3 وجوه للسيسي في المصالحة مع الإخوان على محطة "BBC"
القاهرة- عربي21- حسن شراقي05-Nov-1507:23 PM
شارك
لم يتحدث السيسي عن أي إخراج للإخوان من الحياة السياسي - ا ف ب
لجأ رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى الحديث بشكل مختلف في حواريه مع قناتي "بي بي سي "باللغتين العربية والإنجليزية، الأربعاء، عن موضوع المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث تحدث في القناة الإنجليزية بشكل لا يستبعد تلك المصالحة، شريطة موافقة الرأي العام عليها، وفق قوله، في حين استبعد في حواره مع القناة العربية أي إمكانية للمصالحة مع الإخوان معتبرا أن الأمر أصبح "مجابهة"، وليس "مصالحة".
وعلق مراقبون على الأمر بالقول إن "السيسي يتكلم بلسان في الداخل العربي، ومع المتحدثين بالعربية، يختلف عن لسانه الذي ينطق به مع الخارج والمتحدثين بغير العربية، إذ يظهر نفسه كما لو كان متسامحا مع الإخوان، وحريصا على الديمقراطية أمام الخارج، بينما يبدو على صورته الحقيقية في حواراته الداخلية، رافضا أي مصالحة".
الحواران أذاعتهما "بي. بي. سي"، الأربعاء، على قناتيها الإنجليزية والعربية، وأجرت الأول (بالإنجليزية)، الصحفية الكندية البارزة، وكبيرة مراسلي "بي. بي. سي" الدوليين، ليز دوسيت، أما الحوار العربي فأجرته مع السيسي الإعلامية اللبنانية جيزال خوري.
الحوار الأول: مشكلة الإخوان يحسمها الرأي العام
في الحوار الأول توجهت ليز دوسيت إلى السيسي بالسؤال: "لقد ذكرت أن أحد الأمور التي تهدد الأمن والاستقرار في مصر هو جماعة الإخوان المسلمين، التي تمت الإطاحة بها بعد عام في السلطة، وذكرتم أنه تم انتخابكم، وأن هدفك هو عدم وجود الإخوان!.
فقال السيسي: "المشكلة ما بقتش (لم تعد) مع الحكومة، ولا معي.. المشكلة بقيت مع الرأي العام.. مع المصريين .. رد الفعل ده خلَّى الرأي العام في مصر متحسب جدا من التعامل معاهم مرة ثانية.. أي حد يتكلم عن المصالحة في مصر يجد أن الرأي العام رافض للفكرة دي.. لحجم المعاناة".
وأضاف: "الشعب المصري شعب مسالم.. لا يحب العنف.. وخلال السنة والنصف اللي فاتوا، ولحد دلوقتي.. هذا العنف كان له تأثير سلبي جدا على الرأي العام في مصر".
ولدى سؤاله: هناك شعور بالقلق من أنه من خلال التعامل مع الإخوان بهذه الطريقة الحادة أو المتشددة، فإن هذا قد يبعدهم (الإخوان) بعيدا عن أي استعداد أو فرصة لدمجهم في الديمقراطية؟ أجاب السيسي: "القتل والتخريب والتدمير.. خلال -تقريبا- السنتين اللي فاتوا.. كان ليه (لماذا)؟ وأضاف: "البلد دي تسعنا كلنا.
فسألته ليز: "بما في ذلك الإخوان المسلمين؟ إذن فأنت ترى أن هناك دورا لهم؟
فأجاب السيسي: طبعا.. هم جزء من الشعب المصري.. الدور هم (اللي) الذين يحددونه".
وكما يتضح من الإجابات السابقة، فإن السيسي يعترف بالإخوان المسلمين، ويرى أنهم - بحسب تعبيره - "جزء من الشعب المصري"، كما يرى أن لهم دورا في المستقبل، بل وأنهم هم الذين يحددون هذا الدور.
السيسي رأى أيضا أنه لا مشكلة له مع الإخوان، ولا مشكلة لحكومته كذلك معهم، وإنما المشكلة هي مشكلة الرأي العام في مصر مع الإخوان، على حد تعبيره.
وعندما تحدث السيسي عن العنف خلال السنتين الماضيتين كان يتحدث عنه بصفة عامة، ولم ينسبه على الإطلاق إلى الإخوان.
ورأى مراقبون في مجمل تصريحات السيسي السابقة أنها تصب في صالح جماعة الإخوان، وأنها تكذب مزاعم سابقة له حول كون الإخوان إرهابيين.
نسخة تترجم عن السيسي بالإنجليزية:
ونسخة يتكلم فيها السيسي بالعربي للقناة الإنجليزية:
الحوار الثاني: المسار الآن مجابهة وعنف
الحوار الثاني للسيسي جاء مع الإعلامية اللبنانية جيزال خوري، وجاء مختلفا.
سألته جيزال: "هل أنت مستعد لما يسمى بـ"مصالحة وطنية" مع الإخوان المسلمين، على غرار المصالحة مع بعض رجال الأعمال من النظام السابق (تقصد نظام حسني مبارك)؟
فأجاب: "المشكلة بقت موجودة عند المصريين.. عند الرأي العام.. وأنتِ ممكن تحسِّي ده مع المواطن العادي.. المصري واخد على خاطره.. غضبان.. ليه عملتوا فينا كده.. ما كانش الموضوع مستأهل ده كله.. المصالحة التي تتكلمين عنها.. كان المُقدَّم في بيان 3/ 7.. أكتر كتير من الآن".
وأضاف السيسي: "كان المطلوب أن نعيد دورة سياسية جديدة، نشارك فيها كلنا، ونتجنب الأزمة التي حدثت.. بس كده.. لا كان حد سُيقصى..بس أنتَ (يقصد الإخوان) لجأت للعنف، وروعت الناس، وتفجيرات هنا وهنا".
فسألت المذيعة: "فيه حديث عن استفتاء شعبي.. يشوف هل سيكون فيه مصالحة مع الإخوان أم لا؟" فأجاب: ما حدش أبدا (لا أحد) يقدر بشكل فوقي يقول إنه ممكن يقدر يعمل مصالحة دلوقتي (الآن).
فسألته جيزال (بشكل حاسم): نفهم من كلامك أنه ليس هناك مصالحة مع الإخوان المسلمين؟ هنا أقر السيسي بذلك صراحة.. فقال: "المصريين فعلا غضبانين.. لأن اللي حصل صعب قوي.. كان ممكن البلد تضيع.. إحنا بقي لنا سنتين كان ممكن البلد تضيع".
فسألته المذيعة بذكاء وحرفية: هل الجيش غضبان أكثر من الشعب؟
أجاب: الشعب جزء من الجيش (!)، وقُتل منه ناس كتير جدا بدون داع، وطول عمره كان حامي هذا الشعب.
وتابع السيسي: بصراحة .. كانت أزمة.. واللهِ.. الأزمة دي كان ممكن جدا تنتهي ببيان 3/7.
فقاطعته جيزال: لكن هذا لم يحصل؟
فقال: "ما حصلش (لم يحدث).. لكن المسار الذي مشيت به الأمور هو مجابهة وعمل عنيف وإرهاب وتطرف.. مات قد إيه من الجيش والشرطة في هذه المجابهة؟.. ده مش هيتنسي"، على حد قوله.
واضح من هذا الحوار، والإجابات السابقة، أن السيسي يرى أن المجال الآن مجال مجابهة، لا مصالحة، مع الإخوان، وأنه اتخذ قراره بهذا الشأن، دون أي رجوع إلى الرأي العام، أو اعتداد به، على عكس ما حاول أن يظهر نفسه عليه في حواره مع ليز دوسيت، الذي خاطب من خلاله المشاهد الإنجليزي، والأوروبي.
وهنا حسم السيسي أمر المصالحة من جانب واحد هو جانبه، ولم يسندها كما فعل سابقا إلى الرأي العام في مصر، ولا إلى الشعب المصري، الذي تذرع السيسي أيضا - في هذا الحوار - بأنه يرفض هذه المصالحة، على عكس ما قاله في حواره مع ليز.
الغريب أن السيسي مع جيزال اعتبر الشعب جزءا من الجيش، وليس العكس (!)، وبرغم أنه فقد حمَّل الإخوان مسؤولية العنف والإرهاب، إلا أنه لم يجرؤ على التصريح بذلك صراحة، ربما لأنه يدرك في قرارة نفسه أنه كاذب، وفق مراقبين.
بيان يرضي فريق المتطرفين حول السيسي
لجسر هذه الهوة في المسافة بين حواري السيسي نفسه، عن قضية المصالحة ذاتها مع الإخوان، خرج المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير "علاء يوسف"، زاعما أمرا ثالثا لم يقله السيسي في حواريه المتضاربين أحدهما مع الآخر، إذ نسب إلى السيسي أنه قال: "إن الإخوان مصريون، وكانت مواقفهم وأفعالهم الإرهابية والعنيفة خلال العامين السابقين سببا في إخراجهم من الحياة السياسية".
وأضاف أن السيسي قال أيضا: "الشعب المصري هو الجهة الوحيدة التي لها الحرية والدور باختيار المستقبل، وتحديد مصيرهم".
ولما كان الحواران موجودين، وما قاله السيسي موثقا، فالمؤكد أن بيان المتحدث الرسمي باسم السيسي نسب إليه ما لم يقل، ولا ما صرح به.
فقد نسب إليه أنه قال إن "الإخوان مصريون" بينما الصواب أنه قال: "هم جزء من الشعب المصري"، (كما ورد في حوار ليز)، وهناك فارق شاسع بين التعبيرين.
وأنه نسب إليه قوله إن "دورهم (أي الإخوان) يحدده الشعب المصري"، بينما الحقيقي أنه قال إنهم (أي الإخوان) هم من يحددون دورهم، وذلك في حوار ليز أيضا، الموجه إلى بريطانيا وأوروبا والعالم الخارجي.
كما أنه نسب - أخيرا - إلى السيسي قوله إنه "كانت للإخوان مواقفهم وأفعالهم الإرهابية والعنيفة خلال العامين السابقين (التي كانت) سببا في إخراجهم من الحياة السياسية".
لكن السيسي لم يتحدث ألبتة، لا في حواره مع القناة الإنجليزية، ولا حتى في حواره مع القناة العربية، عن أي إخراج للإخوان من الحياة السياسية، كما لم يستخدم هذا التعبير، بل على العكس من، ذلك فإنه لم يتهمهم بشكل واضح بأن لهم مواقف وأفعالا إرهابية وعنيفة، وإن كان ألمح بالفعل إلى ذلك.
وفي تفسير ذلك، رجح مراقبون أن البيان استهدف مخاطبة فريق ثالث هو "شلة المتطرفين" الذين يساندون حكم السيسي في الداخل والخارج، الذين يقتاتون على عدائه للإخوان، ويستمدون ماهية وجودهم من تقاطع مشروعه مع مشروع الإخوان، مشيرين إلى أن هؤلاء المتطرفين كانوا قد أعلنوا ضجرهم بشكل واضح مما صرح به السيسي عن مصالحة الإخوان، رافضين ما جاء في حواريه معا، داعين إلى اعتبار الإخوان "صفحة وطويت".