طغت الاستعدادات والترتيبات لاستعادة العاصمة صنعاء، من أيدي مليشيا الحوثي وقوات المخلوع
علي عبدالله صالح، على واجهة التحركات لقيادات قبلية مناوئة للحوثيين، مع وصول المعارك بين المقاومة وقوات
الجيش الوطني والطرف الآخر مدينة صرواح (آخر معاقل الحوثيين) في مأرب، والواقعة على تخوم صنعاء.
وشهدت الآونة الأخيرة، تحركات مكثفة للمقاومة والجيش الوطني المؤيد للشرعية المنحدرة من الحزام القبلي للعاصمة، لكن هذا ليس معناها دخول المعركة "حيز التنفيذ"، رغم الإعلان عن تشكيل "مجلس أعلى للمقاومة في صنعاء"، مرورا بوصول تعزيزات عسكرية ضخمة، مكونة من أربع كتائب مدربة، دفع بها
التحالف العربي إلى مأرب، وصولا إلى قيام مسلحون قبليون في منطقة خولان (شرق صنعاء) باعتراض تعزيزات تابعة للحوثيين، كانت في طريقها نحو مدينة صرواح غربي مدينة مأرب.
وتقع صنعاء في قلب الجزء الغربي من البلاد، وتتألف من جزأين إداريين، وهما، محافظة صنعاء، وتضم المديريات المحيطة بالعاصمة أو ما يطلق بـ"الحزام القبلي"، والجزء الآخر، أمانة العاصمة التي يتواجد فيها أهم مؤسسات الدولة، فضلا عن المقار الدبلوماسية وكذلك مقار تابعة للشركات الخاصة والعامة.
ويحيط بالعاصمة
اليمنية، تضاريس متنوعة من وديان ومرتفعات الجبلية، حيث يوجد بها "جبل النبي شعيب"، أعلى قمة في الجزيرة العربية، ويحدها من الجهة الغربية.
تعرف صنعاء بكونها مدينة محصنة طبيعيا من حيث وقوعها بين الجبال والمديريات ذات التضاريس الوعرة المحيطة بها من أغلب الاتجاهات، فمن الشرق جبل نُقم، ومن الغرب جبل عيبان وتفرعاته، ومن الشمال سلسلة جبال متفرقة مثل "جبل ضين، وجبل الصمع"، ومن الجنوب سلسلة جبلية تلتقي غربا بـ"فج عطان" وغيرها من التباب والمواقع التي تتمركز فيها معسكرات الحرس الجمهوري سابقا والموالية للمخلوع صالح، وبشكل دائري من الشرق وحتى الجنوب.
وبموازاة ذلك، تشتهر صنعاء بمجتمعها القبلي، وتضم العديد من القبائل أشهرها خولان، همدان، سنحان (مسقط رأس الرئيس المخلوع صالح) وأرحب، يتنوع ولاءها القبلي بين المخلوع صالح وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وخصوصا القُبل الواقعة في المدخل الشمالي.
ومع قرب العمليات العسكرية لقوات المقاومة والجيش الوطني المؤيد للشرعية، إلى تخوم صنعاء، من جهة (شمال شرق) حيث تقع مدينة مأرب، فإن أي تحرك نحو صنعاء، سيتجه عبر الخط الرئيسي الذي يصل طوله إلى 200 كلم، خصوصا مع فتح المقاومة جبهة جديدة في بني ضبيان إحدى قبائل خولان، القريبة من صرواح آخر معاقل الحوثيين في مأرب.
المال من يحدد مصير صنعاء
وبهذا الخصوص، يسلط رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية، عبدالسلام محمد، الضوء على واقع العاصمة اليمنية صنعاء، قبل شن أي عملية عسكرية من قبل قوات الشرعية المسنودة بالتحالف العربي، التي تحكمها المصالح والمال.
وقال إن "طبيعة صنعاء يجعلها ذات طابع مسالم، لأنها "عبارة عن مصالح مشتركة للجميع،"، وبالتالي فإن "الفاعلية في كثير من الأحداث في العاصمة لها علاقة بالحزام القبلي حولها وليس بمواقف سكان العاصمة".
وتابع في حديث خاص لـ
"عربي21"، أن "الحزام القبلي المحيط بالعاصمة، في الغالب هو من يهدد الدولة داخل العاصمة، خلال فترات الانتقال السياسي أو عقب عواصف التحولات الثورية أو الديمقراطية"، مؤكدا أن تلك القبائل "ذات ارتباطات بالمسلحة أكثر من الانتماء السياسي".
من جانب آخر، أكد عبدالسلام، أن الحزام القبلي لصنعاء، يصبح في حال استقرار الحالة السياسية جزء من الاستقرار للعاصمة صنعاء، وعادة ما تدرك ـ هذه القبائل ـ متى تكون الدولة هشة وضعيفة فتجتاح العاصمة للفيد والسلب والنهب، ومتى تكون هناك متغيرات يفرض عليها الانسحاب من العاصمة"، وفق تعبيره.
وأوضح رئيس مركز أبعاد، أن هناك تنافس حزبي وسياسي داخل تلك القبائل المحيطة بالعاصمة، لكنه لا ينعكس على الأداء العام لتلك القبائل التي تفضل الوقوف مع القوي الحاكم للدولة سواء جاء بشكل شرعي أو غير شرعي".
واستدل بموقف تلك القبائل، التي "غضت الطرف عن مرور مليشيات الانقلاب، بل ساهم بعض المشايخ المحسوبين على صالح، وبعض المنتمين لمعسكرات الحرس، في تعزيز قوة المليشيات الحوثية حتى الوصول إلى صنعاء، بعد أن وصل إلى أنوفهم، رائحة عجز وضعف مؤسسات الدولة".
ولمح رئيس المركز اليمني، إلى أن هذه القبائل، عندما تشعر أن هناك قوة ستلحق بالانقلاب الهزيمة سيسعون للاستفادة المالية منها وسيدعمون مرورها للسيطرة على العاصمة"، وهذا ما يجعل الحزام القبلي أقرب للسكينة منه لحالة الحرب، وبالتالي قد يكون داعما ومساعدا للتحالف في استعادة العاصمة".
من جهة ثانية، تطرق السياسي محمد، إلى بعض التغيرات الملموسة في بعض القُبل المحيطة بصنعاء، من حيث ولاءها القبلي، بقوله "إن القبائل المحيطة بالعاصمة قبائل مصلحة، باستثناء تغيرات طفيفة طرأت على بعض قبائل أرحب وبني حشيش، حيث لعب التعليم دورا كبيرا في مقاومة أبناء أرحب للانقلاب ودعم بني حشيش له". وتشير تقارير صادرة عن المقاومة أن قبيلة بني حشيش شمال صنعاء، عززت جبهات الحوثيين بالمئات من أبنائها، طيلة الحرب الدائرة في البلاد.
ثلاث مراحل لاستعادة صنعاء
وفي شأن متصل، رأى عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية، فهد سلطان، أنه حتى اللحظة لا تبدو معركة صنعاء قريبة، أو وشيكة على أقل تقدير، فكل ما يجري حاليا، "محاولة لزيادة الضغط عليها، وتسلمها دون قتال وحرب"، على حد قوله.
وأوضح في حديث خاص لـ
"عربي21" أن المعطيات على الأرض، تشير إلى أن لدى التحالف العربي بقيادة السعودية، خطة مكونة من ثلاث مراحل لاستعادة العاصمة، لا يزال التحالف في المرحلة الثانية فقط، حيث تمثلت الأولى في "ضرب مخازن السلاح ومعسكرات الحوثيين وقوات صالح".
وأشار سلطان، إلى أن التحالف يتوقع أن يعتمد على أسلوب الحصار والتطويق، كمرحلة ثانية، قبل الانتقال إلى الثالثة وهي "التوغل المباشر، وهي خطوة متأخرة جدا".
ولفت عضو المنتدى الديمقراطي اليمني، أنه بالعودة إلى هذه المراحل السابقة، وتحديدا "التوغل المباشر"، ستصطدم بـ"فيتوا أمريكي" واضح بهذا الخصوص، وهو ما منح صالح والحوثيين قدرة وقوة في المراوغة والاستمرار في البقاء بصنعاء، رغم الحصار وخسارتهم الكبيرة لكثير من مقومات البقاء والمقاومة".
وبحسب السياسي سلطان، فإن "تحرير العاصمة دون قتال، تعد خطوة من الممكن حدوثها، لكنها من وجهة نظره "رهن تحرير تعز"، التي تقابل برفض إماراتي، بسبب حسابات ما بعد التحرير، بناء على شعور بأن" فصيل معين؛ سينعكس ذلك عليه أمام الرأي العام". في إشارة منه إلى حزب الإصلاح.