يتواصل الصراع بين المنحازين للحرية الشخصية على الإنترنت، الرافضين لكشف أي معلومة شخصية عن الأفراد من جهة، وبين من يؤيد توجه حكومات الدول للحصول على معلومات خاصة عن الأفراد من شركات
التكنولوجيا العالمية، بدعوى الحرص على الأمن المجتمعي من المخاطر من جهة أخرى.
وكانت آخر حلقات مسلسل الصراع ما حدث في البرازيل، حين أصدر القاضي البرازيلي مارسيل مونتالفاو قرارا بتعليق استخدام رسائل تطبيق "واتس آب" الإلكتروني لمدة 72 ساعة، بسبب "فشل مالك التطبيق، شركة "فيسبوك"، في توفير معلومات طُلبت منه في تحقيق جنائي"، في وقت تحاول الشركة المراوغة ونفي وجود معلومات لديها.
لكن هل تساءلت يوما مالذي يعرفه "الواتس آب" عنك؟
تحاول شركات تطبيقات الدردشة الفورية والاتصالات المجانية، توصيل رسالة للمستخدم أنه ينعم بالخصوصية الكاملة، وأن الخدمة المجانية التي تقدمها له لا مقابل لها.
وقد قال الرئيس التنفيذي لشركة "واتس آب"، جان كوم، في تدوينة سابقة له إن "احترام الخصوصية يجري في دمنا، ونحن أنشأنا "واتس آب" على أساس أن تكون معرفتنا بك (كمستخدم) في أضيق الحدود".
وقد فسر جان كوم الأمر حينها بأن التطبيق لا يطلب سوى رقم الهاتف والإيميل الشخصي، دون التطرق إلى أي تفاصيل شخصية أخرى.
لكن للخبراء الأمنيين رأي آخر، حيث قال محقق في الجرائم الإلكترونية، وخبير في أمن المعلومات طلب عدم نشر اسمه إن مجرد حصول الشركة على رقم هاتفك يمكنها من الحصول على صلاحيات واسعة.
وأضاف في حواره مع "
عربي21" أنه من خلال رقم هاتفك "يستطيع التطبيق استخدام الميكروفون، والكاميرا، والدخول لجهات الاتصال ومعرفة المكالمات والرسائل الصادرة والواردة.. فما فائدة التشفير بعد كل هذا؟".
كما أن التطبيق "صاحب التاريخ الأسود في اختراق الخصوصيات"، كما يصفه نجار، يجمع "الميتا داتا" عن المستخدم، وهي المعلومات الشخصية "أين يذهبون.. ماذا يرغبون.. التطبيقات المستخدمة يوميا".
ماذا عن التشفير؟
ويوضح الخبير في أمن المعلومات أن "تشفير "الواتس آب" الجديد ما هو إلا مسرحية جديدة على ملايين المستخدمين للتطبيق، شركة ذات تاريخ أسود في استغلال معلومات المستخدمين لأغراض دعائية واستخباراتية ماذا تتوقعون منها؟".
ويضيف أنه عندما تم الإعلان عن أن "الواتس آب" تم تشفيره من النهاية إلى النهاية "E2EE"، لم يتم نشر تفاصيل طريقة تبادل مفاتيح التشفير وطولها ونوعها بل ما تم نشره هو ورقة تُظهر خوارزمية التشفير بشكل عام.
ويتابع: "الخطر الأدهم من كل هذا أن المستخدم عندما يود إرسال رسالة بعد التحديث الجديد فإن "واتس آب"، يقوم بإنشاء مفاتيح التشفير في خوادم "واتس آب" وليس على جهاز المستخدم! وهو أمر مريب جدا (وكأنكم تغلقون باب منزلكم بمفتاحكم الخاص وتقدمون نسخة عن المفتاح لجاركم ليفتح باب بيتكم كما يشاء)".
وكان مركز "بيو ريسيرش" للإنترنت في الولايات المتحدة، أشار في استطلاع خاص شمل 2500 من الخبراء من المركز الأمريكي بشأن الإنترنت وحماية الخصوصية أثناء استخدام الشبكة العالمية، أن مستقبل الخصوصية على الشبكة العالمية غامض جدا، ويجد رواد التقنية والمشرعون أمامهم مهاما صعبة وعقبات كثيرة لتأمين سبل لحماية خصوصية المستخدمين.
الاستطلاع استجوب المشاركين بشأن رأيهم إن كان خبراء الإنترنت والقانونيون قادرين عام 2025 على تطوير بنية تحتية للإنترنت، آمنة وموثوقة تضمن الابتكار والتطبيقات التجارية، وفي الوقت نفسه
حماية خصوصية المستخدمين.
ورآى 55 بالمائة من الخبراء المستطلعة آراؤهم أن تأسيس شبكة إنترنت بتلك المواصفات لن يحدث خلال الأعوام العشرة المقبلة، بينما اعتبرت البقية أن شبكة توفر المعايير الأساسية لحماية الخصوصية ربما تبصر النور خلال سنوات مقبلة.
الأمر لا يقتصر على التطبيقات فقط، فبحسب نجار، لو أن التطبيق كان آمنا تماما، فقد تكون هناك ثغرة في حاسوبك الشخصي، أو هاتفك الشخصي، أو حتى جهاز "الراوتر"، فضلا عن أن العديد من البرامج التي تفتح من خلالها تطبيقات الدردشة مثل "جوجل كروم"، أو حتى نظام أندرويد نفسه، يملكون بابا خلفيا يحتفظون بنسخة من محادثاتك.
ويختم نجار بتأكيده أنه لا توجد خصوصية تامة في الإنترنت، مهما اتخذت احتياطاتك.