يعتري صالح، الفتى السوري، الارتباك والخجل، وهو يهم بالدخول إلى مدرسة السلطان عبد الحميد الثاني "عقل" في مدينة كيليس التركية الحدودية للمرة الأولى، بعد أن مضى نحو عامين على تركه الدراسة كطالب نظامي.
مع دخوله المدرسة تبدل المشهد السابق لديه، فما كان يشعر به من خجل وارتباك، صار خارج حساباته مع مشاهدته لأقرانه الطلاب السوريين، فـ"غالبيتهم في نفس عمري.. كنت أعتقد للوهلة الأولى أني سأتابع دراستي مع طلاب يصغروني سناً"، يقول صالح لـ"عربي21" بصوت قوي يعبر عن سعادته.
ويتابع، وهو جالس على مقعده المدرسي: "إن الفحص المعياري الذي أجرته اللجنة (التركية) المكلفة بتحديد مستوى الطلاب، حدد لي أن أدرس المستوى الأول، وهي المرحلة التي تعادل الصفين الأول والثاني الإعدادي، علماً بأن عمري الآن يخولني دخول الصف الأول الثانوي".
يتمتم قليلاً قبل أن يضيف: "تطبق هذه المدرسة المهتمة بالطلاب المتسربين؛ برامج خاصة من شأنها تكثيف المعلومات، لكي يكون الطالب قادرا على تجاوز أكثر من صف واحد خلال عام دراسي واحد، و"لهذا جئت إلى هنا"، كما يقول.
وتعتمد مدرسة "عقل" على مناهج فريدة من نوعها، تختلف عن سواها التقليدية، وتستهدف الطلبة المتسربين من المدرسة، في مناطق النزاعات والحروب، ليتمكنوا من اللحاق بركب أقرانهم الذين يتابعون دراستهم دون انقطاع في المدارس التركية.
وبدأت الحكومة التركية برنامجا لإلحاق التلاميذ السوريين بالمدارس التركية، فيما يشكل بداية لإلغاء المدارس السورية التي انتشرت في
تركيا، وهي لم تكن تستوعب إلا قسما من التلاميذ السوريين بكل الأحوال. ويتم تعليم التلاميذ اللغة التركية إلى جانب المنهاج التركي.
وإلى جانب المدارس السورية، أقامات الحكومة التركية مراكة تعليم مؤقتة للاجئين، لكن هذه المراكز ستلغى تدريجيا ليلتحق الطلاب السوريون بالمدارس التركية الرسمية.
وتستهدف المدرسة الفئة العمرية ما بين 13 و17 عاما، مختصرة سنوات الدراسة العادية من 12 سنة إلى 4 سنوات، يحصل الطلاب بعدها على شهادة ثانوية معترف بها محلياً ودولياً.
ولم يتحدث صالح عن أسباب تركه المدرسة، إلا أن والده أشار إلى أنه يتحمل جزءا من المسؤولية، قائلا: "لقد منعتني متاعب اللجوء والهجرة من متابعة شؤون دراسته، ولم أشعر بذلك إلا بعد رسوبه في الصف الأول الإعدادي، قبل عامين من الآن".
ويتابع الوالد في حديثه لـ"عربي21": "خلال هذه المدة حاولت أن أدفع به لسوق العمل، بعد أن فشلت بإقناعه بالذهاب إلى المدرسة من جديد، إلى أن اقتنع من تلقاء نفسه، وذلك بعد أن أجهد من العمل في تركيا".
يقاطعه صالح قائلا: "كنت أعتقد أن فترة غيابنا عن
سوريا لن تكون طويلة، ولذلك كنت أقول بأني سأعاود دراستي هناك، لكن بعد كل هذه المدة الطويلة، لا يبدو أن عودتنا قريبة".
ملف التسرب المدرسي بدون متابعة تركية
وذكر نقيب المعلمين السوريين حسن طيفور؛ أن عدد السوريين في تركيا ممن هم في سن الدراسة يبلغ حوالي 990 ألفا، وأن 350 ألف طالب منهم فقط؛ تلقوا
التعليم في المدارس خلال العام الدراسي الماضي.
وبعد أن أشار طيفور، في حديث خاص بـ"عربي21"، إلى أن الإحصائية السابقة قد تكون مقاربة لإحصائية العام الدراسي الحالي (2016-2017)، عبّر عن أسفه من غياب المتابعة الحكومية التركية لهذه الظاهرة، وقال: "لم نشاهد من الجانب الحكومي التركي إلا تصريحات فقط بخصوص محاربة أسباب التسرب المدرسي، لكن هذه التصريحات لم تلامس أرض الواقع"، على حد قوله.
من جانب آخر، يرى نقيب المعلمين أن القرار التركي الأخير القاضي بدمج التعليم السوري بالتعليم التركي سيسهم في زيادة أعداد المتسربين هذا العام، وقال: "لقد أثار فرض تعليم اللغة التركية على الطلاب السوريين مخاوف لدى بعض الأهالي، كما أدى إلى امتناع الكثير من الأولياء عن ارسال الطلاب إلى المدارس، وخصوصاً الإناث منهن، لبعد المدارس عن المساكن حيناً، وخوفاً من نسيانهم اللغة العربية في أحيان أخرى"، وفق قوله.
الدمج قد يخلق فجوة تعليمية
يتفق عضو شبكة أمان، عبد الله الحسين، مع المخاوف التي تحدث عنها طيفور، ويشير إلى مخاوف الوسط السوري في أن يسهم فرض التعليم باللغة التركية في ظهور ما وصفها بـ"الفجوة التعليمية"، في حال عودة
اللاجئين إلى الأراضي السورية مستقبلاً.
ويوضح الحسين، وهو طبيب سوري مهتم بقضايا التعليم في تركيا، لـ"عربي21" أن "غالبية اللاجئين السوريين ينتظرون العودة إلى بلادهم، وفي حال تحقق هذا الأمر سيكون طلابهم الذين يدرسون باللغة التركية هنا أمام نفس هذه المعضلة أي التعلم باللغة العربية"، معتبرا أن ذلك سيكون "بمثابة القضاء على مستقبل أجيال سورية".
وحول تباين آراء اللاجئين السوريين في تركيا حيال دمج التعليم السوري بالتركي، قال الحسين: "كل من يتدبر هذا القرار لا بد وأن يقف ضده؛ لأن نتائج هذا قد تظهر في المستقبل، في حال تم التوصل إلى حل سياسي يسمح بعودة اللاجئين إلى سوريا"، كما قال.