انتقلت هواجس "
التوطين" لدى شخصيات ونواب أردنيين - محسوبين على التيار المحافظ – من اللاجئين الفلسطينيين إلى السوريين؛ بعد أن أعلنت الحكومة الأردنية نيتها توفير 200 فرصة عمل لهم.
وفور انتهاء مؤتمر لندن للمانحين الذي عقد الأسبوع الماضي، فقد شن كتاب ونواب "حملة شرسة" على الحكومة الأردنية التي تعهدت لها الدول المانحة بتقديم دعم يقارب الملياري دولار، مقابل توفير فرص عمل للاجئين السوريين.
توطين اللاجئين
وانهال كتاب ونواب بالنقد على رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور، عندما وصف اللاجئين بمؤتمر صحفي بـ"المكون السوري" متهمين الحكومة بالسعي لتوطين 1.3 مليون لاجئ سوري، ليقابله ردة فعل حكومية تمثلت بلقاءات وتصريحات على مدار أيام في محاولة "لتوضيح أسباب خلق فرص عمل للاجئين السوريين".
و أوضحت الحكومة الأردنية في أكثر من تصريح أن "إدماج العمالة السورية سيكون فقط على النسبة المسموح بها للعمالة الوافدة والبالغة 20%، حيث ستنافس العمالة السورية العمالة الوافدة في مهن محددة لن تمس فرص عمل الأردنيين".
وقال وزير العمل الأردني نضال القطامين، إن "استحداث فرص عمل للاجئين من العمالة السورية سيتم من خلال الاستثمارات الجديدة وبنسب متفق عليها مع القطاع الخاص، مع إعطاء العمالة الأردنية الأولوية في إشغال فرص العمل التي يمكن استحداثها".
التبريرات الحكومية وحملتها الإعلامية لم تقنع أصواتا أردنية دعت إلى "إعادة اللاجئين إلى المخيمات" إذ قال نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية، هايل الدعجة، لصحيفة “
عربي21” إن على الحكومة الأردنية إعادة اللاجئين إلى المخيمات وعدم إخراجهم من مظلة برنامج الغذاء العالمي.
ووصف الدعجة ما تقوم به الحكومة من محاولة تسويق تشغيل اللاجئين السوريين بـ"الأمر الخطير الذي يؤشر للتوطين"، حيث اشترطت الدول المانحة تقديم المساعدات للأردن بتأمين اللاجئين السوريين بفرص عمل والتعامل معهم على أنهم مكون من المجتمع الأردني.
أصوات مناهضة
إلا أن أصواتا مناهضة لمن يتخوف من "هواجس التوطين" ترى أن "الجماعات التي تثير قضية التوطين، تعاني من مشكلة في تقبل الآخر، في وقت تحولت تخوفاتها إلى أوهام بأن الأردن بلد ضعيف ويمكن فرض أي أجندة خارجية عليه بسهولة بما في ذلك جعله وطنا لمن لا وطن له"، كما يقول رئيس مركز "هوية للدراسات" محمد الحسيني.
ويعتقد الحسيني أن الهجوم الذي يشنه "اليمين الأردني" على الحكومة واللاجئين "يشكك أيضا في قدرة النظام السياسي الأردني على إدارة شؤون البلاد، كما أنه يشكك في متانة النسيج الاجتماعي الأردني".
وغصت وسائل إعلام أردنية عقب إعلان الحكومة الأردنية عن خططها، بمقالات وتقارير صحفية لا يخلو بعض منها من خطاب "تحريضي" بحق اللاجئين السوريين في الأردن.
وسائل إعلام تحرض ضد اللاجئين
دلال سلامة، صحفية في مرصد "أكيد" المتخصص في رصد أداء الإعلام، أكدت في حديث لصحيفة “
عربي21” أن "من حق الإعلام مناقشة قضايا مثل الضغط الذي أوقعه
اللجوء السوري على البنية التحتية، وخدمات الصحة والتعليم، وأن يناقش حصتهم من سوق العمل، ومن حقه أيضا أن يعرض هواجس الناس ومخاوفهم ولا يُعد خطاب كراهية أن يخرج أحد ويعلن رفضه لهذه الخطط".
أما بخصوص قضية حصة اللاجئين من سوق العمل، فترى سلامة أن جزءا كبيرا من المحتوى الإعلامي يطرح ما يسمى استحواذ اللاجئين السوريين على سوق العمل، وتسببهم في رفع نسبة البطالة بين الأردنيين، لكن هذه التغطيات لا تقدم أرقاما موثّقة تدعم ذلك، وتكتفي هذه التغطيات بنقل الآراء والانطباعات الشخصية لأفراد من عامة الناس، وتعرض ما يقولونه في العناوين، لا بوصفها آراء وانطباعات شخصية، بل بوصفها حقائق عن سوق العمل، وتستخدم في الأثناء ألفاظا تحريضية لوصف العمالة اللاجئة بأنها "غزو" و"استحواذ" و"طغيان".
تغيير آلية الإغاثة
وبحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، فقد بلغ معدل النشاط
الاقتصادي للاجئين السوريين في الأردن العاملين في القطاع غير المنظم 48.5%، مسجلا نسبة أعلى من الأردنيين الذين تبلغ نسبة مشاركتهم في هذا القطاع 36.5%. وتقدر وزارة العمل الأردنية عدد السوريين العاملين في السوق الأردنية بـ150 ألفا، خمسة آلاف منهم يحملون تصريحا رسميا للعمل.
مدير مركز "الفنيق للدراسات العمالية"، أحمد عوض، قال إن "انخراط السوريين وخصوصا الماهرين منهم، في سوق العمل، أصبح حقيقة واقعة يجب التعامل معها بموضوعية وعقلانية".
ورأى في حديث لصحيفة “
عربي21”، أن "التعامل مع اللاجئين بمفهوم الإغاثة العينية لم يعد مجديا"، مؤكدا أن "وجود 1.3 مليون لاجئ سوري في الأردن خلق توسعا في الاقتصاد الأردني وفي الطلب على السلع والخدمات، حيث إن المبادرة الأردنية في مؤتمر لندن كانت فرصة لإخراج الاقتصاد الأردني من مأزقه".
وبحسب عوض، فقد "ركزت المبادرة الأردنية على ثلاثة محاور، هي: دعم الخزينة وتطوير البنية التحتية للمجتمع، وجذب استثمارات في مناطق جغرافية محددة لتوليد فرص عمل للسوريين والأردنيين".
وكان مؤتمر لندن للمانحين، قد "أقر تقديم منحة للأردن بقيمة 700 مليون دولار سنويا ولمدة ثلاث سنوات ما مجموعه 2.1 مليار دولار".
وقرر المؤتمر دعم الأردن لتخفيض الفجوة التمويلية الناجمة عن الفارق بين الإيرادات وما هو متاح استقراضه والمساعدات، مطروحا منها النفقات والمستحقات، علما بأن الفارق بين الرقمين يصل سنويا إلى 1.9 مليار دولار سنويا، حيث أصبح بعد مؤتمر لندن متاحا للأردن رفع سقف الاقتراض بمعدل 1.9 مليار دولار سنويا ولمدة ثلاث سنوات، أي ما مجموعه 5.7 مليار وبسعر فائدة ضئيلة جدا ولمدة 25 سنة وبضمانة الحكومة البريطانية.
وأقر المؤتمر بناء مدارس بمليار دولار خلال الأعوام من 2016 إلى 2018، لامتصاص مشكلة اللاجئين السوريين، سيتم توزيعها على كل مناطق المملكة، كما أنه نتج عن المؤتمر منحة بمقدار 300 مليون لدعم الموازنة العامة.