نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقالا للصحفي أيان سنكلار، انتقد فيه السياسيين والإعلاميين الذين يتسابقون لتوصيف
تنظيم الدولة بأبشع النعوت، ودعاهم لتبني خطاب أكثر نضجا وعقلانية، والبحث على نقاط قوة وضعف التنظيم بكل تجرد، من أجل إيجاد حلول لمجابهة هذا الخطر، عوضا عن الخطاب "الهستيري".
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن العبارات التي يستخدمها الناس خلال الحوار حول مسألة معينة، يمكن أن تساهم في إنارة الرأي العام، وتساعد على تفسير الظواهر وإيجاد حلول لها، ويمكن في المقابل أيضا أن تؤدي لتضليل العقول وتزييف الوعي، وتجعل إمكانية إيجاد الحلول أمرا مستحيلا.
وأشار التقرير إلى أن السياسيين والإعلاميين في بريطانيا والدول
الغربية عموما، انخرطوا في حملة هستيرية لإطلاق أبشع النعوت على تنظيم الدولة، حيث وصف رئيس الوزراء البريطاني هذا التنظيم بأنه "مجموعة من الأشرار والقتلة"، وعلى خطاه أيضا وصفته وزيرة التعليم نيكي مورغان، بأنه "مجموعة من القتلة والسفاحين".
وقد زاد عليهم مذيع شبكة "بي بي سي" البريطانية "أندرو نيل"، بوصف مقاتلي التنظيم بأنهم "مجموعة من الفاشلين والحثالة الذين يمارسون أنواع الجرائم كافة على طريقة العصور الوسطى".
وانخرط أيضا قادة اليسار في هذا الأسلوب، حيث وصف الكاتب اليساري أوين جونز التنظيم بأنه "مجموعة من القتلة والسفاحين الذين يجتذبون المجانين والفاشلين، ولا يتركون أي مجال للتحاور أو التفاوض، ويتبنون فكرة تدمير العالم".
وعلى عكس هذه المواقف التي يصفها الكاتب بـ"الهستيرية"، أشار إلى أن من لديهم اطلاع جيد على هذا التنظيم، على غرار الجنرال الأمريكي المتقاعد ستانلي ماك كريستال، حذروا من أنه "إذا كان الغرب يرى في تنظيم الدولة مجرد عصابة من المجانين القتلة، فإنه بذلك يقلل من حجم هذا التنظيم ويرتكب خطأ كبيرا؛ لأنه تحت ذلك الوجه الدموي والمتطرف الذي يظهره، يمتلك التنظيم قدرة على القيام بالحسابات الدقيقة والمناورات السياسية المعقدة، ويمتلك أيضا بنية تحتية قوية".
ونقل التقرير في هذا السياق تنبيهات الكاتب الأمريكي تشارلز ليستر، الذي أكد أن تنظيم الدولة يمتلك أسس الحوكمة التقليدية، مثل توفير المساعدات الاجتماعية والخدمات العامة للمواطنين، ومراقبة جودة السلع المعروضة للبيع، وجمع الضرائب، وإنشاء شركات للنقل.
ونقل أيضا تصريحا للباحث أرون زيلين، من المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، قال فيه إن "تنظيم الدولة يمتلك مكتبا لحماية المستهلك، وهو يتميز بنظام إداري معقد يتضمن دوريات للشرطة ونظاما قضائيا، وخدمات متنوعة، مثل الكهرباء والبريد وإصلاح الطرقات والرعاية الصحية، كما أنه يقوم بإنتاج الخبز وتوفير المواد التموينية والخضروات لعدد كبير من العائلات".
وأضاف زيلين أن "تنظيم الدولة عمل على تعزيز مصداقيته في الرقة من خلال إنشاء مطبخ لإطعام الفقراء ومؤسسة لرعاية الأيتام، بالإضافة إلى إنجاز حملات تلقيح ضد شلل الأطفال، ومكتب لتلقي شكاوى المواطنين من أجل القضاء على الفساد".
ودعا الكاتب السياسيين والإعلاميين الغربيين إلى عدم الانخراط في موجة الغضب "الهستيري"، ومواجهة بعض الحقائق الدامغة، حيث إن المفوضية الأوروبية للعدالة أكدت أن أكثر من خمسة آلاف أوروبي، سافروا إلى
سوريا والعراق للانضمام لتنظيم الدولة، كما أن عدة تقارير تؤكد أن بعض السنة اختاروا الهرب من جحيم الحكومة
العراقية والعيش تحت راية تنظيم الدولة.
وأشار التقرير إلى أنه رغم صعوبة المهمة، فإن هنالك بعض الخطوات الإيجابية التي يمكن للمتدخلين في هذه المسألة القيام بها لمجابهة هذه الظاهرة، حيث إن الدول الغربية تحتاج للتوقف عن وصف من يلتحقون بتنظيم الدولة بأنهم مجموعة من المجانين والفاشلين والقتلة، وتنخرط في معالجة المشكلات الأكثر عمقا على المستوى الفردي والمجتمعي الاقتصادي، والعوامل السياسية التي يستفيد منها هذا التنظيم.
كما طرح الكاتب تساؤلات حول أسباب تفضيل عدد من سكان العراق من السنة العيش تحت راية تنظيم الدولة، هربا من المليشيات التابعة للحكومة العراقية، ودعا الغرب إلى التدخل بشكل إيجابي في سوريا؛ لأن هذا التنظيم يستفيد من العنف والفوضى للاستقطاب والتوسع.
وطالب الكاتب الأنظمة الغربية بالاعتراف بدورها في الأزمة الحالية التي يعيشها الشرق الأوسط، كخطوة أولى نحو إيجاد الحلول، حيث إن التدخل العسكري الأجنبي في الدول العربية أدى دورا مهما في انتشار الفكر المتشدد، سواء في هذه الدول أو في المجتمعات الغربية، كما أن الدول الغربية تتحمل مسؤولية دعمها للحكومة العراقية، التي تورطت في قتل السنة وقامت بالاستعانة بالمليشيات الشيعية لممارسة القتل الطائفي وارتكاب جرائم حرب.
ورأى الكاتب أنه إذا كانت الدول الغربية جادة فعلا في المساعدة في القضاء على تنظيم الدولة، فإنه يتوجب عليها أولا تبني خطاب أكثر نضجا وواقعية، يكون مبنيا على الوقائع حول أسباب صعود هذا التنظيم وتمدده. كما أنه يجب التخلي عن الخطاب التبسيطي الذي يصف تنظيم الدولة بأنه مجموعة من القتلة والمجانين، والبحث عن إمكانية فتح قنوات تواصل معه، من أجل البحث عن أية انقسامات ممكنة في داخله، أو إيجاد جناح أكثر اعتدالا وواقعية داخله يمكن التعامل معه.