ملفات وتقارير

هل المجاهرة بالإفطار حرية شخصية لا عقوبة عليها؟

المقاصدي المغربي أحمد الريسوني أبدى عدم موافقته على عقوبة الإفطار العلني في رمضان المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي- (أرشيفية) الأناضول
هل من حق السلطة في الإسلام معاقبة المجاهر بالإفطار في نهار رمضان على إفطاره؟ جوابا عن هذا السؤال، غرد قبل يومين عبر حسابه على "تويتر" الأكاديمي الموريتاني، المتخصص في تاريخ الأديان، محمد مختار الشنقيطي نافيا أن يكون من حق السلطة "معاقبة المفطر أو البحث في عذره".

ونقل الشنقيطي عن أستاذ علم أصول الفقه ومقاصد الشريعة في الجامعات المغربية، أحمد الريسوني "أنه لا يوافق على عقوبة (الإفطار العلني في رمضان) المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي"، وأن رأيه مطابق لرأيه.

وكان الريسوني عبر مشاركته في ندوة عقدت في الدوحة أواخر الشهر الماضي (20 آيار/ مايو)، ذكر قاعدة عند المالكية تقول: "الحاكم لا مدخل له في العبادات"، بمعنى "أن الحاكم لا حق له في استعمال الإكراه في الشعائر" بحسب الشنقيطي. 

وردا على سؤال "عربي21" حول المستند الفقهي لرأيه، قال الشنقيطي إن "معاقبة الناس على الأكل أو الشرب علنا في رمضان لا أصل له في نصوص الوحي، ولا سابقة له في دولة النبوة أو الراشدين".

وأضاف الشنقيطي: "قد رأينا في بعض التطبيقات الشوهاء للشريعة في العصر الحديث دولا ترغم الناس على إغلاق متاجرهم في أوقات الصلاة، أو تمنعهم من الأكل في مكان عام أثناء رمضان، أو غير ذلك من تطبيقات لا أصل لها في نصوص الشرع، أو التجربة النبوية والراشدية".

واعتبر الشنقيطي تدخل السلطة في تلك المجالات "تعديا من السلطة على حريات الناس، والأسوأ من ذلك أنها تخريب للضمير الخلقي، الذي من شأنه إشاعة النفاق في المجتمع، وتكثير حالات المراءاة في الدين".

وأوضح الشنقيطي أن رأيه في هذه المسألة خارج من رحم قضية كلية تقول إن "التدين من غير حرية عبودية للعباد، وليس عبادة لرب العباد، والتدين الحق هو النابع من الضمير بإخلاص للخالق، ومن غير ضغط أو إكراه من الخلق (فاعبد الله مخلصا له الدين.. ألا لله الدين الخالص).

وانتقد الشنقيطي سلوك بعض الحكومات "التي تتدخل في خصوصية حياة الناس باسم الدين في أمور تركها الإسلام لضمير الفرد، مثل العقائد والعبادات والسلوك الشخصي الذي لا يضر الآخرين، بينما تهمل تلك الحكومات ما أوجبه الإسلام عليها من رعاية مصالح الرعية، والعدل بينهم وعدم الاستئثار أو الإيثار في المناصب والأموال".

وطبقا للشنقيطي فإن "هذا النمط من القيادات المعوجة في التفكير والممارسة يصدق عليها قول النبي عليه الصلاة والسلام (سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده)".

الحاكم يتدخل فيما له علاقة بالشأن العام

من جانبه رأى أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة العلوم الإسلامية الأردنية، وليد الشاويش أن القول بعدم تدخل الحاكم في العبادات لا يصح على إطلاقه، إذ له أن يتدخل فيما له علاقة بالشأن العام من العبادات.

ولفت الشاويش إلى ضرورة التفريق بين المفطر المستتر، والمفطر المجاهر بمعصيته، لأن المجاهرة بالمعصية، كالفطر في رمضان تجعلها كبيرة، وهي من التحدي للشرع، والدعوة لتغيير مفاهيم المجتمع بنشر المعصية والدعوة إليها.

واعترض الشاويش في حديثه لـ"عربي21" على من يرى أن "المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان حرية شخصية"، متسائلا: "كيف تكون حرية شخصية وهي تتعارض مع أحكام الشريعة الثابتة، وتصادم قيم المجتمع الراسخة، وتتعدى على أعرافه وتقاليده المتوافقة مع الشريعة؟".

وبيانا للمسوغات الفقهية لعقوبة المجاهر بالإفطار في نهار رمضان، أوضح الشاويش أن هذا يندرج تحت السياسة الشرعية المبنية على تقدير المصالح والمفاسد، فللحاكم أن يعاقب تعزيرا من يتعدى على الشعائر الإسلامية العامة، ويؤذي المسلمين المعظمين لحرمة شهر رمضان بمجاهرته بالإفطار في نهاره.

وتساءل الشاويش: "من يأمن ألا يقع الاعتداء على المجاهر من أهل الحمية في المجتمعات الإسلامية وهم يرونه يجاهر بمعصيته، ويؤذي مشاعرهم الإيمانية؟ لكن إذا تولى الحاكم عقوبة من يفعل ذلك فإن الأمر يكون منضبطا، ولا يقدم على تنفيذ العقوبة حينئذ إلا الجهات المختصة في الدولة".
   
وتعليقا على رأي الشنقيطي، وما نقله عن الريسوني، أشار الشاويش إلى احترامه وتقديره لهما، خاصة الريسوني لأنه صاحب قامة كبيرة في الفقه الإسلامي وأصوله، لكنه حينما يعارضهما أو ينتقدهما في رأيهما، فإنه ينطلق من أصول الاستدلال، ومعايير الاجتهاد، وتطبيقات السياسة الشرعية، وهي معايير تنطبق على الأئمة وسائر المجتهدين والباحثين.

مجتمعاتنا إسلامية حرياتها مقيدة بالشريعة

في السياق ذاته أكد الباحث الشرعي الأردني، سعيد فودة، أن فرض عقوبة على المجاهر من المنصوص عليه عند الفقهاء، وهي عقوبة تعزيرية يُترك تقديرها للحاكم بحسب الحالة. 

وناقش فودة رأي الشنقيطي الذي يعتبر المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان حرية شخصية، ولا عقوبة عليها البتة، بضرورة سؤال الشنقيطي عن رأيه في مجتمعاتنا: "هل هي مجتمعات إسلامية أم ليست كذلك؟ فإن كان يراها إسلامية فعلى من يعيش فيها أن يحترم شرائعها وشعائرها، وأن لايؤذي مشاعر أبنائها بالتعدي على حرمات شعائرها، ولا يصح تسويغ أي شيء من ذلك باسم الحرية الشخصية".

ورأى فودة أن عدم معاقبة المجاهر بالإفطار في نهار رمضان يكون سائغا في المجتمعات غير الإسلامية، لأن العرف العام هناك ليس إسلاميا، وحكوماتهم لا ترعى هذا النمط من الشعائر التعبدية، فيسوغ حينئذ القول بسقوط عقوبة المجاهر بالمعاصي، ومنها المجاهرة بالإفطار في رمضان. 

وتساءل فودة: "أليس من مقاصد الشريعة حفظ الشعائر الدينية وتعظيمها في المجتمعات الإسلامية؟ فإذا سعينا لترسيخ الرأي القائل بأن المجاهرة بالمعاصي من الحريات الشخصية ألا نكون بذلك قد جرأنا المسلمين على تحقير تلك الشعائر وازدرائها؟".
 
يذكر أن وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية "قامت بتوجيه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة، لرصد حالات المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، وإحالتهم لجهات التحقيق حتى تصدر بحقهم أحكام شرعية تتناسب مع المخالفة التي ارتكبوها"، والتي تتراوح غالبا بين الجلد والسجن أو العقوبتين معا.