انقسمت صحف غربية بين مطالبة بتشديد الإجراءات الأمنية، وأخرى محذرة من التضحية بالحقوق والحريات، فيما شددت صحف عديدة على أهمية نبذ العنصرية والإسلاموفوبيا، بما أن ضحايا
الإرهاب في أنحاء العالم أغلبهم من
المسلمين.
من جهتها، رأت صحيفة دي فيلت الألمانية، في تقرير ترجمته "عربي21"، أن هذا الانقسام وتنوع المواقف بعد الهجمات التي استهدفت
بروكسل، يوم الثلاثاء، يعكس الانقسام الحاد في الرأي العام الأوروبي حول طريقة التعامل مع التهديد، حيث انتقد كثيرون أداء الأجهزة الأمنية البلجيكية، واتهموها بالتقصير وارتكاب أخطاء فادحة، فيما اعتبر آخرون أن السياسات التي تنتهجها الدول الأوروبية قد تعني التضحية بالحرية من أجل الأمن، وهي معادلة مرفوضة بالنسبة لهم.
أما صحيفة "زود دويتشه" الألمانية، فقد نددت بتصاعد مشاعر العداء تجاه المسلمين، ودعت إلى تبني نظرة أوسع لضحايا الإرهاب، مع ملاحظة أن معظمهم هم من المسلمين.
وقالت "زود دويتشه" أيضا إنه حتى لو كان تنظيم الدولة "يستعمل الخطاب الإسلامي لنشر إرهابه، فإن ذلك لا يحجب عنا حقيقة كون الأغلبية الساحقة من ضحاياه هم من المسلمين، وبالتالي فإن من يتبنون خطابا معاديا للإسلام ويعتبرون كل المسلمين مشتبها بهم، هم في الحقيقة يهاجمون أشخاصا هم ضحايا مثلهم تماما، حيث إن ملايين المسلمين يفرون من بلدانهم الآن هربا من إرهاب هذا التنظيم".
وأوضحت الصحيفة، بحسب مقتطفات ترجمتها "عربي21"، أن "المشكلة هي أن الهجمات التي يقوم تنظيم الدولة في قلب
أوروبا تحظى باهتمام إعلامي كبير، وتصرف الأنظار عن الإرهاب اليومي الذي يتعرض له المسلمون في العراق وأفغانستان".
وعلقت صحيفة "دير ستاندارد" النمساوية بالقول: "إن تنظيم الدولة يريد من خلال الإرهاب الذي يمارسه تغيير وجه أوروبا، حيث إنه يهاجم نموذج الحياة الغربي، كما أن العقول المدبرة لهذه الهجمات تريد خلط الأوراق ووضع كافة المسلمين في قفص الاتهام، وجعل المواطنين الأوروبيين المسلمين محل شك وارتياب".
وأكدت الصحيفة أيضا على أن هذه الهجمات يجب ألا تؤدي إلى تصاعد مشاعر العداء تجاه المسلمين، خاصة أن مثل هذه الأحداث تشكل عادة فرصة سانحة للأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة لزرع الخوف من المسلمين والتحريض ضدهم، وهو ما سيؤدي لمزيد تهميشهم وتسهيل استقطابهم من قبل هذه المنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن ذلك يزيد من حجم التهديد الإرهابي القائم في الدول الغربية.
وأشارت الصحيفة النمساوية إلى أن التحدي الحقيقي الذي تواجهه أوروبا الآن، هو منع انتشار أجواء انعدام الثقة بين المسلمين وبقية أطياف المجتمع الأوروبي.
أما صحيفة "تاز" الألمانية، فقد أشارت إلى أن هجمات باريس كانت موجهة ضد أماكن الترفيه التي يقضي فيها الناس أوقات فراغهم، إلا أن الهجمات في بروكسل استهدفت مراكز النقل والنقاط الحيوية في المدينة، من أجل نشر أكبر قدر من الرعب في المجتمع.
وأضافت هذه الصحيفة أن عناصر تنظيم الدولة لا يهتمون بمن يقع ضحية لهجماتهم، حتى ولو كان هنالك متعاطفون معهم من بين المتواجدين في مكان الهجوم، فإنهم لا يكترثون لهوية الضحايا، ولا يبدون أي مشاعر إنسانية تجاههم، ولذلك فإن كل الناس في الدول الأوروبية باتوا مستهدفين، ولا يمكن ضمان حمايتهم بشكل تام، حتى لو واصلت الدول الأوروبية والحكومات فرض الإجراءات الأمنية المشددة والقوانين المثيرة للجدل التي تعيد للأذهان المعادلة الخطيرة بين الأمن والحرية، والتي تمهد لمصادرة الحقوق والحريات الفردية تحت ذريعة حماية المواطنين.
أما صحيفة "فرانكفورتا رونشاو" الألمانية، فقد قالت إن الرأي العام ووسائل الإعلام في أوروبا سينخرطون على إثر هذه الهجمات في النقاش التقليدي ذاته حول الإجراءات الواجب اتخاذها لتجنب مثل هذه الكوارث في المستقبل.
وحذرت الصحيفة من انزلاق هذا الحوار إلى خطاب هستيري ومتطرف يؤدي إلى ردود أفعال مبالغ فيها وغير عقلانية، خاصة أن الدول الأوروبية نجحت إلى حد الآن في مقاومة إغراء السياسات الأمنية التي طالب بها البعض إثر هجمات باريس؛ لأنها تريد أن تكون مختلفة عن الولايات المتحدة التي سارعت بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر إلى سن قوانين تحد من الحريات والحقوق الشخصية بحجة المحافظة على الأمن، وهو فخ يجب ألّا تقع فيه أوروبا.