كشف تقرير أعده مركز دراسات
التطرف والعنف السياسي في جامعة كينغز في لندن، عن اتجاه مثير للقلق، وهو اندماج الجماعات الإجرامية والإرهابية في أوروبا، متحدة في السعى إلى هدف واحد، ولخلق نوع من الجهادية الخطيرة، التي يتحول فيها العنف إلى طريقة حياة، وليس واجبا مقدسا فقط.
وتنقل صحيفة "إندبندنت" عن مدير المركز بيتر نيومان، قوله إن "علاقة
الجريمة- الإرهاب" تجعل من إمكانية الكشف عن مظاهر التشدد أمرا صعبا، ويضيف: "هناك الكثير من المحللين لا يزالون يقولون إن الإرهابيين يأتون من الطبقات المتوسطة أو العليا، أسامة بن لادن كان نجل مليونير، وكان منفذو هجمات أيلول/ سبتمبر طلابا"، ويستدرك قائلا: "لكنني لا أعتقد أن هذا يعكس الواقع الذي نراه مع
تنظيم الدولة، نحن بحاجة لإعادة النظر في استراتيجيتنا".
ويقول نيومان إن العاملين في المؤسسات الأمنية يقيسون التشدد عبر تغيير سلوك الشباب نحو "التدين"، وإطلاق لحاهم، أو تغيير زيهم، ويضيف أن تصرفات كهذه يمكن أن تنطبق على البعض، لكنها لا تنطبق على آخرين، فالبيانات التي يحتفظ بها المركز عن المقاتلين في تنظيم الدولة تظهر أن عددا منهم لا يزال يدخن السجائر، ويتناولون الخمور، ويتعاطون المخدرات حتى مغادرتهم مناطق "الدولة".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الجريمة لا تتوقف عند الالتزام بقضية الجهاد، فقد اشترى منفذ الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة "تشارلي إبدو" سعيد كواشي، سلاحه من خلال بيع الأحذية الرياضية المزيفة.
ويقول نيومان إن الجهاديين الذين تمت دراسة حياتهم في الدراسة الحالية لا يرتبطون فقط بعالم الجريمة، بل إن ثلثيهم لهم ماض في العنف، مشيرا إلى أنه في الدول الأوروبية الأخرى، حيث يعتقد أن النسبة أعلى، كانت الشرطة تعرف نصف المقاتلين الذين انضموا لتنظيم الدولة قبل السفر إلى
سوريا، ويضيف نيومان: "يصبح لديهم المبرر الأخلاقي لعمل ما كانوا دائما يفعلونه، لكنهم الآن سيذهبون إلى الجنة".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "أيديولوجية تنظيم الدولة تركز على اتباع تفسيرها للدين، أكثر من تركيزها على المعرفة الدينية لعناصرها، خاصة أن الوثائق التي تم تسريبها عن معرفة المقاتلين الأجانب بالدين، التي أظهرت إجابتهم التي وضعوها على استمارات الانضمام، كشفت عن معرفة (بسيطة) في ما يتعلق بالدين".
ويلفت التقرير إلى أنه على خلاف تنظيم
القاعدة، فإن تنظيم الدولة لا يصدر سوى فقرات قصيرة لتبرير هجماته، مفضلا الوصول إلى جمهوره في مجلاته وأشرطة الفيديو التي يصدرها بطريقة متقنة.
ويعلق نيومان قائلا: "لا يوجد انسجام تام بين الشباب والجماعة، الأمر الذي يسلط الضوء على محاولات للنقاش الأيديولوجي الجاد"، ويضيف أن التنظيم "ينتعش على فكرة رفضه للتفسير الرئيس، وحتى علماء السلفية، وبشكل أساسي يستطيعون القدوم لو وافقوا على المهمة، ولا نهتم إن كنت ملما بالإسلام الحقيقي، فنحن الإسلام الحقيقي".
وتذكر الصحيفة أن التنظيم يهدف إلى تصوير أهداف العضوية على أنها طريق للفعل والمغامرة والقوة وحس الأخوة، التي يبحث عنها الأشخاص الضعاف الباحثون عن هدف في حياتهم.
ويورد التقرير أن المسؤول البارز في وكالة مكافحة الإرهاب البلجيكية ألين غرينغارد، يرى أنه يمكن النظر لتنظيم الدولة على أنه امتداد للعصابات في أحياء المدن الأوروبية، وتحدث لمركز مكافحة الإرهاب قائلا: "ينضم الشباب المسلم ممن لهم تاريخ في ارتكاب الجريمة والجنح الاجتماعية للتنظيم، باعتباره جزءا من (عصابة كبيرة)"، ويضيف غرينغارد: "كنا في الماضي نتعامل مع (المتشددين الإسلاميين)، وهم أفراد مالوا للعنف من خلال التفسيرات المتطرفة للدين، لكننا الآن نتعامل بشكل متزايد مع (متشددين تأسلموا)".
وتبين الصحيفة أن عملية التجنيد للجماعة المتشددة تتم عبر إجراءات سريعة، لا تستغرق سوى أسابيع أو أشهر، مقارنة بالفترة الطويلة التي تستغرق سنوات للانضمام إلى تنظيم القاعدة أو حركة طالبان، مشيرة إلى أن الأمر مختلف بالنسبة للعناصر الجدد، حيث يقول نيومان: "مع هؤلاء المجرمين، الذين اعتادوا على العنف، فإن تحولهم من كونهم متطرفين إلى متطرفين عنيفين لا يحتاج جهدا كبيرا".
وينوه التقرير إلى أن الدراسة تقول إن تنظيم الدولة يجذب الشبان المضطربين، من خلال ما يطلق عليه المحللون "رواية الخلاص"، حيث تبرز من خلالها فكرة الشهادة بصفتها طهارة من الذنوب كلها، ويقول نيومان إنه "عادة ما يتحول الشخص بعد تجربة تترك أثرها النفسي، وتكون بمثابة صيحة التحذير، مثل السجن، أو مقتل صديق، أو الإصابة بمرض السرطان، وعندها يبدأ بالتفكير، ماذا أفعل؟ وكيف أنقذ نفسي؟ وفي تلك المرحلة ربما كانت له علاقة هشة مع فكرة الجهاد، وهي رواية عامة".
وبحسب الصحيفة، فإنه في العادة ما تتم التحولات في السجون الأوروبية، حيث تم توثيق هذه الظاهرة بين السجناء الذين يقومون في بعض الأحيان بتنظيم خلاياهم الخاصة.
وينقل التقرير عن المتشدد الألماني هاري سارفو، الذي انضم لتنظيم الدولة، قوله: "تعلمت أيديولوجية الجهاد والتوحيد عندما سجنت لمشاركتي في عملية سطو على متجر"، مشيرا إلى أنه وجد نفسه في سجن بيرمان مع المتشدد المرتبط بتنظيم القاعدة والمتهم بنشر دعاية جهادية رينيه مارك سيباك، الذي أدى إلى "تغيير فهمي للإسلام".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن سارفو سافر إلى سوريا للقتال مع تنظيم الدولة، ومن ثم انشق عنه بعد ثلاثة أشهر، وعاد إلى ألمانيا، حيث لا يزال في السجن.