لا تكاد تمر فترة زمنية قصيرة في قطاع
غزة، من غير إعلان الأجهزة الأمنية
الفلسطينية عن اكتشاف عميل أو محاكمة آخر، في حرب مستمرة على ظاهرة "الجاسوسية" لصالح الاحتلال
الإسرائيلي، والتي تكتمل بحسب مختصين بالعمل على تحسين الظروف الحياتية للمواطنين الفلسطينيين.
تعويض النقص
وترفض الأجهزة الأمنية الفلسطينية العاملة في غزة، الإفصاح عن العدد الحقيقي للعملاء الذين تم كشفهم خلال السنوات الماضية، حيث قبضت الشهر الماضي على "صياد عميل (37 عاما)، يعمل لصالح الاحتلال منذ 2010؛ تخصص في جلب الأموال والأدوات للعملاء من الاحتلال وزرعها بنقاط ميتة داخل البحر".
وأكد المختص في الشأن الإسرائيلي ناجي البطة، أن "العدو الإسرائيلي يعتمد سياسة الاختراق البشري وتجنيد العملاء؛ لأنهم متوجسون ولا يثقون بالآخرين، فوجودهم في منطقة معادية؛ يتطلب منهم بذل جهد مخابراتي قوي لإحباط أي عمل يستهدفهم من قبل المقاومة".
وأوضح لـ"
عربي21"، أن قلة عدد اليهود في العالم تدفع الاحتلال "لتجنيد الأمن لتعويض النقص في القوى البشرية؛ في الوقت الذي تعتبر فيه مشاريعهم وأهدافهم أكبر من تعدادهم عشرات المرات"، لافتا إلى أن الأمن؛ هو "جهد بسيط وأموال قليلة لإحباط أعمال كبيرة".
وأشار البطة إلى أن "التجسس مهنة قديمة لليهود؛ فهي كالهواء يتنفسونها، وكالدماء تسري في عروقهم؛ لتمنحهم الحياة"، موضحا أن لدى الاحتلال "أجهزة احترافية وقوية تعمل بصمت وغموض على مستوى العالم"، فهناك جهاز "الموساد" يعمل خارجيا، و"الشاباك" داخليا، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان".
حائط صد
ولفت إلى أن أجهزة الاحتلال تعمل بشكل دائم على "تحديث أدوات العمل لديها؛ بصنع جاسوس قادر على أن يكون رجل مخابرات يعمل لصالحه"، مؤكدا أن سعي الاحتلال في هذا الجانب "يسقط إذا رفعنا درجة الوعي، وعززنا المشاركة المجتمعية لكل أبناء المجتمع؛ ومنحنا كل إنسان الدور المناسب له؛ وهو عكس ما يجري حاليا".
ورأى المختص في الشأن الإسرائيلي، أن النزعات الداخلية العربية والفلسطينية، تسببت في "فقدان الفلسطيني والعربي قدرته على التمييز بين الصح والخطأ، وأسهم إهمال هذا الإنسان بأن يسقط في براثن العمالة"، داعيا إلى ضرورة العمل على "ترسيخ مفهوم التكافل الاجتماعي وتثقيف الناس بحقوقهم والعمل على زيادة وعيهم؛ وهو ما سيعمل على تكوين حائط صد لا يمكن للعدو أن يخترقه".
وأشاد البطة، بدور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة، وما تقوم به من "محاربة ظاهرة العمالة والحيلولة دون تمددها رغم إمكاناتها المتواضعة".
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، أن الاحتلال "يتجسس باستمرار؛ في حالة السلم والحرب، لأنه يدرك أن هناك عداء مستمرا بينه وبين الشعب الفلسطيني ومقاومته".
رصد المقاومة
وبين لـ"
عربي21"، أن الاحتلال "فقد بخروجه من القطاع عام 2005، القدرة على رصد تحركات المقاومة كما كان سابقا؛ من خلال تواجده في المستوطنات أو القواعد العسكرية المنتشرة في القطاع؛ لذا فقد أصبحت إسرائيل، بحاجة للعنصر البشري (العملاء) للاعتماد عليه في توفير المعلومات اللازمة، والتي لا توفرها وسائل التكنولوجيا الحديثة".
ورغم "تطوير إسرائيل منظومة إلكترونية، وطائرات بلا طيار لرصد ومتابعة نشاط المقاومة بغزة"، فقد لفت أبو سعدة أنها "لا تستغني عن العنصر البشري المهم لها".
وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن "حالة الفقر والبطالة والوضع الحياتي الكارثي في قطاع غزة؛ هي بعض العوامل التي تساعد الاحتلال في إسقاط بعض العملاء، خلال مرورهم عبر معبر "إيرز" (معبر بيت حانون الواقع شمال القطاع) للعلاج أو السفر، أو بعد اعتقال بعض الصيادين خلال عملهم في عرض البحر".
واتفق أبو سعدة مع البطة، على ضرورة أن تعمل حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، على "تحسين أوضاع الناس الحياتية"، مؤكدا أن "الاعتقال والسجن والإعدام في بعض الاحيان؛ لا يكفي لردع من تسول له نفسه التخابر مع الاحتلال".