إنها الطائفية لا أكثر التي دفعت بالأنبا تواضروس لعداء الرئيس محمد مرسي مع أنه لم ينتقص من دور الكنيسة السياسي مثقال ذرة من خردل، حتى يندفع كشريك ضالع في مؤامرة الانقلاب عليه، وتحريض رجال الكهنوت على الترويج للاضطهاد المسيحي في عهده، بما يسهل مهمة حشد المسيحيين في زفة استقبال السيسي في نيويورك!
وإذا كنت قد كتبت هجوماً ضد الرئيس لأنه قام بتعيين "الفلولية" منى مكرم عبيد في مجلس الشورى، وهى التي عينها مبارك سابقاً، وترشحت على قوائم الحزب الوطني في البرلمان الذي أسقطته الثورة، فقد علمت بعد ذلك أنها ترشيح الكنيسة، فلم يجادل الرئيس ولم يناقش قداسة البابا!
وإذا كنت قد تعجبت لتعيين المحامي ممدوح رمزي الذي قاد انشقاقاً معلناً داخل الحزب الدستوري الاجتماعي لدعوة رئيسه ممدوح قناوي لحوار مع الإخوان قبل ثورة يناير، فقد تبدد العجب عندما علمت أنه ترشيح الكنيسة!
وعندما عين الرئيس محمد مرسي صحفيين اثنين لم أسمع بهما من قبل أعضاء في المجلس الأعلى للصحافة، وكان من بين الصحفيين المسيحيين من هم أكثر حضوراً ووجاهة منهما كانوا أولى بالتعيين، ما دمنا نأخذ بنظام المحاصصة الطائفية، فقد قيل لي أنهما من اختيار البابا!، بيد أن رضا البابا غاية لا تدرك!
ليس سرا أن الكنيسة حشدت رعاياها في 30 يونيو، على قاعدة "التعبئة والشحن والتفريغ"، كما حشدتهم في التفويض الذي بمقتضاه ارتكب السيسي جرائم الإبادة الجماعية في "رابعة" و"النهضة" و"رمسيس" وغيرها من مذابح ضد معتصمين ومتظاهرين سلميين!
ولم يكن ما جرى مبرراً للانتقام، أو التهجم على البابا، والهجوم على المسيحيين، حتى عندما قام بعمليات "الشحن والتعبئة والتفريغ" في السنوات الماضية عند حضور السيسي للولايات المتحدة، لكن الأمر في هذه المرة زاد عن حده فانقلب إلى ضده، لأن المحتفى به فقد الحماس له حتى داخل معسكره الذي تهدم، وفي ظل الفقر والغلاء بدا البابا ورعاياه لا يشغلهم ما يشغل
المصريون، فيكفي أن يصدر قانون بناء الكنائس ليعتبروا هذا هو كل المراد، فقد أخذهم البابا بعيداً عن الوطن ومشكلاته والتحديات التي يواجهها ليصورهم على أنهم مجرد جالية في مصر!
وكما قال الناشط القبطي "أكرم بقطر" تعليقاً على هذا المشهد البائس "أن الكنيسة تحافظ على الدكتاتور والفاسدين من أجل مصالح قياداتها، وأن زعماء أقباط المهجر لديهم ضوءا أخضرا من بني صهيون من أجل البدء في مخطط تقسيم مصر"!
ومن هنا، فإن "أكرم بقطر" يكون قد أزال أسباب الدهشة، والبابا يأخذ المسيحيين بعيداً، باستفزاز الأغلبية المسلمة، ومن خلال تزوير العلم المصري بنزع النسر ووضع الصليب مكانه، على النحو الذي ظهر في بعض الأعلام التي رفعت في حشد استقبال السيسي في نيويورك!
الاحتشاد هنا إذن ليس ضد الإخوان المسلمين أو الإسلاميين بشكل عام، لكنه استفزاز للمصريين جميعاً، مع أن دعوة النشطاء المسيحيين لإلغاء خانة الديانة في المحررات الرسمية كدليل على إلغاء التمييز لا تزال قائمة، فكيف يتسق هذا مع مشهد رفع الصليب لاستقبال من يرونه رئيساً لمصر كلها، وأن كرامة مصر تتمثل في حسن استقباله؟
إنها الطائفية التي يتبناها رأس الكنيسة الأرثوذكسية، ولم تعد كما وصفها الأب متى المسكين من قبل يقوم بها رعاع المسيحيين ورعاع المسلمين.
إلى عقلاء المسيحيين بلغوا "أبوكم" أنه يقود البلاد إلى الفتنة.