صحافة دولية

الكونفدنسيال: القاعدة تتبع استراتيجية بعيدة المدى بسوريا

لم تقبل القوى الدولية إعلان الجولاني فك ارتباط النصرة بتنظيم القاعدة - أرشيفية
رأت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية أن سوريا تمثل الآن المكان المناسب، بالنسبة لـ"الجماعات المتطرفة"، لتطبيق مخططاتها، والتجذر فيها لضمان البقاء على قيد الحياة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في السابق كان تنظيم القاعدة يعتمد على العنف لبسط نفوذه، ويلجأ للشريعة لإخضاع الأفراد غير المقتنعين بأيديولوجيتها، كما لجأت في بعض الأحيان إلى الخطف والابتزاز، مثل ما حصل مع سنة الأنبار، من أجل السيطرة على مساحة أكبر من الأراضي وزيادة نفوذها في المنطقة.

لكن الحرب في سوريا أحدثت ثورة في استراتيجية تنظيم القاعدة وغيره من "الجماعات المتطرفة" الجديدة. وقد تبين في الفترة الأخيرة أن تنظيم القاعدة قدم سيناريو جديدا بطريقة مختلفة لشن "حربه المقدسة". وهذه الاستراتيجية التي وضعت على المدى البعيد؛ تحاول خلق هوية وإنشاء تحالفات عاطفية وعسكرية مع السكان، لضمان بقاء التنظيم على قيد الحياة والتجذر في المنطقة.

وأشارت الصحيفة إلى أن جبهة النصرة، حاليا جبهة فتح الشام، هي التكوين الذي يمثل نموذج الجهاد الجديد، وهو الفرع الذي ينفذ المهمة السرية لتنظيم القاعدة في سوريا، كما تقول الصحيفة. وقد بدأ تنفيذ هذه الاستراتيجية عندما عبر ستة قادة من تنظيم القاعدة في العراق، سرا، في عام 2011، الحدود الشمالية الشرقية لسوريا لتأسيس مشروع سياسي جديد.

وفي هذا السياق، قال تشارلز ليستر، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة في سوريا، إنه "بعد خمس سنوات، أصبحت جبهة فتح الشام واحدة من الجماعات المسلحة الأكثر قوة، داخل الحرب في سوريا. وقد بلغت هذا المستوى بفضل استراتيجيتها الصلبة وقدرتها على التجذر والاندماج داخل المجتمعات المعارضة".

وأضافت الصحيفة أن نجاح تنظيم القاعدة لا يقف فقط على مخطط عسكري ناجح، وإنما يرتكز في الأساس على مخطط سياسي محكم التدبير. وفي الوقت الذي فشلت فيه محادثات السلام، وعدم وفاء الولايات المتحدة بوعودها، إضافة إلى تواصل هجمات النظام السوري وحليفه الروسي ضد المدنيين؛ نجح تنظيم القاعدة في تطوير مشروعه كسلطة سياسية حليفة للمعارضة في سوريا.

وبينت الصحيفة أن الاتجاه الجديد لتنظيم القاعدة، يسعى إلى كسب نفوذ متزايد والتأثير في السكان المحليين؛ ليصبح تدريجيا جزءا لا يتجزأ من هذا المجتمع، بدلا من تحقيق انتصارات عسكرية. وعموما فالتنظيم يسعى إلى زرع جزئيات وأساسيات أيديولوجيتها، في هذا المكان الذي تنوي البقاء فيه إلى الأبد. 

وفي حديثها عن المشروع المدني لتنظيم القاعدة في سوريا، قالت الصحيفة إنه في آذار/ مارس 2013؛ أنشأ أحمد عزوز، برفقة 24 عضوا آخرين من قادة المعارضة السورية، هيئة بلدية أطلق عليها اسم "المجلس المحلي"، وذلك لتوفير الخدمات العامة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة والمتضررة بشدة من القصف والقتال. وفي الوقت نفسه، كون قادة جبهة النصرة في حلب إدارة موازية تحمل اسم "الإدارة العامة للخدمات"، لإدارة الخدمات نفسها والتنافس مع المجلس المحلي. وكان أول شيء قامت به الإدارة الجديدة هو السيطرة على إمدادات الكهرباء والمياه لتوزيعها مجانا، لكسب تأييد السكان. وقبل بضعة أشهر، كونت المجموعة نفسها هيئة ثانية أطلق عليها اسم "قسم الإغاثة"، لتوزيع الخبز والبطانيات والغاز والمواد الغذائية للفقراء.

ونقلت الصحيفة قول عزوز بأن مجموعته شهدت عدة المواجهات مع جبهة النصرة، فقرروا أخيرا تقسيم الدوائر فيما بينهم. وعلى الرغم من ذلك، لم يكف التنظيم عن عرقلتهم وقطع المياه والكهرباء في الكثير من المناطق، وذلك لإظهار أن المجلس المحلي ليس كفؤا، "لكن هذا ليس بالتنافس السياسي الديمقراطي"، كما يقول.

وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من أن المشروع السياسي للمعارضة السورية لا يتلاءم مع استراتيجية جبهة فتح الشام، إلا أن جزءا من المعارضة قبل التعاون معها؛ لأنه على يقين بأن هذا التنظيم هو عنصر أساسي في محاربة بشار الأسد. وبهذه الطريقة، يضمن فرع تنظيم القاعدة التفوق العسكري من جهة، ودعم السكان من جهة أخرى، كما تقول الصحيفة.

وعموما يعد التفوق العسكري والدعم المحلي عنصري أساسيين يمكنان هذا التنظيم من تحقيق حلمه السياسي. ولهذا السبب يرى العديد من الخبراء أن جبهة فتح الشام هي أخطر من تنظيم الدولة، وتهدد بشكل مباشر مستقبل الديمقراطية في سوريا، وفق ما تنقله الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن الناشط السوري في أمريكا، عمار عبد الحميد، قوله إن "إخفاقات الولايات المتحدة الأمريكية المتعددة، دعمت مشروع تنظيم القاعدة في سوريا، مثلما فعلت قبل مع تنظيم القاعدة في العراق".
 
وفي الأشهر الأخيرة، قامت جبهة النصرة ببعض التغييرات التي تخدم مشروعها السياسي، ففي مرحلة أولى أعلنت عن انفصالها عن تنظيم القاعدة، ثم أبدت مزيدا من العلنية مع وسائل الإعلام، والبحث عن دعم أكثر من قبل المعارضة. ففي ظل عجز المجتمع الدولي لوضع حد للحرب، نجحت جبهة فتح الشام في ترسيخ وجودها بصفتها لاعبا سياسيا في المنطقة المضطربة.

وبينت الصحيفة، أنه من المتوقع أن نجد جبهة فتح الشام في قائمة الأطراف المتفاوضة في عمليات السلام المستقبلية؛ لأنه لا أحد قادر على التنافس مع هذا التكوين ذي المخططات المدروسة بدقة؛ إلا في حال تدخل 50 ألف جندي لمكافحة الإرهاب، وفق الصحيفة.