دفعت احتجاجات الربيع العربي عام 2011 السلطة في الأردن لإقرار تعديلات على دستور يصنف فقهيا من "الدساتير الجامدة"، وشملت التعديلات منذ ذلك الحين 45 بندا، في خطوات لم تُرض القوى المطالبة بالإصلاح، في حين إن شخصيات رسمية اعتبرتها "مؤلمة"، بحسب وصف رئيس الحكومة الأسبق ورئيس الديوان الملكي الحالي، فايز الطراونة، المحسوب على التيار المحافظ.
فالحراك الشعبي الأردني، الذي عم جميع محافظات المملكة الاثنتي عشرة في 2011، طالب بضرورة "تقليص صلاحيات الملك"، وتطبيق البند الأول في
الدستور الأردني، الذي نص على أن "نظام الحكم في الأردن نيابي ملكي وراثي"، كما طالب الحراك بأن "يكون الشعب مصدرا للسلطات" من خلال انتخاب حكومات برلمانية تنبثق من رحم الشعب.
إلا أن تعديلات عام 2011 لم تقترب من صلاحيات الملك، وأبقت عليها كما هي. وشملت، في المقابل، بنودا تتعلق بمجلس النواب، وأخرى تنص على إنشاء محكمة دستورية، وتحديد الإطار الدستوري لصلاحيات محكمة أمن الدولة، مع حصرها بثلاث مهام، منها مكافحة الإرهاب الذي سُن له قانون "مثير للجدل" وسّع من صلاحيات محكمة أمن الدولة، إلى جانب تعديلات أخرى.
بعد خمس سنوات من تعثر عجلة الربيع العربي، عادت الحكومة الأردنية قبل أيام، وبشكل مفاجئ، لإقرار تعديلات دستورية جديدة، رأى فيها البعض تراجعا عن بعض التعديلات السابقة التي أُقرت تحت الضغط الشعبي، حيث يُمنح الملك، بموجب التعديلات المقترحة من الحكومة، الحق حصريا بتعيين كل من ولي العهد، ونائب الملك، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، وقائد الجيش، ومدير المخابرات، ومدير الدرك، دون تنسيب من رئيس الوزراء والوزير المختص، وهي الآلية المعمول بها حاليا.
"عبث بالدستور"
ويصف نقيب المحامين الأردنيين الأسبق، صالح العرموطي، التعديلات الجديدة بأنها "عبث بالدستور".
ويضيف لـ"عربي21": "هذا عبث بالدستور ورِدة عن الإصلاح، وعن المشاركة بالمبدأ الديموقراطي، والمشاركة الشعبية؛ كون الأسباب الموجبة -كما يقولون- هي غير صحيحة، خاصة أن المادة 40 تنص على أن الإرادة الملكية تصدر بتنسيب الملك، وبموافقة رئيس الوزراء أو الوزراء والوزير المختص، ثم يضع الملك ختمة عليها".
وقال العرموطي: "المادة 45 من الدستور تقول: يتولى مجلس الوزراء شؤون إدارة الدولة الداخلية والخارجية.. الآن أصبح الاستصلاح هو الأصل، يعني أن كل مراكز الدولة والتعيينات -وقبل فترة وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان- أصبحت من اختصاص الملك".
ويرى العرموطي أن منح الملك حق تعيين المجلس القضائي، يعني في الفقه الدستوري "الحكم المطلق"، مضيفا: "إذا أردت إعطاء السلطة القضائية الاستقلالية، فيجب أن يكون التنسيب للملك من خلال المجلس القضائي بتعيين رئيس المجلس".
وعبّر العرموطي عن اعتقاده بأن هذه التعديلات "تتعارض مع المادة 30 من الدستور الأردني التي صانت الملك من أي مسؤولية، كونه يحكم من خلال وزرائه"، في حين التعديلات، كما يوضح العرموطي، "أعطت الملك الحكم ليحكم، ولا يستطيع أحد أن ينتقد التعيينات كونها ستصبح جريمة إطالة اللسان على الملك".
أما الحكومة الأردنية، فقد اعتبرت بدورها أن التعديلات "تقدمية". وقال رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور، خلال نقاش حول التعديلات تحت قبة البرلمان الأردني، إنها "إصلاحات تقدمية، الهدف منها
فصل السلطات وليس تداخلها. والنظام السياسي القوي هو الذي تقوى سلطاته جميعا، وهذا ما تهدف إليه التعديلات الدستورية".
لكن ما الهدف من التعديلات؟ ولماذا يتم توسيع صلاحيات الملك في هذ التوقيت؟؟ يجيب العرموطي: "خشية وجود حكومة برلمانية.. هذه التعديلات سياسية تجرد الحكومة البرلمانية من الصلاحيات، وتجرد رئيس الحكومة من كل صلاحياته"، حيث "يجب أن يمارس صلاحيته وولايته بتعيين مدير الأمن العام ومدير المخابرات".
خطوة طبيعية
وفي المقابل، يصف الكاتب الأردني، سلطان الحطاب، التعديلات الدستورية بـ"الطبيعية جدا"، ويرى، في حديث لـ"عربي21"، أن التعديلات تأتي كنظرة مستقبلية لوجود حكومات برلمانية في الفترات القادمة.
ويقول الحطاب: "هذه الصلاحيات موجودة لدى الملك، ويمارسها، إلى أن يُنتخب رئيس حكومة في المستقبل، معتبرا أن "المؤسسات الأردنية في الوقت الحالي لم تنضج بما يكفي لتتسلم المواقع الحساسة في الأمن، كما أن البرلمان حاليا لا يقوى على مساءلة ومحاسبة رئيس الحكومة"، في حين إن "التعديلات هي نظرة مستقبلية ومسألة طبيعية لا يتحسس منها الأردنيون"، كما قال.
ولا يرى عضو البرلمان الأردني والوزير الأسبق، حازم قشوع، في هذه التعديلات "ردة عن الإصلاح"، وقال في حديث لـ"عربي21" إنها "تأتي حركة ممنهجة تجاه الحكومات البرلمانية، فالملك يسعى لترسيخ مفاهيم لها علاقة بتشكل حكومات برلمانية؛ لذا أنيط بالملك ما له علاقة بالمؤسسات الأمنية المختلفة، وهذا أتاح المجال لتشكيل هذه الحكومات".
وأضاف قشوع: "بات واضحا أن التعديلات ستعطي دورا أكبر لمجلس الأعيان في التشريع والرقابة بعد ربط تعيينه بالملك"، وفق تقديره.
ولم تقدم الحكومة الأردنية، من جانبها، شرحا حول الأسباب الموجبة للتعديل، سوى القول إنها جاءت "لضمان فصل السلطات"، كما ورد في قرار مجلس الوزراء، في حين دافع ائتلاف تنسيقية الأحزاب الوسطية (10 أحزاب أردنية موالية للحكومة) عن التعديلات الدستورية، وقال في بيان صحفي إنها "اتسمت بالحركية المرتبطة بالتطورات السياسية والاجتماعية، ولا مجال لنكران أن الإيديولوجيات السياسية والاقتصادية أدت أدوارا مهمة في تشكيل التطورات ونتائجها"، مضيفا: "هذه التعديلات الدستورية الأكثر إفادة من سابقاتها للوطن".
نظام ملكي أم رئاسي؟
وقد أثارت التعديلات جدلا نيابيا بعد أن أحالها البرلمان الأردني إلى لجنته القانونية للنقاش.
ويقول النائب في البرلمان الأردني، علي السنيد، لـ"عربي21"، إن "هذه التعديلات تُخل بفلسفة نظام الحكم بالأردن، وتنتقل بالمملكة من نظام ملكي دستوري إلى نظام رئاسي".
وأضاف: "هناك تركز بالصلاحيات بيد الملك الآن، وهذه التعديلات تلغي الولاية العامة للحكومة، أي تجرد هذه الحكومة من صلاحيات تنفيذية مهمة تتعلق بأمن الأردن وسياسته"، وفق تقديره.
وأشار السنيد إلى أن "هناك آلية دستورية متبعة في الأردن منذ تأسيس المملكة، تنص على أن الملك يتدخل بالسلطات الثلاث من خلال الإدارة الملكية، وهذه الإرادة تحمي الملك من المسؤولية؛ لأن فلسفة الدستور في الأردن تقوم على عدم مسؤولية الملك عن السياسات، وتتحمل المسؤولية هذه السلطات الموجودة، التي يتولى الملك مهامه بالدستور من خلالها".
ويرى السنيد أن التعديلات المقترحة تنزع العديد من الصلاحيات التنفيذية للحكومة، وتلحقها بالملك. وقال: "التعديل الجديد أولا سبقه التعديل الذي نزع صلاحيات تنفيذية من الحكومة للملك مباشرة، عندما يكون تعيين القادة الأمنية دون تمثيل مجلس الوزراء.. اليوم جاء موضوع تعيين نائب الملك، وجاء موضوع تشكيل المحكمة الدستورية".
وبحسب السنيد، "هناك إخلال بموقع الملك الدستوري.. لنفترض أن الملك عين قائدا لجهاز الدرك في الأردن، وحدثت في الأردن حوادث معينة، ونجم عن عمل الدرك قتلى، من يتحمل مسؤولية هؤلاء القتلى؟ سيصبح الملك في مواجهة هذه المسؤولية"، وفق السنيد.
ويعتقد النائب الأردني أن هذه التعديلات تأتي "ردا على الربيع العربي ومطالب الشارع العام في الأردن، بأن يُطور النظام السياسي، إلى أن يصل إلى حكومة برلمانية، حكومة دستورية.. حكومة يكون فيها الملك يملك ولا يحكم، لكن من الواضح أن الرد على مطالب الشارع كان بمزيد من تركز الصلاحيات".
وسبق أن وصف المحلل والكاتب الأردني، لبيب قمحاوي، في مقالة سابقة له، الأردن "بالدولة العميقة" أو "بالمؤسسة الأمنية الكبيرة"، التي تسيطر فيها أجهزة الأمن على كافة مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية.