عبر تاريخ طويل من النضال السياسي خاضت جماعة
الإخوان المسلمين مشوارا طويلا، فتارة تدخل إلى انتخابات البرلمان بمشاركة حزب اشتركي وتارة بمشاركة حزب ليبرالي وغير ذلك، حتى قدر الله لثورة يناير أن تكون وتعطي للشعب إرادته وحريته، وعندها قرر الإخوان أن يكون لهم حزب سياسي، وأن يصبح لهم دور رئيسي فاعل في الحياة السياسية في
مصر وفي المنافسة الحزبية على السلطة.
ولا جدال حول تواجد الإخوان في الحياة السياسية قبل الثورة، بل ومشاركتهم في النقابات والاتحادات والمحليات والبرلمان، لكن هناك جدال حول دخول الإخوان للحياة الحزبية. فهل أصبح الإخوان يؤمنون بالحياة الحزبية بالمخالفة لآراء المؤسس البنا الذي رفض الحياة الحزبية؟ أم أن هذه الحياة أصبحت جزءا رئيسا للمشاركة السياسية؟
ولكن يبدو أن الأمور كانت واضحة في أذهان قيادات الإخوان، عندما أعلنوا حزبهم
الحرية والعدالة، حيث أعلنوا من أول لحظة لإطلاق الحزب أنه حزب مستقل إداريا وماليا عن الجماعة.
وبالرغم من هذا الاعلان، إلا أن "الإخوان" لم تسمح لأعضائها بالمشاركة في الحياة الحزبية إلا من خلال الحرية والعدالة، وفي هذا مفارقة عجيبة. إذا كانت الممارسة الحزبية جائزة من خلال الحرية والعدالة، فلماذا تمنع الجماعة أفرادها من المشاركة في أحزاب أخرى، ولا سيما الأحزاب الإسلامية؟
ورغم تأكيد الجماعة في حينها على أن الحزب منفصل ماليا وإداريا عن الجماعة، وأنه حزب لكل المصريين، إلا أنني فوجئت بما نشره الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي منذ أيام حول عدم القبول بفكرة فصل العمل الحزبي عن العمل الدعوي، علما بأن الجماعة عند تأسيس الحزب وثقت لاستقلاله ماليا وإداريا عن الجماعة بما كتب في برنامج الحزب المنشور. فالحزب تأسس منفصلا عن الجماعة ماليا وإداريا لا شك في ذلك.
أما إن كان الدكتور محمد عبد الرحمن يقصد عدم قبوله بفصل الدعوي عن السياسي، فهذا لا باس به فللكثير من الجماعات والتيارات وجماعات الضغط آراؤها السياسية التي تتبناها وتدافع عنها وتدعم من يؤيدها، وأؤيده في ذلك لأن العمل السياسي جزء من فهم الإخوان للإسلام بشمول.
لكن العمل الحزبي والتنافس على الحكم والسعي للوصول إلى السلطة لم يكن من أدبيات الدعوات الإصلاحية، ولم تصرح به جماعة الإخوان في مناهجها ومبادئه.
لذلك فالفرق كبير بين تحقيق الثابت، وهو أن العمل الحزبي منفصل عن عمل الجماعة بإقرار الجماعة نفسها، والعمل السياسي بتبني مواقف أو دعم أو تأييد أو رفض لمواقف حسب توافقها مع منهج الإخوان.
لذلك أرى أن من مصلحة "الإخوان" المسلمين أن تظل منفصلة عن العمل الحزبي، ولا تنجر إلى الانخراط في العمل الحزبي، وأن تسمح لأفرادها والراغبين منهم في ممارسة العمل الحزبي بالعمل الحر بعيدا عن الجماعة وتنظيمها.
كما أن العمل الحزبي مقيد في إطار محدد بالسعي للحكم من خلال برنامج وآليات ينظمها القانون، بينما الممارسة السياسية أوسع بكثير من العمل الحزبي.
لذلك أدعو إلى عدم التفريط في قرارات سابقة باستقلال العمل الحزبي من خلال الحرية والعدالة عن الجماعة، وما المعنى لأن يكون حزب له رئاسته وأعضاؤه ثم لا يملكون الإدارة الحقيقية له، ولا يستطيعون اتخاذ تدابيرهم إلا بعد موافقة جهة أخرى وهي إدارة الجماعة؟ فلا معنى وقتها لإنشاء حزب ابتداء.
إن الشجاعة في المواقف تقتضي التحرر من قيود كثيرة، والوضوح في المواقف، حتى نتعلم من دروس الماضي لمستقبل أفضل.