"مصدر القوة في
السلطة الفلسطينية يكمن في أجهزتها الأمنية، ومن يتمتع من رؤساء هذه
الأجهزة بالقوة قد يكون المرشح الأوفر لخلافة الرئيس
محمود عباس"، هي نتيجة تقرير مطول، نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية تحت عنوان: "الموساد والشاباك والكوماندوز الفلسطيني".
وتناول التقرير، الحديث عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تم تشكيلها وفقا لاتفاق أوسلو الموقع عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وجرى عليها تعديلات وتحديثات كبيرة منذ تأسيسها حتى اليوم، وذلك وفقا لترجمة وكالة "معا".
ووزعت معدة التقرير، وهي مراسله الشؤون الفلسطينية "إليور ليفي" في الصحيفة، الأجهزة الفلسطينية وما يقابلها من أجهزة لدى الاحتلال، فجهاز "المخابرات الفلسطينية العامة" يقابله "الموساد" الإسرائيلي، وجهاز "الأمن الوقائي" يقابله جهاز "الشاباك"، حيث تتولى وحدة "الكوماندوز أو الوحدة المختارة" في الأمن الفلسطيني مهمة حماية الرئيس أبو مازن؛ وهو ما يعكس الدور المهم الذي تقوم به هذه الأجهزة في السلطة الفلسطينية.
ويؤكد التقرير أن الهدف من تشكيل هذه الأجهزة هو تأمين الحماية وفرض النظام في مناطق السلطة الفلسطينية، حيث كان من المقرر وفقا لهذه الاتفاقيات تشكيل ست أجهزة أمن مختلفة، ولكن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، شكل عددا مضاعفا من الأجهزة خوفا من تركيز القوة في يد عدد من الأشخاص، ووزع الأدوار على عدد أكبر ممن يدينون له بالولاء لبقاء سيطرته على كافة الأمور.
وتزعم ليفي، أن تغيرا طرأ على دور الأجهزة الفلسطينية، حيث شارك عدد من عناصرها في الانتفاضة الثانية، وكان لبعض قادة هذه الأجهزة دور في الاشتباكات المسلحة مع "إسرائيل"، .. هذا التغيير الذي أصاب الأجهزة الأمنية الفلسطينية وعدم قيامها بالدور الأمني المطلوب منها وفقا لاتفاقية أوسلو، دفع بـ"إسرائيل" لتدمير مقرات هذه الأجهزة؛ وهو ما تسبب بتراجع دورها في السيطرة على الشارع الفلسطيني، حتى وفاة أبي عمار.
وتضيف: "عندما تسلم أبو مازن قيادة السلطة، شهدت مرحلته إعادة بناء تلك الأجهزة من جديد، ومنذ عام 2005 بدأ الجنرال الأمريكي "كايت دايتون" ببناء هذه الأجهزة من جديد، وساهم في تغيير طبيعة عملها، ووضع أسسا للتنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، خاصة منذ عام 2007، العام الذي سيطرت فيه حركة "حماس" على قطاع غزة".
وحول، عدد أفراد تلك الأجهزة، وكم تبلغ ميزانيتها؟، لا توجد إجابة حقيقة، لكن التقديرات تشير إلى أن عدد أفرادها نحو 25 ألف، أما الموازنة الحقيقة لتلك الأجهزة فلا أرقام حقيقة؛ حيث يشير التقرير إلى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تعتمد على ما يقر لها من موازنة عبر وزارة المالية في الحكومة الفلسطينية؛ بل تتلقى دعما ماليا خاصا من مصادر مختلفة، مثل وكالات الاستخبارات الأجنبية (لم تذكرها)، حيث يلقي التقرير نظرة أكثر تفصيلية عن الأجهزة الحالية في السلطة الفلسطينية والتي يبلغ عددها اليوم ثماني أجهزة، وفيما يلي تعريف مختصر عنها:
جهاز المخابرات العامة
هو أحد الجهازين الأكثر معرفة بـ"إسرائيل"، شكل بعد اتفاقية أوسلو؛ من جهازي الأمن التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية "الأمن الموحد والأمن المركزي"، وترجع إليه مسؤولية تنفيذ المهام الأمنية خارج مناطق السلطة الفلسطينية، بما في ذلك التهديدات الأمنية لمكافحة التجسس، وتشبه طريقة عمله وبنائه جهاز "الموساد" الإسرائيلي.
ويعمل هذا الجهاز الذي يرأسه منذ عام 2009 وحتى اليوم اللواء ماجد فرج (54 عاما)، على إحباط "عمليات إرهابية (عمليات المقاومة الفلسطينية)" في الضفة الغربية، ومع أن القانون يسمح فقط لهذا الجهاز بالعمل في مناطق السلطة المصنفة "A"، فإن عناصره يعملون بشكل سري في مناطق الضفة الغربية التي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة بما فيها القدس المحتلة، وهذه العمليات تجري بسرية وسرعة كبيرة جدا بحيث يجري "خطف" المشتبه به (الفلسطيني) ونقله إلى مناطق "A" للتحقيق معه، وبسبب المخاطر المختلفة فإنه يوجد لهذا الجهاز مقرات سرية في شقق سكنية في مناطق السلطة، كما يمتلك سجنا في كل محافظة فلسطينية.
ويعتبر فرج؛ الشخصية الأكثر أهمية بين قيادة الأجهزة الأمنية، وهو الوحيد بينهم الذي يحتك بالسياسة، ما جعله الشخص الأكثر قربا للرئيس أبو مازن؛ وشارك في العملية السياسية، وكان ضمن الوفد المفاوض، ولم يتغيب عن أي لقاء في هذه المفاوضات والتي انتهت بالفشل عام 2014، وهو شخصية معروفة لكل اللاعبين الدوليين فيما يتعلق بعملية السلام؛ لكنه لا يجيد اللغة الإنجليزية، وهو ما قد يعطل سباقه للرئاسة الفلسطينية.
جهاز الأمن الوقائي
تقع على عاتقه، مسؤولية الحفاظ على الأمن الداخلي الفلسطيني، والكشف عن الجرائم قبل وقوعها، في الجانب الجنائي أو الأمني أو السياسي، وبطبيعة مهماته يشبه أو يقابله في الجانب الإسرائيلي جهاز "الشاباك"، ولكن طبيعة مهماته اليوم تشبه إلى حد كبير مهام جهاز المخابرات العامة، وعناصره يعملون بملابس مدنية كما هو الحال مع عناصر المخابرات العامة.
ينتمي مؤسسو هذا الجهاز وأغلب عناصره لحركة "فتح" في الضفة الغربية وقطاع غزة (سابقا)، ينشط في ملاحقة ورصد وتوقيف أنشطة حركتي "حماس والجهاد الإسلامي"، بهدف إضعافهما، حيث يعمل على زراعة –بحسب التقرير- عناصر له داخل تنظيم "حماس والجهاد الإسلامي"، ليس فقط في الضفة الغربية وإنما في قطاع غزة.
ويقوم هؤلاء العناصر بتزويد الجهاز بالمعلومات المختلفة عن نشاط الحركتين، كما أنه يمتلك أدوات تكنولوجية للتنصت على المكالمات الهاتفية وغيرها.
يرأس الجهاز اللواء المخضرم زياد هب الريح؛ وهو في أواخر الستينيات من العمر، وهو يفتقد للمهارات السياسية، لكنه مهني بالدرجة الأولى بحسب وصف المقربين منه، وبسبب المنافسة على التقرب من أبو مازن، يوجد توتر بينه وبين ماجد فرج.
جهاز الأمن الوطني
في الواقع هو الجيش الفلسطيني، وهو الأكبر من بين كافة الأجهزة، ومكون من تسع كتائب، دربت في الأكاديمية العسكرية في أريحا على يد خبراء في التدريب العسكري من إيطاليا وبريطانيا، ويوجد معسكر آخر في الأردن للأمن الوطني تحت إشراف الولايات المتحدة.
تتركز مهمة الأمن الوطني، الذي يرأسه اللواء نضال أبو دخان (48 عاما) وفرصته في خلافة عباس تكاد تكون "معجزة"، في تقديم الدعم والإسناد (الاعتقال والحملة المختلفة) لباقي الأجهزة الأمنية الأخرى عند الحاجة، وعندما لا تستطيع هذه الأجهزة تنفيذ بعض المهمات، ويشبه الدور الذي يقوم به ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في عمليات الاعتقال التي ينفذها "الشاباك".
كان له دور كبير مؤخرا في حملة واسعة نفذت في مخيم بلاطة ومخيم جنين، حيث انتشرت قواته بأعداد كبيرة في هذه العمليات التي شهدت اشتباكات مسلحة.
يقف على رأس الجهاز نضال أبو دخان (48 عاما) وجرى ترقيته لرتبة لواء، وهو من مواليد الجزائر وكان رئيس العمليات الخاصة في حرس الرئاسة، ويصفه المقربون منه بأنه شخص جدي، وفرصه بأن يكون خليفة أبو مازن معجزة.
جهاز الشرطة الفلسطينية
جهاز الشرطة العام، يحافظ على النظام العام والأمن الشخصي للأفراد ويقف ضد الجرائم المختلفة "من القتل والسرقة والاعتداء وغيرها، بالإضافة إلى ذلك فهو يحافظ على الحركة العامة والسير، ويوجد في هذا الجهاز أقسام مختلفة وتتمتع بمهنية عالية وضباط لديهم خبرة كبيرة، وتعتبر الشرطة الفلسطينية جهازا متطورا ومهنيا بشكل كبير؛ حيث جرى تطويره بمساهمة أجهزة شرطية عالمية، ويرأس هذا الجهاز اللواء حازم عطا الله؛ وهو يجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، ويتمتع بالذكاء، وقليل من العجرفة.
جهاز حرس الرئاسة
هو "وحدة النخبة" في السلطة الفلسطينية، يحتوي على مزيج من وحدة الحماية الخاصة ووحدة الكوماندوز، وشكل من قوات 17 التي كانت تعتبر وحدة النخبة لمنظمة التحرير، تقوم الوحدة بحماية الرئيس وبيته والمقاطعة في رام الله، وهي المسؤولة عن حمايته في تنقلاته وحماية الشخصيات التي تزور مناطق السلطة الفلسطينية، وتعمل على حماية رئيس الوزراء الفلسطيني وعدد من الوزراء المهمين، وكبار المسؤولين وأصحاب المناصب المهمة، ويقف على رأس الجهاز اللواء منير الزعبي، ويتمتع الجهاز بمهنية عالية، ويحافظ باستمرار على جاهزيته من خلال التدريبات المختلفة.
جهاز الاستخبارات العسكرية
جهاز قليل العدد، تتلخص مهمته في متابعة عناصر الأجهزة الأمنية الذين لديهم مخالفات "جنائية أو إرهابية"، ومن مهامه كذلك الكشف عن عناصر يعملون لصالح إسرائيل (الجواسيس) في الأجهزة الأمنية أو مع أجهزة أمنية أخرى، كذلك يعمل على منع تسلل عناصر معادية إلى أجهزة الأمن الفلسطينية، ويشبه إلى حد كبير في عمله عمل الشرطة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أو الوحدة المسؤولة عن أمن وزارة الجيش الإسرائيلي، ويقف على رأس هذا الجهاز اللواء زكريا مصلح، وهو شخصية باهتة ولا يوجد لديه كريزما كسابقه ماجد فرج.
جهاز الدفاع المدني
يقابله في "إسرائيل"، جهاز الإطفاء والإنقاذ ومهمته التعامل مع الحرائق وإخمادها وإنقاذ الأشخاص المحاصرين في حوادث السير أو في المباني وغيرها من الأخطار، ولدى عناصر الجهاز معدات مختلفة لإطفاء الحريق، ويتم تجديد هذه المعدات وزيادتها، ويتم تقديم مساعدات له من جهات دولية، وذلك للتعامل مع كافة السيناريوهات المحتملة بما فيها وقوع زلزال قوي، ويقف على رأس الجهاز اللواء محمد عيسى.
جهاز الارتباط العسكري
هو الجهة المسؤولة عن التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي؛ يوجد له في كل محافظة مكتب للتنسيق تحت مسؤولية ضابط فلسطيني برتبة عسكرية لمقابله في الجيش الإسرائيلي الذي يحمل رتبة عقيد، وهم على صلة دائمة ومباشرة مع الجيش الإسرائيلي، وطبيعة عمل هذا الجهاز إعادة كافة الإسرائيليين الذين يدخلون مناطق السلطة بطريق الخطأ، وإعطاء معلومات عما تقوم به مجموعات المستوطنين من اعتداءات على الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم، ما يعرف في "إسرائيل"، بمجموعات "دفع الثمن"، ويتلقى تعليمات بسحب القوات الفلسطينية من المناطق التي ينوي الجيش الإسرائيلي دخولها لتنفيذ عمليات اعتقال أو غيرها، ويقف على رأس الجهاز اللواء جهاد جيوسي.
ويختم التقرير، بالتأكيد على أن العملية السياسية تمر بحالة جمود عميق خلال السنة الماضية بسبب عدم الثقة التي تسود بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني أبو مازن، لكنه برغم ذلك، ومع اندلاع الانتفاضة الثالثة، فإن التنسيق الأمني سجل مستوى لم يتم تسجيله منذ تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فقد وصل إلى أفضل حالة وأقوى مستوى في التنسيق الأمني بين السلطة و"إسرائيل".
وتمر الأجهزة الأمنية الفلسطينية بذروة تأهيلها المهني في هذه الفترة، ويرتبط جزء أساسي من أدائهم لمهماتهم بالتنسيق الأمني، عقد لقاءات بين كبار ضباط الأمن الفلسطيني مع نظرائهم الإسرائيليين، وتبادل المعلومات الأمنية، وتسليم الجانب الإسرائيلي الأسلحة والوسائل القتالية التي يتم ضبطها في مناطق السلطة الفلسطينية، ونقل محاضر التحقيق الخاصة بالأشخاص الذين تعتقلهم الأجهزة الأمنية لجهاز "الشاباك" الإسرائيلي، وإدخال وسائل تفريق المظاهرات في مناطق السلطة الفلسطينية.
وقدمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، المساعدة لإسرائيل في أكثر من مرة في العثور على "مطلوبين" كما حدث وقدموا المساعدة في العثور على الخلية التي نفذت عملية خطف وقتل المستوطنين الثلاث عام 2014، ويوجد تعاون في قضايا جنائية كما هو الحال في إعادة إسرائيليين دخلوا بطريق الخطأ إلى مناطق السلطة.
ويلفت التقرير، إلى أنه يوجد إضافة لقادة الأجهزة الأمنية الثمانية، في الساحة الفلسطينية شخصية مهمة أخرى متمثلة بوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ الذي يتحدث العبرية بطلاقة، وهو المسؤول عن التنسيق مع "إسرائيل" في القضايا المدنية، لكن هذه القضايا على علاقة وثيقة بالجانب الأمني ولها حساسية كبيرة ولها علاقة وثيقة بنجاح المفاوضات، وحسين الشيخ كباقي رؤساء الأجهزة الأمنية على علاقة مباشرة مع منسق الحكومة الإسرائيلية لشؤون المناطق بولي مردخاي، ويلتقي به بشكل دائم إما في رام الله أو في "إسرائيل".