيان في باريس أخيرا، إذ إن هذه المستخدمة النهمة لوسائل التواصل الاجتماعي، باتت أكثر تكتما على تفاصيل حياتها اليومية منذ الحادثة.