موجة مفزعة لا تزال الدول المنتجة للنفط تعيشها جراء أزمة الانخفاض الحاد في الأسعار، في الوقت الذي تسعى فيه منظمة "
أوبك" إلى تجميد إنتاج الخام النفطي، لإعادة التوازن بالسوق، وتجنب الخسائر الفادحة التي لحقت بدول المنطقة.
الرئيس النيجيري، محمد بخاري، شدد في تصريحات قبل يومين، على أن منظمة "أوبك" بحاجة إلى أخذ إجراء لإحلال الاستقرار في سوق النفط نظرا لتراجع أسعار الخام إلى مستويات "غير مقبولة على الإطلاق".
وقال مكتب بخاري إن رئيس نيجيريا أبلغ أمير قطر خلال اجتماع في الدوحة أن موقف السوق في قطاع النفط غير قابل للاستمرار وغير مقبول على الإطلاق.
وتابع: "هناك حاجة ملحة للتعاون بين منظمة أوبك والمنتجين الآخرين، علاوة على أنه يجب أن نتعاون داخل منظماتنا وخارجها لإيجاد أرضية مشتركة لإحلال الاستقرار في السوق".
ومنذ أن بدأت
أسعار النفط بالتراجع، ازدحمت الأسواق بالتحليلات والتوقعات حول تحركات سعره والسعر العادل، لكن فشلت معظم هذه التوقعات، ونتيجة انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون 30 دولارا، بدأت بعض التحليلات تشير إلى أن السعر العادل يجب أن لا يقل عن 50 أو 60 دولارا.
عدد من وزراء نفط دول الخليج أكدوا في أوقات سابقة أن السعر المتداول للنفط بين 70 و 75 دولارا للبرميل هو سعر مقبول، لكنهم لم يشيروا إلى عدالة السعر في ظل تأكيد الدول المنتجة أنه ليس من مصلحتها وجود فجوة كبيرة بين السعر العادل والسعر الجاري للنفط، حتى لا يؤثر ارتفاع الأسعار سلبا في معدلات النمو لدى الدول المستهلكة.
وتساهم عوامل كثيرة في خلق التفاوت بين السعر العادل وسعر السوق، منها عوامل العرض والطلب ومعدلات النمو الاقتصادي العالمي، خصوصا لدى الدول ذات الوزن الاقتصادي الكبير، ومنها الولايات المتحدة والصين ودول الاتحاد الأوروبي.
علما بأن السعر العادل للنفط هو السعر الذي يأخذ في الاعتبار نسبتي التضخم والتغير في القوة الشرائية، ما يعرف بالسعر الحقيقي أو السعر المعدل وفق نسبة التضخم.
ومن المؤكد أن تكاليف الإنتاج تؤدي دورا بارزا في تقديرات السعر العادل، فهي تتفاوت من منطقة إلى أخرى في العالم وتختلف باختلاف مواقع حقول النفط والأعمار الإنتاجية لهذه الحقول ومعدلات سريان النفط.
لكن يصعب الوصول إلى السعر العادل من خلال اتفاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة نتيجة سعي الطرفين إلى تحقيق مكاسب حتى لو كانت على حساب الطرف الآخر، علاوة على أنه بعد الانخفاض الكبير في سعر النفط لم تطالب أي دولة مستهلكة برفع سعره إلى قيمته العادلة تجنبا لإلغاء العديد من المشاريع النفطية في الدول المنتجة وما قد يحمله ذلك من آثار سلبية على حجم العرض.
ويشجع السعر العادل للنفط عند توافره الاستثمارات في البنية التحتية للصناعة النفطية لضمان إمداد الأسواق بحاجتها من النفط، حيث تقدر وكاله الطاقة الدولية هذه الاستثمارات بـ350 بليون دولار سنويا.
وتأتي أضرار تراجع الإيرادات البترولية التي تعتمد عليها حكومات الخليج لتمويل التنمية، إلى وجود عجز صارخ بموازناتها، ما دفع بعضها إلى السحب من الاحتياط أو الاقتراض، بالإضافة إلى لجوء البعض أيضا إلى رفع أسعار المحروقات، بعد سحب عشرات المليارات من الاحتياطات وبيع سندات بعدة مليارات أخرى، ناهيك عن فرض المزيد من الضرائب على المواطنين.
ومن جملة الأضرار أيضا تجميد بعض المشروعات بدول الخليج العربي، بسبب تراجع الإيرادات النفطية، واللجوء إلى الاحتياطي النقدي، ما أثار غضب المواطنين بالمنطقة جراء توقف عدد من المشروعات التنموية المهمة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" لتجميد الإنتاج لارتفاع أسعار النفط، قامت حالة من الشد والجذب بين الدول بشأن تجميد مستويات الإنتاج أو تخفيضها ووضع نهاية لزيادة حجم الإنتاج عن الطلب والتي هوت بأسعار النفط في الحضيض.
الأمر الذي دفع
السعودية بداية إلى استبعاد خفض الإنتاج، وبعدما أظهرت بيانات من القطاع زيادة مخزونات الولايات المتحدة من الخام.
أما
إيران فقالت إنه لا مصلحة لها في تقييد حجم الإنتاج بعدما جرى رفع العقوبات الدولية عنها، ووصفت مقترح تجميد الإنتاج بأنه "مثير للضحك"، مضيفة: "إن اتفاقا محتملا بين كبار منتجي النفط على تجميد الإنتاج ينبغي أن يستمر عاما على الأقل".
لكن في النهاية اتفق وزير الطاقة القطري مع وزراء نفط السعودية وروسيا وفنزويلا على تجميد إنتاج بلدانهم من النفط عند مستويات إنتاج كانون الثاني/يناير الماضي، بتحديد كمية التصدير لتقليل العرض، شريطة مشاركة كبار المنتجين لهم في هذا المسعى.
وناقشت الدول الأربع الانخفاض الحاد في الأسعار الناتج بشكل أساسي عن فائض الإنتاج بحضور وزراء النفط لتلك الدول، ومنهم وزير النفط السعودي علي النعيمي، ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.
إلا أنه عقب الاجتماع قالت وزارة الاقتصاد الروسية إن من السابق لأوانه الحديث عن تأثير محادثات الدوحة على أسعار النفط والروبل على المدى البعيد.
وبدورها قالت إيران، البلد العضو في "أوبك"، إنها مستعدة لبحث تجميد مستويات إنتاج النفط فور وصول إنتاجه إلى مستويات ما قبل العقوبات بما يؤكد معارضة طهران لكبح إمداداتها.
ورفضت "أوبك"، مدفوعة بالدرجة الأولى بقرار السعودية والدول الخليجية الأخرى، خفض إنتاجها سعيا لإعادة الاستقرار إلى الأسعار. لكن دولا بالمنطقة العربية اعتبرت قرار الخفض المنفرد للإنتاج سيؤدي إلى فقدانها حصتها من الأسواق، ولن يساهم في انتعاش الأسعار، إن لم تتخذ الدول المنتجة من خارج المنظمة خطوة مماثلة.