روايات أشبه بالأساطير تحاك في منطقة حنينا، أحد أحياء مدينة
إربد الفقيرة في الأردن، حول شخصية قاضي
تنظيم الدولة في الموصل، الأردني عمر مهدي زيدان المكنى بأبي المنذر، الذي بايع تنظيم الدولة وتسلل إلى الرقة بعد اجتياز الحدود الأردنية السورية عام 2014، ومنها توجه إلى العراق.
يكشف مقربون من زيدان جزءا من نفوذه وسيطرته على المجتمع المحيط به في إربد (شمال)، وكيف طبق قانونا خاصا به على قاعدة "القصاص" من ذوي أصحاب الأسبقيات من خلال "محاكم شرعية" كان يقيمها على العلن دون تدخل رسمي.
يروي أحد سكان الحي لـ"
عربي21" كيف لجأ أحد المواطنين لــ"الشيخ زيدان" قبل سنوات للاقتصاص من أحد أرباب السوابق قام بالاعتداء عليه، لينزل "حكم" زيدان بأن "يُجبر المعتدي على الصلاة سبعة أيام متتالية في مسجد معين، وإلا سيعزر أمام العلن".
قصص أخرى تُروى في السياق نفسه من قبل سكان الحي لرجل "إشكالي" سبّب أزمة و"فتنة" داخل
التيار السلفي الجهادي في الأردن، قبل أن يختفي عن الأنظار، ويظهر بعد ذلك في شريط فيديو وهو يخطب بعشائر عراقية عام 2015 في نينوى لحثها على مبايعة تنظيم الدولة.
ينتمي زيدان (46 عاما)، الذي عمل سابقا في تجارة الدواجن، لعائلة سلفية جهادية بامتياز، فقد قضى شقيقه محمود مهدي زيدان المسؤول الشرعي السابق في حركة طالبان بغارة أمريكية في باكستان عام 2009، بينما فجر ابن شقيقه حمزة جهاد زيدان نفسه في عملية انتحارية استهدفت قوات البيشمركة الكردية في كركوك عام 2015.
سلفي مقرب من زيدان
ويكشف قيادي في التيار السلفي الجهادي الأردني في حديث لـ"
عربي21" جزءا من شخصية زيدان "الإشكالية"؛ التي تسببت بـ"شق" صف التيار في فترة شكّل فيها الجهاديون حراكا نفّذ مسيرات في محافظات أردنية، للمطالبة بـ"إطلاق سراح المعتقلين وتحكيم شرع الله" إبان مظاهرات الربيع العربي، الأمر الذي دفع زيدان لإصدار فتوى "كفّر" فيها المشاركين في المسيرات، حسب ما يقول القيادي السلفي الذي فضل عدم ذكر اسمه.
ويحمّل القيادي، الذي واكب زيدان وهو على مقاعد الدراسة، مسؤولية "الفتنة وشق الفريق إلى فريقين" لزيدان، واصفا شخصيته بـ"المتلونة والمتقلبة".
ويقول لـ"
عربي21": "التغيرات في شخصية زيدان بدأت بعد انعقاد المسيرات التي نظمها التيار السلفي الجهادي في الأردن، إذ كان زيدان في البداية من المؤيدين للمسيرات، ويتحدث في شرعيتها وعدم حرمتها، بل كان يوزع شخصيا على المشاركين؛ فتوى لأبي قتادة بشرعية المسيرات".
وأضاف: "بعد ثالث اعتصام، أصدر زيدان فتوى شهيرة كانت أصل الفتنة، ونصت على حرمة الاعتصامات، وتطاول بعض الإخوة، وقالوا إن هذا الفعل هو فعل مكفر، ليحدث الشرخ وينقسم التيار بين مؤيد ومعارض".
ويفسّر القيادي في التيار سبب إصدار زيدان للفتوى "كي لا يحاسب من السلطات". ويقول: "كي لا يدفع ثمن خروجه من قبل الحكومة، عمر زيدان منذ أن عرفته لم يقم بأي عمل يُحسب عليه أو تحاسبه عليه الدولة الأردنية، فقد كان يقف ضد أي عمل يقيمه التيار، وبعدها بدأت المشاكل بين أعضاء التيار، ثم سُجن الطحاوي ومن قام باعتصام الزرقاء، وبقي زيدان في الساحة لوحده".
لم يخفِ زيدان ميوله لتنظيم الدولة على حساب جبهة النصرة، وعبر عن ذلك مرارا في مدونة خاصة على الإنترنت حملت اسم "جرير الحسني"؛ أفرد فيها مساحات لمهاجمة كل من منظر التيار السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي، وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
ويقول القيادي ذاته: "زيدان لم يكن صاحب علم يقارن بالمقدسي وأبي قتادة، فقد كان طالبا للعلم كأي فرد في التيار".
سلفيو إربد
من جهته، يؤكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن "أغلب أعضاء التيار السلفي الجهادي بمدينة إربد كانوا ينحازون لتنظيم الدولة، وعندما برز الخلاف بين القاعدة والتنظيم كان زيدان قريبا من الدولة الإسلامية، ليصبح فيما بعد جزءا من النظام القضائي والشرعي للتنظيم في الموصل".
وحول ما يحاك عن زيدان من روايات في حيه، يقول أبو هنية لـ"
عربي21": "هذه الأساطير حيكت بعدما التحق بتنظيم الدولة، وأصبح هنالك نوع من المبالغة".
وأضاف: "عمر مهدي في الأردن معروف، لكنه ليس من الصف الأول، وكان دائما رجلا خلافيا وإشكاليا داخل السلفيين
الجهاديين، وكان دائما لديه خلافات في الأولويات، إذ انتقد المقدسي وأبي قتادة، وحتى الظواهري".
كما يؤكد القيادي في التيار السلفي من جهته؛ أن "زيدان كان يقيم محاكم شرعية في إربد ضمن صفوف التيار"، لكنه "لم يسمع بقيامه بتأديب أرباب السوابق".
لماذا حي حنينا؟
ويعتبر حي حنينا في إربد من أكثر أحياء الأردن التي خرجت جهاديين ومنظرين، أبرزهم أبو محمد الطحاوي.
ويرجع أبو هنية ذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، من أبرزها "حالة البؤس والفقر، والشعور بالتهميش، كما لعبت القضية الفلسطينية دورا كبيرا في توجهات الناس، خصوصا في عصر التسعينيات، إذ دخلت إربد بقوة على خط التيار السلفي الجهادي".
وكانت دراسة سابقة للباحث مراد بطل الشيشاني حول السلفية الجهادية في الأردن؛ قد بيّنت أن مدينة الزرقاء حافظت دوما على كونها المستودع الأساسي للتيار السلفي الجهادي، بينما كانت مدينة السلط موئلا قويا للتيار، إلا أن حرب العراق عام 2003 فرضت واقعا جغرافيا بتوجيه الأنظار إلى شمال المملكة، وتحديدا إربد، التي كانت مدخلا إلى سوريا. وقد تعمق هذا البُعد الجغرافي مع الأزمة السورية.