نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلتها إيزابيل كريشنر، تشير فيه إلى
مقابلة نادرة سجلت مع رئيس الوزراء
الإسرائيلي ديفيد
بن غوريون قبل خمسين عاما، تحدث فيها لست ساعات عن بناء الدولة، وأنبياء التوراة، وآلام الظهر التي كان يعاني منها، واهتمامه بالبوذية، بالإضافة إلى أمن دولة إسرائيل، لافتة إلى أن عمره كان في ذلك الوقت 82 عاما، وقد غادر مكتب رئاسة الوزراء منذ خمسة أعوام.
وتقول كريشنر: "كان ذلك في نيسان/ أبريل عام 1968، حيث تم التخلي عن (الرجل العجوز)، كما كان يعرف بن غوريون في معظم حياته، وتوفيت زوجته باولا، التي كرست حياتها له في كانون الثاني/ يناير، تاركة إياه في عزلة شبة تامة في بيت تقاعده في سدي بوكير، القرية التعاونية في صحراء النقب".
وقال بن غوريون في المقابلة: "أهم شيء تعلمته هو أني تعلمت العيش هنا"، وأضاف: "أردت العيش في مكان أعرف أنني وأصدقائي قد صنعنا كل شيء فيه بأيدينا".
وتذكر الصحيفة أن بن غوريون جلس كل يومين ساعتين، وعلى مدار ثلاثة أيام، وتحدث باللغة الإنجليزية، ولبس زيا عاديا مناسبا لأيام البرد، وعندما قال الصحافي الذي قابله إنه جاهز لإنهاء المقابلة، احتج بن غوريون قائلا إنه بقيت عشر دقائق لنهاية الحديث.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه لم يتم عرض الشريط الصامت والصوت المرافق له، وقبع لسنوات في أرشيف منفصل، وتم أخذ لقطات من المقابلة، وشكلت الأساس لفيلم وثائقي عن حياة الزعيم الصهيوني "بن غوريون، خاتمة"، وفيه تم تقديم صورة مقارنة وذاتية عن حياته وعمله، لافتا إلى أنه عندما سئل عما إذا كان يخشى على بلده، قال: "طبعا، شعرت بالخوف دائما، وليس الآن"، وبعد عشرين عاما من إعلان الدولة، قال: "الدولة لم توجد بعد، هي بدأت فقط".
وتقول الكاتبة إن الفيلم ضم عددا من المقابلات مع عدد من القادة الأجانب، ولقطات احتفالات، وخطابات في الكنيست، واصفة إياه بأنه "قصيدة حزينة" لجيل غاب من القادة، الذين تعاملوا مع البساطة كونها قيمة، رغم أنهم طمحوا لتحقيق أهداف عملاقة.
وتنقل الصحيفة عن مخرج ومنتج الفيلم ياريف موزير، قوله: "هناك غياب في القيادة التي تحمل هذه القيم والرؤية"، مشيرة إلى أن الفيلم عرض الشهر الماضي في مهرجان القدس للفيلم، الذي قام في جزء منه على كتاب ألفه أفي شيلون، ويعكس كما يقول موزير "اهتمام الشبان الإسرائيليين بالعودة إلى تاريخنا وماضينا؛ من أجل البحث عن أجوبة لليوم والمستقبل".
ويجد التقرير أن كلام بن غوريون، الذي يمزج ما بين البراغماتية والفلسفة، يصل إلى حد النبوءة، حيث يصف النبي إرميا مثلا بأنه الأعظم؛ "لأن لدي شعورا بأن ما قاله صحيح، حيث إنه فهم السياسة أكثر من أي ملك، لكنه لم يكن يحظى بشعبية".
وتورد كريشنر أن كلا من موزير وشيلون أشارا إلى أن السلام عند بن غوريون كان يعني إعادة المناطق التي احلتها إسرائيل عام 1967، باستثناء مرتفعات الجولان، والقدس، ومدينة الخليل، وكان يقول إن إسرائيل لها الحق في
فلسطين كلها، لكنه لم يجد تناقضا في التنازل عن بعضها، بحسب ما يقول الكاتبان.
وتنقل الصحيفة عن شيلون قوله إن بن غوريون كان يرى أهمية "في العيش بسلام مع جيراننا في الشرق الأوسط"، وكان يقول: "تستطيع الانتصار في العديد من الحروب، ويخسر العرب الكثير منها، لكن إسرائيل لا تستطيع تحمل هزيمة واحدة، وهذه الهزيمة تعني نهاية إسرائيل"، وقال شيلون إن "مشكلة بن غوريون هي توقف الناس عن الاستماع إليه".
ويلفت التقرير إلى أن موزير ومحررة الفيلم والمنتجة المشاركة له يائيل بيرلوف، عثرا على المقابلات الضائعة لبن غوريون بالصدفة، في أرشيف ستيفن سبيلبيرغ للفيلم اليهودي في القدس، حيث إنه في أثناء ترميم فيلم أعده ديفيد بيرلوف، والد يائيل، عن بن غوريون، عثرا على فيلم صامت، وبعد ستة أشهر عثرا على الصوت المرافق له في أرشيف بن غوريون في النقب، وتم إجراء المقابلة لتكون خلفية لفيلم بيرلوف.
وتبين الكاتبة أن رئيس الوزراء السابق اختار الشخص الذي قابله، وهو كلينتون بيلي، الذي كان قد هاجر قريبا من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وكانت زوجته باولا قد دعت بيلي لتناول الشاي عندما كان يتجول قرب بيتهما في تل أبيب، مشيرة إلى أن بن غوريون ساعد بيلي في الحصول على وظيفة للتدريس في الأكاديمية التي أنشأها في سدي بوكير، وكان بيلي يرافق السياسي العجوز في تجوله حول المستوطنة.
وتنوه الصحيفة إلى أن بيلي أصبح باحثا مهما في الثقافة البدوية، ونسي المقابلة التي أجراها عام 1968 مع بن غوريون، وعلق بيلي على بساطة الحياة التي كان يعيشها بن غوريون، قائلا إن الأخير لم يكن يرغب بمزايا السلطة، لافتة إلى أن الكوخ الذي عاش فيه بن غوريون بقي على حاله، بناء على وصيته، حيث يزوره بعض الإسرائيليين والسياح الأجانب، وعاش الرجل الذي أعلن ولادة إسرائيل في القرية التعاونية مثل أي شخص، وكان يتناول الغداء في الغرفة الضيقة المخصصة للطعام.
وبحسب التقرير، فإن بن غوريون قال في المقابلة: "في الكيبوتز أخبرتهم أن اسمي ديفيد، وليس بن غوريون، وفي كل صباح كنت أحضر لمعرفة ما الذي يجب على ديفيد عمله، وذهبت للعمل، وهذا ما قاله أنبياؤنا، وهو أن نكون مثالا لشعبنا"، ويقول سكان الكبيوتز إنهم طلبوا منه القيام بمهام سهلة، مثل قياس هطول الأمطار.
وتفيد كريشنر بأن بن غوريون مات عام 1973، ودفن في قبر بسيط، قرب قبر زوجته باولا، على حافة الصحراء، واشترط في وصيته ألا يتم تأبينه بكلمات أو إطلاق الرصاص، ويحمل شاهد قبره اسمه، وتاريخ ولادته، وتاريخ وفاته، والتاريخ الذي هاجر فيه إلى فلسطين.
وتجد الصحيفة أن الاستيطان في النقب كان مهما للدولة الفتية، ومكانا جيدا للترويج لمثله، حيث يقول بن غوريون: "أردنا صناعة حياة جديدة مختلفة عن الحياة الموجودة"، وقال: "أعتقد أن لنا حقا في هذا البلد، ولم نأخذه من الآخرين، لكننا أعدنا خلقه"، مشيرة إلى أنه اتخذ قرارات قاسية، منها منع عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا أراضيهم بعد حرب عام 1948، وفرض الحكم العسكري على الفلسطينيين الذين بقوا في قراهم.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن بن غوريون كان يعتقد أن مهمة الدولة هي تحقيق المفهوم التوراتي "أم سيغولا"، أو الدولة النموذجية، التي تحمل القيم العليا التي يحفظها ويعزها الرب، وسئل عام 1968 عما إذا كانت إسرائيل تقوم بهذه المهمة، فأجاب قائلا: "ليس بعد".