كتاب عربي 21

حكم مصر على طريقة "اللمبي"!

1300x600
عندما ثبت باليقين أن الفتى "عبد الرحيم عبد الراضي"، الذي ادعى فوزه بجائزة قارئ العالم الأول في مسابقة للقرآن الكريم في ماليزيا، أنه نصاب، فلم يفز بالجائزة، بل لم يسافر أصلا، ولا يحمل جواز سفر، تذكرت "اللمبي" في أحد أعماله، فبدا لي أننا أمام حكم في مصر يدير البلاد على طريقة "الفرح الشعبي" عندما يكون الهدف من "الفرح" التخلص من ضائقة والبحث عن سعة بجمع "النقوط"!.

أعمال الفنان "محمد سعد"، أو "اللمبي" وأدواره، تتشابه علينا، ففي أحد الأفلام كان يمر بأزمة مالية قد تنهي قصة حبه، وهو العاجز عن الزواج؛ نظرا لعدم قدرته على الوفاء بمتطلباته، لكن الفنان "حسن حسني" وجد الحل في إقامة الفرح وجمع "النُقطة" أو "النُقوط"، وهو أمر تعرفه المجتمعات التقليدية، عندما يتم تقديمها في الأفراح من باب "الواجبات الاجتماعية"، لترد في مناسبات مشابهة وزيادة، ومما قاله صاحب المشورة أن "أسرة اللمبي" سابقة بالخيرات، وتجامل في هذه المناسبات، وأن كل ما قدمته من "نقوط" دونه هو في "الكراسة الصفراء"، لتصبح هذه "الكراسة" هي كلمة السر في حل مشاكل "اللمبي"، ويصبح إقامة الفرح الذي كان المعضلة في حد ذاته هو الحل، فتصرف على طريقة "نيوتن": "وجدتها"!

السلطة الحاكمة في مصر تبدو فاشلة تماما في البر والبحر، فلا يوجد وعد لها أوفت به، ولا يوجد نجاح تحقق في أي ملف، و"الذي زاد وطغى"، هو ما جرى في ملف سد النهضة، الذي وقع السيسي على شرعية تشييده، دون الاتفاق على مواصفاته وسعته، ودون الاتفاق على الحفاظ على حصة مصر من المياه على نحو يبشر بفقر مائي في القريب العاجل، بحسب تصريح لمرفق المياه، وهو يتبع السلطة وليس من مؤسسات تحالف دعم الشرعية!

ثم أخذنا النظام بعيدا، عندما أعلن قائده المفدى أن مصر مقبلة على استخدام مياه المجاري بعد معالجتها بالهناء والشفاء، وقد صرح السيسي بهذا "بعظمة لسانه"، ولم تدعيه قنوات دعم الشرعية التي تبث من إسطنبول. ولأن أنظمة الفشل العربي تعتمد سياسة إقامة الأفراح و"لم النقوط"، للقفز ولو بشكل مؤقت على إخفاقاتها، وإظهار نجاح بقوة الأضواء الكاشفة، ولو كانت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وقد جرى هذا في واقعة علاج الإيدز بـ"الكفتة"، باعتباره إنجازا يُنسب للمؤسسة العسكرية بقيادة عبد الفتاح السيسي، كما جرى عندما كرم السيسي من تم تقديمه على أنه أصغر حاصل على الدكتوراه في العالم، وهو مصري!

والأنظمة العسكرية تعتبر أن أي إنجاز يحققه أي فرد هو إنجاز يحسب للحاكم؛ باعتباره يملك الأرض ومن عليها، وشاهدنا كيف كان يتم حساب فوز المنتخب الوطني لكرة القدم على أنه يشكر عليه "السيد الرئيس محمد حسني مبارك"، وهو ما كانت "تطنطن" به وسائل الإعلام وبرامج "التوك شو"، فلولا دعم الرئيس ما تحقق النصر، وشاهدنا كيف جر مبارك ونجلاه البلاد في معركة قومية كبرى، لمجرد تنافس في مباراة بين المنتخب القومي المصري والمنتخب الجزائري!

وهذا ما جرى في حالة طالب كلية الصيدلة في جامعة الأزهر، الذي تم الإعلان عن فوزه بجائزة قارئ القرآن الأول على مستوى العالم، واستقبل في قريته بموكب، حرص فيه على أن يقف في سيارة مكشوفة ليحيي الجماهير المحتشدة، وكأنه فاز بجائزة "ستار أكاديمي"، وليس فوزا في مجال يستدعي وقارا ولو شكليا، وتواضعا ولو مفتعلا، وهو في فوزه هذا لم يكن مرشحا لموقع الزعيم السياسي ليطل على الناس بهذا الشكل، وليس مرشحا لينافس حمدين صباحي على موقع "الكومبارس"!

الاستقبال على إيقاع أغنية "تسلم الأيادي"، وهي الأغنية الرسمية للانقلاب العسكري، والمقصود بها تلك التي ارتكبت المجازر وحرقت الجثث في "رابعة" و"النهضة"، وإذا كان لمثلي أن يدخل هذا في باب التلقائية، فقد كشف الفتى المعمم، دون ضرورة موضوعية في برامج "التوك شو" التي استضافته، عن معنى فوزه، عندما توجه بشكره للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومما ذكر أنه في ماليزيا وجد لافتة ترحيب به بعبارة "مرحبا بقارئ الأزهر الشريف"، وكأنه ذهب لإحياء حفل، وليس للمشاركة في مسابقة تستدعي من الجهة المضيفة الحياد!

هل أقول إن مثل هذه التفاصيل جعلت الفأر يلعب في صدري؟ وجعلتني أتشكك في أمره، ومنها الحرص على ارتداء العمامة، مع أن طلاب الأزهر يلتحقون بالكليات العلمية هربا منها عندما كانت تفرض على طلاب كليات الدعوة، وتفرض على طلاب مرحلة ما قبل الجامعة!

لقد راعني -بالإضافة لهذا- أنني عندما استمعت له قارئا وجدته متواضعا، وأنا "سميع قديم"!

و تذكرت إزاء هذه التفاصيل قصة عاصرتها في بداية التسعينات، عندما احتفت وسائل الإعلام في مصر بمن أطلق عليه "اللص التائب"، الذي كان يزورني في مكتبي بشكل يومي؛ من أجل أن ننشر قصته في صحيفتنا متواضعة التوزيع، وكان مدهشا في إلحاحه، وكنت أقول له لقد أصبحت نجما، ولست بحاجة إلى نشر حكايتك عندنا، حيث نُشرت صورته على غلاف صحف ومجلات واسعة الانتشار، كان من بينها جريدة "أخبار الحوادث" التي كانت توزع حينئذ نصف مليون نسخة أسبوعيا!

ومما قلته له: أنا لا أفهم إصرارك على النجومية، ما دمت قد فعلت كل هذا لوجه الله تعالى؟!

ذات يوم وبعد إلحاح وتذلل منه، طلبت من المصور أن يلتقط له صورة، ولم يكد يفعل، حتى فوجئت بـ"اللص التائب" يهبط على الأرض، ويرفع يديه إلى السماء في الوضع داعيا، وقد بدت على وجهه علامات الخشوع، عندئذ طلبت من المصور أن يتوقف، وقلت للتائب ساخرا: قم يا نصاب!

كان بداخلي شك من جملة تصرفاته، لكن لم أستطع أن أجعله يقينا، وقد تنازل لصالح الدولة عن كل ما يملك، وعن عمارة يملكها؛ لأنها من المال الحرام!

لقد انقطع "اللص التائب" عن زيارتي، لأقرأ بعد عامين عن القبض عليه متلبسا بسرقة إحدى الشقق، لأعلم بعدها أن التوبة والتنازل عن الممتلكات كانتا كي يدخل الغش والتدليس على الشرطة، فلا تنشغل به ليمارس نشاطه الإجرامي في أمان، ولأن قصته كانت دافعا لتبرع كثير من الأثرياء له بأموال، كمكافأة على توبته!

أعلم بأنه ليس بالضرورة أن يكون "القارئ" عالما، أو أن يكون صاحب وعي سياسي، وقد شاهدنا الشيخ الطبلاوي، الذي لا علاقة له بالعير ولا بالنفير ولم تكن السياسة من بين اهتماماته، يعلن تأييده للسيسي، لكن تعامل طالب الأزهر مع الأمر باعتباره "فرح بلدي" هو ما كان لافتا في موضوعه!

لقد كرم محافظ سوهاج الفتى باعتباره من أبناء المحافظة، واحتشد الأزهر لتكريمه، لولا انكشاف أمره، من خلال نقابة "القراء"، ومن خلال فائز سابق في هذه المسابقة، قبل توضيحات صدرت من السفارة الماليزية في القاهرة، واللافت أن وزارة الأوقاف التي تعد جهة الاختصاص في الموضوع تركت الأمور تجري في أعنتها دون توضيح، وهي من تقوم بترشيح المتسابقين المصريين للجائزة الماليزية بعد مسابقات مصرية داخلية، وتعلم أن موعد المسابقة في نصف شهر شعبان من كل عام وليس الآن!

في تصريح لموقع "انفراد"، اعترف هذا النصاب بأنه لم يسافر إلى ماليزيا، ولا يحمل جواز سفر أصلا، وأنه تعرض لمؤامرة، وتصرف تحت التهديد بقتله وإيذاء أسرته إن لم يستمر في هذه "اللعبة"، وهذه التهديدات كانت تأتيه عبر هاتفه، وهو ما يسهل مهمة وزارة الداخلية في التوصل لهؤلاء!

أعلم أن من يكذب في هذه يكذب في تلك، لكن عدم تعامل أجهزة الأمن مع الأمر بجدية يكشف عن أن هناك جهة خططت لتتصرف على طريقة حل "اللمبي" لأزمته بالفرح "ولم النقوط"؛ لأن الاحتمال الثاني أكثر ضررا، عندما يصبح بإمكان فتى لم يتجاوز العشرين عاما أن يلعب بالسلطة الحاكمة "كرة شراب"، ويدخل عليها الغش والتدليس، ويوشك أن يحولها إلى مسخرة من العيار الثقيل، فهل كان حصول أصغر شخص في العالم على الدكتوراه، والذي كرمه السيسي، خدعة من الغلام، بعد أن تبين أنه لم يحصل على الدكتوراه أصلا؟ ولدينا سفارة في كندا، الدولة التي منحته إحدى جامعاتها الدرجة العلمية، والتي ينبغي أن توثق الشهادة من السفارة المصرية؛ تمهيدا للاعتراف بها في مصر.

إن الأفراح "ولم النقوط" المدون في "الكراسة الصفراء" يمكن أن يحل مشكلة "اللمبي"، وليس مشكلة دولة بحجم مصر، التي يبدو أنها تقزمت على يد الانقلاب العسكري لتصبح هي و"اللمبي" سواء!

يا لها من إهانة.