كتاب عربي 21

"القره بوللي" ومؤشرات ارتباك المجلس الرئاسي

1300x600
التبرم والشكوى من ضعف أداء المجلس الرئاسي تحول من لسان مقال المتحفظين على اتفاق الصخيرات إلى المؤيدين للاتفاق السياسي والداعمين للمجلس الرئاسي. وكيف لا يقع التبرم والمجلس الرئاسي المشكل لغرض التوافق يفتقد التوافق ويقع بين أعضائه ما لا يقع بين الخصوم خارج دوائر التوافق. وما قيمة جسم رئاسي إذا لم يتوافق أعضاؤه ويتفقون على رؤية واستراتيجية واضحة وفاعلة، والحال أنه سيكون عبء جديد إذا استمر هذا الخلاف بين أعضائه وبالشكل المعيب الذي نراه.

انطلقت عملية تحرير سرت من تنظيم الدولة بمبادرة من مقاتلي مدينة مصراتة بعد أن ضربها التنظيم ضربات موجعة، غير أن المجلس لم ينجح في تبني العملية ودعمها بالشكل الذي يجعل منها حربا وطنية، حيث إن تنظيم الدولة في سرت لا يكاد يختلف على إرهابه اثنان. ومع النجاح العسكري الذي تحقق والذي قُرِن بخسائر في الأرواح، إلا أن الجميع يدرك أنها إلى اليوم حرب مصراتة مدعومة من مقاتلين من بعض المدن، وليست مسؤولية المجلس الرئاسي أو حكومة الوفاق الوطني، واستمرار هذا الوضع لابد وأنه سيرتب تحديات إضافية أمام الانتقال والاستقرار سواء انتصرت مصراتة أو اكتفت بما تحقق من ضربة قاسمة للتنظيم وقررت الانسحاب.

الحادثة المؤلمة في "القره بوللي" الأيام الماضية والتي أدت إلى سقوط نحو 50 قتيلا والتي ارتبطت باحتقان ومواجهة بين مجموعات مسلحة غير مسؤولة تنتسب لمصراتة وبين شباب المدينة كانت بمثابة مؤشر إضافي على ضعف المجلس الرئاسي وارتباكه في التعاطي مع الشأن العام والأحداث الكبيرة. فبرغم عِظم المصاب وفداحة الحادثة إلا أنه وحتى يوم الخميس لم يقم المجلس الرئاسي وحكومته بما هو مطلوب لمواساة المدينة والسعي للتخفيف من الأزمة والاحتقان الدائر.

ربما يكون السبب وراء عدم التفاعل الإيجابي والسريع مع الحادثة المؤلمة هو العجز والارتباك الناشئ عن الخلافات داخل المجلس الرئاسي والتي عبرت عنها البيانات الفردية لأعضاء المجلس والتي تتصادم في دوافعها واتجاهاتها. وربما يكون الخوف من غضبة سكان المدينة واحتمال وقوع ردة فعل قاسية في حال وفد إليها أحد أعضاء المجلس أو الحكومة. 

وسواء كان السبب هو ما ذكرناه أو غيره من الأسباب، فإن النتيجة أن المجلس يشهد حالة عجز قريب جدا من الشلل، وأن هذه الحوادث تمثل اختبارات للمجلس ولحكومته، وكل إخفاق في اختبار هو إيذان بقرب صدور شهادة وفاته واستعداد الرأي العام لأي بديل بأي طريق كان.

إخفاق المجلس الرئاسي وحكومته في أن يكون قائد المرحلة والبلسم لجراح وهموم المواطنين الذين تطحنهم الضغوط الاقتصادية والأمنية إنما يمهد لفراغ حتى مع وجود أعضاء المجلس في طرابلس، ولأن المجلس تأخر في تفعيل الحكومة، ولم يفعِّل أدواته الاقتصادية بشكل إيجابي، ولم يتقدم خطوات ملموسة على صعيد الترتيبات الأمنية بالشكل الذي يُشعر الرأي العام الداخلي والأطراف الخارجية أنه أهل للدعم والتأييد المطلوب لتذليل الصعاب التي تواجهه، فإنه بذلك سيفقد ثقة الاثنين ويفسح المجال لبدائل توافقية أو حتى مفروضة من خارج دوائر التوافق، مما يعني أن الأزمة الطاحنة ليست باتجاه الحل بل هي في اتجاهها إلى مزيد من التأزيم.

برغم ما سبق ذكره نؤكد أن الوقت ليس متأخرا، والقطار لم يغادر محطة الرئاسي وحكومته بعد، والمطلوب هو اتفاق على جملة من القرارات الحيوية المتعلقة بترتيب الوضع الأمني ومعالجة المختنق الاقتصادي والمالي، فإذا وقع التوافق وتم التحرك بقوة على المسارين الأمني والاقتصادي فإن أي مستوى من الانتعاش سيقابل بارتياح وتعاون من قبل الرأي العام ليكون ذلك بمثابة ضمانة لمنع أي عراقيل أو شد للخلف، وسيكون الرأي العام في مستوى التحدي. أما إذا استمر العجز واستمرت خلافات أعضاء المجلس التي هي أشبه بعبث الأطفال فإني أتوقع تطورات سريعة قد تطيل من عمر الأزمة وتضيع الفرصة لتحقيق التوافق.