بعد قرار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في
مصر؛ بإنشاء "الشبكة القومية للطرق"، بمجموع أطوال تصل إلى أكثر من 3 آلاف كيلومتر، يظهر قرار آخر بتخصيص
الأراضي الصحراوية بعمق كيلومترين على جانبي 21 طريقا جديدا يتم إنشاؤها وإصلاحها حاليا، لصالح وزارة الدفاع، على أن تعتبر هذه المناطق مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها لأحد غير
الجيش، ما يعني امتلاكه أراضي بلا ثمن، وفق محللين ومراقبين.
ويأتي هذا القرار بينما يشهد تنفيذ مشروع الطرق تأخرا، حيث كان السيسي قد وعد بافتتاحه في آب/ أغسطس من العام الماضي.
شماعة الأمن القومي
وعلق مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، السفير إبراهيم يسري، على قرار التخصيص بالقول: "القوات المسلحة برئاسة السيسي استحوذت على كل ما يمكن الاستحواذ عليه، ومن ثم يعاد بيع تلك الأراضي للمواطنين في صورة مشروعات ومنافع ومنشآت، وهو ما يبرر إصرار النظام على إنجاز الشبكة القومية للطرق".
وبينما أشار يسري، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن نظام السيسي "ترك حقول الغاز لإسرائيل وقبرص، وترك مياه النيل لإثيوبيا، وتنازل عن جزر مصرية للسعودية"، تساءل: "لماذا لا يخصص أراضي للجيش لدفع معاشات ومكافآت للجيش والشرطة والقضاء؟"، مضيفا: "لكن عند الحديث عن الشعب يخاطبه: أجيبلكم منين".
وأكد السفير يسري أن "الجيش بعد حرب 1973 انتقل إلى مرحلة
الاستثمار والجهد الاقتصادي؛ لتحقيق مكاسب بعيدا عن رقابة الدولة، من خلال قرارات فوق الدستور والقانون"، واصفا كل ما يروج له النظام من أن الهدف من التخصيص هو حماية الطرق، ولاعتبارات أمنية، بأنها "أسباب واهية، تحت شماعة اعتبارات الأمن القومي".
دولة داخل دولة
من جهته، توقع المحلل السياسي، سيد أمين، أن تدر الأراضي على جانبي الطريق الإقليمي مبالغ طائلة للجيش، لا يمكن توقعها، ولا ينازعه عليها أحد، ومن حقه استثمارها كما يشاء، وتحويلها إلى أحد أكبر مصادر للدخل له في السنوات القادمة، تجعله دولة داخل دولة.
وقال لـ"
عربي21": "النظام حوّل القوات المسلحة إلى شركة استثمارية، ويبدو أنه أصبح توجها عاما للتوسع في تحقيق مكاسب اقتصادية، فبالأمس فقط تم تخصيص أرض بمساحة مليون وربع مليون متر مربع بجهة العين السخنة بمحافظة السويس لصالح القوات المسلحة".
وحذر أمين من أن تتحول القوات المسلحة إلى واحد من أكبر الإقطاعيين في مصر، في ظل استمرار سياسة التخصيص لكل أرض فضاء في مصر، قائلا: "هذا يحرف القوات المسلحة عن مسارها الطبيعي".
ورأى أمين أن "هذه القرارات ليست حماية للأراضي، بقدر ما هي للتحكم في ثروات الشعب"، معتبرا أنه لو كان حريصا عليها لجعلها مسؤولية الحكومة.
اعتبارات أمنية
على الجانب الآخر، نفى الخبير الاستراتيجي، اللواء محمد منير، ما تردد عن أن هذا القرار يعزز مكاسب الجيش الاقتصادية.
وقال لـ"
عربي21": "يجب الالتزام بالقوانين الخاصة بالتطوير الحضاري، أو إنشاء المدن، وكذلك بالقوانين الخاصة بحظر المباني أو إقامة منشآت في أماكن معينة، إما للنفع العام أو لأعمال تتعلق بالأمن القومي".
وأضاف: "هناك قوانين خاصة بتحديد حرم للطرق لا يجوز البناء عليها، أو حتى إقامة أشجار معمرة، حيث إنها تعيق الفتح الاستراتيجي للقوات المسلحة (خطوط إمداد وتنقل سريع)، وتهدف لمنع تعدي الأهالي عليها كما حدث على طرق كثير"، وفق قوله.
ورأى اللواء منير أن القرار يصب في صالح الدولة، وليس في صالح الجيش، "فهو يحمي الطرق ومقدرات الدولة، ويحقق مطالب التأمين والدفاع لمنع التعدي عليها بما يعيق التنمية، أو يهدد سلامة الدولة، خاصة وأن الطريق الإقليمي سيكون بمثابة الشريان للدولة".
الأقدر على استثمارها
بدوره، قال وكيل اللجنة الاقتصادية السابق بمجلس الشعب، عبد الرحمن بركة، إن الجيش هو الجهة الوحيدة القادرة على حفظ حرم الشبكة الإقليمية للطرق من التعدي والاتجار بها.
وأضاف لـ"
عربي21": "إن الهدف من القرار هو صيانة الطرق والحفاظ على حرم الطريق الإقليمي الذي أنفقت عليه الدولة المليارات، وتريد أن تقيم عليه مرافق ومشروعات، وهو ما تستطيع فعله القوات المسلحة بكل جدارة واقتدار، نظرا لخبراتها وإمكانياتها".
ولفت إلى أن "جوانب الطرق يتم الاستيلاء عليها بوضع اليد، ويُستولى عليها بدون وجه حق، وفي حالة التخصيص يقوم رجال الأعمال بتصقيعها (تركها حتى يرتفع ثمنها) وتغيير نشاطها ثم بيعها والتربح من ورائها"، مشيرا إلى أن "الجيش هو الأقدر على حمايتها واستثمارها أفضل من أي شخص أو شركة أخرى، لصالح الوطن والمواطنين"، وفق تعبيره.