كتاب عربي 21

إغلاق "الحسين"..المهمة الأمنية الجديدة للسلفيين!

1300x600
كل شيء عاد إلى قديمه، والنهاية المقررة لحزب "النور"، والتي كانت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات كاشفة لها، تؤكد أنه يجري الآن إجلاء السلفيين من المشهد السياسي، ليعودوا لمهمتهم التقليدية، أداة في يد مباحث أمن الدولة سابقا، والأمن الوطني حاليا، في المسائل التقليدية. إن شئت فقل إن جهاز الأمن ألغى انتدابهم الوظيفي للمشهد السياسي ليعودوا إلى وظيفتهم ومجالهم الحيوي!

السلفيون "فرع أمن الدولة"، كان المجال الحيوي لهم هو الساحة الدينية، لكن دخولهم على المجال السياسي، كان في مواجهة الإخوان المسلمين، ألا وأن حكم القوم قد سقط، وعمل هذا الفرع من السلفيين على إسقاطه خدمة للدولة القديمة التي يعملون خدما في بلاطها، فلا مبرر لاستمرارهم في ساحة السياسة فقد أدوا المهمة على خير وجه ومن الطبيعي أن يلغى انتدابهم، ولابد من أن يعودوا من جديد، لمعركة بدأت ولم تكتمل، كانت دولة مبارك قد قررتها ضد "الطرق الصوفية"، وتحت لافتة محاربة الشيعة، وتشكل لهذا ائتلافا سلفيا ضم عشرة أشخاص، جعل من مهمته منع "الشيعة المصريين"، من الاحتفال بذكري استشهاد الإمام الحسين.

لمزيد من التوضيح، فدولة مبارك العائدة بقوة، كانت قبل سقوط رمزها بقرار من ثورة يناير، تحسب كل صيحة عليها، ويقلقها الحضور الجماهيري حول أي فكرة ولو كانت فاسدة أو كانت بعيدة تماما عن السياسة، وكانت لديها دائما "أجندة أولويات"، فحاصرت الخطر الأكبر ممثلا في الجماعات الجهادية، وأنهكت هذه الجماعات بالتعذيب والسجون طويلة الأمد، في وقت كان مبارك يعلن فيه أن الإخوان المسلمين جماعة معتدلة، ثم استدار بعد ذلك لحصار الإخوان، بسجن قيادات الجماعة، ومصادرة أموالها، وتشويهها عبر وسائل الإعلام، حتى إذا كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عهده، كان قراره بعدم إنجاح أي إخواني فيها، وهو قرار اتخذ مثله في انتخابات سنة 1990، وعندما نجح أحدهم، وهو "علي فتح الباب"، في تحالف اضطر له وزير الأوقاف "محمد علي محجوب"، المرشح على مقعد الفئات عن الحزب الحاكم للدائرة نفسها، تمت الإطاحة بالوزير المقرب من مبارك!.

وحيث إن سياسة الأجهزة الأمنية كانت تقوم على ضرب التنظيمات الإسلامية المرتبطة بالسياسة، فقد تم ترك بعض الدعاة غير المسيسين، فبزغ نجم "عمرو خالد"، وكانت هناك مساجد يشد إليها الرحال لصلاة الجمعة، تم ترك خطبائها يعملون في حرية، مثل الشيخ فوزي السعيد، في مسجد شارع رمسيس، الذي كانت صلاة الجمعة فيه حشد قتال. والدكتور عمر عبد الكافي في مسجد أسد الفرات بالدقي. وحسن شحاتة في مسجد كوبري الجامعة، قبل تشيعه، وإذ صليت خلفه في بداية التسعينيات بعد إلحاح من زميل، كان مغرما به، ولم يرق لي، إذ رأيته خطيبا متوسط الكفاءة، فقد راعني هذا الالتفاف حوله، ولم تعجبني "جلافته" في التعامل مع أنصاره بمن فيه زميلي، وأذكر أني قلت له كيف تقبل أن يعاملك بهذه الطريقة المفتقدة للذوق وبصوت جهير أمام الناس؟!

"حسن شحاتة" فتح له التلفزيون المصري أبوابه، تم منعه من التلفزيون بعد حديثه عن أعداد الحور العين اللاتي يفض المسلم بكارتهن في الجنة كل يوم، وقد تجاوزن 300 واحدة، وهو ما كان مثار نقد من الكاتب صلاح منتصر في عموده بـ "الأهرام". واستمر في مسجده رغم أن خطبه لم تكن تخلو في كل مرة من الهجوم على اليهود، وفي مسجد لا يفصله عن السفارة الإسرائيلية سوى شارع، وكان مكبر الصوت يجعل من في السفارة يستمعون للخطبة كما لو كانوا في المسجد!.

وبعد هذا وضعت سياسة "سقف الشهرة"، لكل إنسان في مصر، ولأن هؤلاء الدعاة ومع تقديمهم لخطاب يتحرى البعد عن السياسة، ولأن شهرتهم تجاوزت هذا السقف فقد منعوا من الخطابة، ونُصح "عمرو خالد" بمغادرة البلاد، وسجن الشيخ "فوزي السعيد" فيما عرف بتنظيم الوعد، ومنع بعد خروجه من العودة لمسجده، كما سجن "حسن شحاتة" بتهمة التشيع.

وكان الحضور الجماهيري الكثيف ولو في الجنازات مما يقلق نظام مبارك، الذي كانت وزارة الداخلية تقوم على خدمته، فعند وفاة الشيخ "عبد الحميد كشك"، كان الطلب من أسرته أن تقوم بدفنه سريعا، وكان التحذير واضحا: إن لم تدفنوه أنتم دفناه نحن. قبل أن يعلم القاصي والداني بخبر الوفاة، فيهبوا للمشاركة في جنازته وهو نجم المنابر بلا منافس!

وقد كان هذا مبررا في حالة الشيخ كشك، فهو رمز المعارضة الدينية، لكن غير المبرر إلا في إطار فهم هذه السياسة، أن يكون التحوط أيضا من الحضور الجماهيري في القاهرة لتشييع جنازة الشيخ "الشعراوي"، رغم أنه كان جزءا بدرجة أو بأخرى من الدولة القائمة، ولم يكن خصما للنظام في أي مرحلة، دعك من تأويلات المحبين الآن لخطابه لمبارك احتفالا بنجاته من حادث أديس أبابا، فالنظرة إلى ما قال في حينه أنها في سياق الاحتفال وضمن التأييد له، وليست "كرسي في الكلوب"!

كان طبيعيا أن تخرج جنازة الشيخ "الشعراوي" من مسجد "عمرو مكرم" بوسط القاهرة، لكن لأن دولة مبارك كانت ترى أن حضورا جماهيريا حاشدا في جنازة الرجل، يعني أن الشارع في اتجاه آخر وإن كان يمثله متوف، فكان الطلب من أبنائه أن يدفن في قريته، والجنازات في الريف ليست تعبيرا عن الشعبية، فالحضور فيها يكون من باب الواجبات الاجتماعية. وإذ جاء الحضور طاغيا فلم يجرى إبرازه إعلاميا.

وقد اعترضت وزارة الداخلية على قرار خروج جنازة زعيم حزب الوفد، فؤاد باشا سراج الدين، من مسجد "عمر مكرم"، لأن الحشود ستكون لافتة، ومع إصرار قيادات الحزب على ذلك، كان القرار الأمني بإفساد الجنازة، فلم تكد تخرج من المسجد حتى تعرض المشيعون لاعتداء مبرح من قبل قوات الأمن، لم يوقر أحدا بمن في ذلك مندوبي السلطة، بل إن شيخ الأزهر الراحل "محمد سيد طنطاوي" نال نصيبه من هراوت الأمن المركزي، وكان وزير الداخلية "حبيب العادلي" يجلس في سيارته غير بعيد، ليطمئن بنفسه على تفريق الجنازة، ويشرف على مهمة إفشالها!

وقبل هذا وبعده، فقد كانت الطرق الصوفية تمثل التدين المريح، وحضور أفرادها في "الموالد" بالآلاف ولعدة أيام لم يكن يثير أي قلق لدى أي نظام بل ودت الأنظمة المتعاقبة أن هذا اللون من التدين يكون هو السائد، فالقوم لا علاقة لهم بالسياسة، ولا وعي لهم بها، وطقوسهم تمثل أفيونا للشعوب، فلا تطالب بحقوقها وليست مشغولة فيما لا يعنيها، وبعيدا عن حلقة الذكر والذبائح لا يشغلهم شيء، بل إنهم ليسوا مدعوين لأي حضور سياسي ولو كان انتخاب الحزب الوطني، وإن كان ولاء قياداتهم وحضورهم في بعض المناسبات الدينية السياسية، وتعيين شيخهم في المجالس النيابية وترشيحه بعد ذلك على قوائم الحزب الوطني، هو نوع من الشكل لا يشغل الأتباع غير المشغولين أصلا بشيء من هذا.

وفي السنوات الأخيرة من عهد مبارك، وعندما بدأت المعارضة ضده تشتد، كان بعض مشايخ الطرق الصوفية، ولتأكيد الولاء يعلنون أنهم مع الرئيس، وفي آخر انتخابات رئاسية أعلنوا أن عددهم خمسة عشر مليونا سيصوتون لمبارك، لكن جملة ما حصل عليه مبارك مع التزوير، تجاوز الخمسة ملايين صوت بصعوبة، قال المسيحيون إنها أصواتهم.

وعقب ثورة يناير، عولت على حضور الطرق الصوفية في "حلبة السياسة"، لإحداث التوازن، الذي عجزت القوى المدنية على تحقيقه، وقد دافعت عن خوض السلفيين مجال السياسة، حتى لا ينفرد الإخوان بالمشهد، وعولت كثيرا على دعوة الشيخ "علاء أبو العزايم"، شيخ الطريقة العزمية، لمليونية من الطرق الصوفية بميدان التحرير، فقد كان يهاجم الإخوان والسلفيين، وكان هو الوحيد الذي وجه نقدا سياسيا للسلطة في عهد مبارك، وبدا هو الوحيد من مشايخ الطرق الصوفية من له اهتمامات سياسية، نتيجة لأنه عاش فترة من عمره في الولايات المتحدة الأمريكية!

لكنها كانت مليونية خيبة الأمل، فقد عاد زملائي المكلفين بتغطية هذا "الحدث التاريخي" من "ميدان التحرير"، ممتلئين بروح السخرية والدعابة، وكأنهم عائدون من مسرح "عادل إمام"!.
تقريبا لم يحضر أحد، والصورة المهمة التي اخترتها للنشر في الجريدة، كانت لدرويش يحمل راية ضخمة لطريقته ويطوف بالميدان!.

قبل ثورة يناير، طُرح داخل الدوائر الأمنية سؤالا مفاده ماذا لو قررت الطرق الصوفية استغلال شعبيتها والعمل في السياسة؟.. وهو سؤال افتراضي، لكنه مع ذلك بدا أمام رجال الأمن الذين يرون أن دورهم منع الجريمة قبل وقوعها يستحق الاهتمام، وجزء من هذا التفكير كان بسبب التقارب السلفي- الأمني؟!

إنهم سيكونون أقوى من أي حزب، بل ومن أي رئيس، ولو كان مبارك نفسه. واستغل السلفيون هذا التوجس المبني على فرضيات غير منطقية، ليروجوا لدى القادة الأمنيين عبارة جرى اعتمادها أمنيا، وهي "من تصوف فقد تشيع"، وبطبيعة الحال، فإن من تشيع صار "تمامه" بالمفهوم الأمني في طهران. وفي أكثر من مرة فجرت هذه الأجهزة قضايا لتنظيمات شيعية، وأحالت المتهمين للنيابة، وفي إحدى هذه القضايا كان إمام مسجد كوبري الجامعة نفسه متهما بقيادة تنظيم شيعي.

وإذ كان "رجب هلال حميدة" قد افتضح أمره في التنظيمات الجهادية، وفي آخر اعتقال له كان المعتقلون معه يهتفون في العنابر "صلي لنا ركعتين تجسس يا شيخ رجب"، فقد جرى له تحويل مسار ليستكمل مهام عمله داخل التنظيمات الشيعية ويقف على علاقاتها الخارجية، وقد بدأت الخشية من أن يحدث المستحيل ويقرر الصوفية الاشتغال بالسياسة، فتكون قبلتهم هي إيران، باعتبار أن "من تصوف فقد تشيع"!.

الذي جعل المستحيل ممكن الحدوث في العقلية الأمنية، هو وجود شخصية على رأس طريقة تاريخية هو الشيخ "علاء أبو العزايم"، شيخ الطريقة العزمية، وهو ليس لديه أفكارا دينية تدفعه للتمرد، فقد كان شخصا عاديا، وقد استدعي من الخارج لينافس على رئاسة الطريقة، بعد وفاة والده، والتوريث أسلوب معترف به في رئاسة الطرق الصوفية، وربما كان هو الوحيد الذي مد جسور الصلة مع إيران، ولا أظن أن هذا يتم لقناعات دينية أو فكرية، فظني أنه يفتقد لأي قناعات يمكن أن تدفع به في أي اتجاه، فربما المصالح، وربما يجد هناك حفاوة تؤثره، وربما لأن تفتحه لم يجعله نموذجا للصوفي التقليدي فهو يشارك في الكثير من المؤتمرات الدولية المهتمة بالشأن الصوفي، التي تعقد في الخارج في حين أن اقرأنه مشايخ الطرق الأخرى درويش، أو مدعون للدروشة!.

بوفاة الشيخ "أحمد كامل ياسين" شيخ مشايخ الطرق الصوفية في سنة 2008، وفي مواجهة الخطر المحتمل، قادت مباحث أمن الدولة الانشقاق داخل المشيخة، وهي تجربة فعلتها على رئاسة بعض الأحزاب السياسية بهدف إضعافها، فرأت استدعائها هنا، وكانت البداية عندما تقدم "أبو العزايم" لشغل الموقع وبتأييد صوفي كبير، لكن سرعان ما تراجع عندما وجد أن الدولة تدفع بعبد الهادي القصبي للمنصب، وكان يظن أن الدفع به جاء بقرار من مبارك، لكنه عندما علم أنها تزكية من مباحث أمن الدولة، عاد منازعا، فكان لابد من تدعيم نهج الانشقاق، ضمن خطة إضعاف الطرق الصوفية، أخذا بالأحوط.
لقد تم استغلال وباء أنفلونزا الطيور والخنازير، لترى السلطة قدرتها على إلغاء "الموالد"، وكان أول "مولد" جرت معه ذلك هو "مولد السيدة زينب"، وطاردت قوات الأمن المحتفلين بهذه المناسبة السنوية التي يشدون لها الرحال من كل أنحاء البلاد.

وقد قامت ثورة يناير، وتنحى مبارك، وردد بعض الصوفية في مجالسهم أن هذا انتقام أولياء الله من نظام مبارك بسب اتجاهه لمنع إقامة الموالد، لكن بعودة دولة مبارك على يد عبد الفتاح السيسي، وعودة جهاز أمن الدولة بكل قوته، تم التفتيش في الدفاتر القديمة، ووجدوا فيها قاعدة "من تصوف فقد تشيع"!.

في عهد الرئيس محمد مرسي، كان حزب النور، قد استدعي في مهمة من رعاته الأمنيين، لمنع التقارب المصري – الإيراني، وحرم الرئيس من مجرد المناورة بهذا الملف، وفي مواجهة حصار دول الخليج، والتأمر على الثورة، التي لم تكن تنحاز لها خليجيا إلا قطر.

كان الرئيس الإيراني قد زار مصر في عهد الرئيس محمد مرسي، ولم يجد حفاوة كان ينتظرها بعد سقوط مبارك، وعامله شيخ الأزهر (الذراع الديني للثورة المضادة) معاملة تفتقد للاحترام، عند زيارته لمشيخة الأزهر، وبرسالة تقول له أنه ليس مرحبا به أيضا في الدولة الجديدة، التي يعد وجود شيخ الأزهر فيها ما يعني أن الدولة القديمة بكل سياساتها وشخوصها قائمة. والشيخ أحمد الطيب لمن لا يعلم هو عضو سابق في لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك.

ولأن السياحة الإيرانية كانت كفيلة بحل كثير من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها مصر، فقد قاد حزب النور حملة كبرى، استهدفت تصوير الموقف على أنه سماح للمبشرين الشيعة بزيارة مصر، وعلى نحو ظننت معه أن السائح الإيراني إذا مر بجانب السني المصري، فإن مجرد مروره سيدفعه للانتقال من المذهب السني إلى المذهب الشيعي بالعدوى!

كنت عنيفا في الرد على هذا التصور المأزوم، فالدولة الفاطمية الشيعية حكمت مصر أكثر من 200 عام، وخرجت من مصر ولم تترك خلفها من أثار التبشير إلا الموالد والاحتفالات الدينية، وحب آل البيت، فالمذهب السني هو المذهب المصري المعتمد.

كنت أظن أن حزب النور مدفوعا في موقفه بانغلاق فكري ومذهبي يميز قياداته بحسبانهم سلفيين، ولم أكن أعلم أنه كان يقوم بمهمة لصالح دولة مبارك وبإيعاز من أجهزتها الأمنية.
وبدا لي الرئيس لا يدري ماذا يفعل، فهواه كان في اتجاه آخر، وإن كان هذا الاتجاه يناصب حكمه العداء، ليصدق فيه قول الشاعر:

جننا بليلى وليلي جنت بغيرنا.. وغير ليلي بنا مجنونة لكن لا نريدها

في أول مؤتمر انتخابي له، عقده في الجيزة في ميدان "نهضة مصر" القريب من مبنى السفارة السعودية، حرص الدكتور محمد مرسي على زيارة السفير السعودي في مكتبه قبل أن يلتقي بجماهيره، وكان هذا موضوع مقال عنيف كتبته ضده لأنه يستمر في خط التبعية الذي دشنه مبارك، وينبغي أن تعود مصر بعد الثورة، هي الشقيقة الكبرى وليس غيرها.

وبدأ الرئيس محمد مرسي في مزايدات حزب "النور"، لم يحسم خياراته، وكان يرى أن الحزب في مزايداته يسحب البساط من شعبية جماعته، فبدا حرصه على شعبية الجماعة مقدم على إنجاح تجربته كرئيس، في مواجهة هذا الحصار الخليجي!

في ظهران، خرج الرئيس مرسي على الأعراف الدبلوماسية، وحرص على أن يضرب مضيفيه تحت الحزام، ليس كرئيس محاصر، ولكن كزعيم لأهل السنة والجماعة، ففي مقدمة خطبته صلى على عمر، وأبي بكر، وعثمان، بجانب علي. وكانت هذه تكفي، لكن الخطاب كله كان رسائل تستهدف القوم. وفي خطابه بمناسبة نصرة الثورة السورية، علا صوته وهو يقول "لا مكان لحزب الله في سورية"، وهي رسائل دفع ثمنها بعد ذلك بتأييد طهران للانقلاب العسكري، والدور الإيراني في الانقلاب لم يتكشف بعد، وطهران كانت حاضرة بقوة، مع محاولات إقناع البيت الأبيض بإسقاط الرئيس المنتخب بانقلاب عسكري، إذ استدعاها الدكتور محمد البرادعي للقيام بدور في الانقلاب وقدمت تنازلات في الملف النووي "عربون محبة" للموافقة الأمريكية عل الإطاحة بالرئيس.

وكان قد تم استخدام الملف الشيعي، كالملف المسيحي في التشهير بحكم الرئيس مرسي داخليا وعبر إعلام الثورة المضادة، فتم تصوير أن حكم مرسي خطر على "الأقلية" الشيعية. ولا يوجد هناك إحصاء بعدد الشيعة المصريين، وإن كان تقرير الحرية الدينية الصادر من الخارجية الأمريكية في سنة 2006 قدرهم بـ (1) في المئة من المصريين البالغ عددهم في هذا التاريخ (47) مليون نسمة، وأحد الشيعة المصريين شكك في هذه النسبة وقال بل هم مليونا ونصف المليون نسمة.

موقع "الاشتراكي"، لسان حال "الاشتراكيين الثوريين"، لعب على هذا الملف في عهد مرسي، وأصدر تقريرا حمل عنوان: "الشيعة في مصر تاريخ من الاضطهاد"، مؤكدا أن اضطهادهم لا يزال مستمرا في العهد الجديد.

لقد قتل الداعية الشيعي حسن شحاتة في أحد قرى محافظة الجيزة، وجرى التمثيل بجثمانه بشكل غير إنساني، كما قتل بعض مرافقيه  الذين اعتادوا على الحضور إلى منزل بالقرية ليعقدوا فيه جلساتهم، وقد كان واضحا أن من قتلوه ومثلوا به هم أناس عاديون، لكن الإعلام المعادي للرئيس محمد مرسي استخدم هذه الجريمة في الترويج بأن القتلة من الإخوان، أو من حلفائهم من السلفيين، وكان يبدو ظاهريا أن "النور" من حلفائه، وقد استخدم كل عبثه وممارساته الطفولية في التشهير بحكم الرئيس!

لقد وقع الانقلاب العسكري، ولم يجد سلفيو حزب "النور"، وشيخ الأزهر غضاضة في التقارب الإيراني- المصري، والتقت كافة الأطراف بشيعة إيرانيين وتبادلوا الود والاحترام والتقدير، مع أنهم أقل قدرا من الرئيس الإيراني، وقد أعلنت الزعامات الشيعية في مصر ومن بينها الدكتور أحمد راسم النفيس، انحيازها للانقلاب وتأييدها لعزل الرئيس المنتخب، وتكررت زيارات وفود صحفية وإعلامية لطهران، ولم يجد شيوخ أزهريين غضاضة من الجهر بزيارتهم.

لكن الأمور آخذة في التغيير الآن، فقد جرى توقيف الشيخ "ميزو" العائد من طهران أربع ساعات في مطار القاهرة، كما جرى توقيف النفيس وغيره، وتم إغلاق مسجد الحسين، بعد تشكيل عشرة أفراد من السلفيين "ائتلاف الدفاع عن الصحابة وآل البيت" جعل من مهمته مراقبة الشيعة في الاحتفال بعاشوراء في المسجد والتصدي لهم!

الائتلاف مكون من عشرة أفراد، وما يقوم به يوقع عناصره تحت طائلة القانون، ولا نظن أن السلطة عاجزة عن مواجهتهم أو ردعهم، فالموضوع برمته واضح للعيان أنه تشكيل أمني استهدف الأغلبية الصوفية، وليس الأقلية الشيعية!.

فمسجد الإمام الحسين، هو خارج الاهتمام السلفي العام، غير المعني بضبط سلوك الناس بداخله، لأنه مسجد فيه ضريح، ويحرم سلفيا الصلاة فيه، وكل ما يجري بداخله وحوله يدخل في دائرة المحظور السلفي!.

المضحك هو ما قاله من يدعى "وليد اسماعيل" منسق ما يسمى بالائتلاف السلفي أنهم دخلوا المسجد المغلق، وتلفتوا يمينا ويسارا لكي يصطادوا الشيعة المصريين الذين يهدفون لتصوير أنفسهم وتقديم صورهم للدولة الإيرانية، ليثبتوا احتفالهم بذكرى استشهاد الحسين للحصول على تمويلات مالية، وإذ عثروا على مجموعة في مكان منزو تمارس طقوسها، فقد ألقوا القبض عليهم وتقديمهم لقسم الشرطة، وكأن وزارة العدل منحتهم الضبطية القضائية للقيام بهذه المهمة، التي تمثل جريمة معاقب عليها قانونا، فالقبض على مواطنين يخالفون القانون ليس من سلطة ائتلاف المحتسب بأمر الله "وليد إسماعيل"!.

ويبدو أن المذكور والتسعة الآخرين في تنظيمه شبح، لا تملك أجهزة الأمن حيالهم إلا أن تغلق المسجد، وتخضع لهم عندما يخالفون القانون، ويدخلون مسجد الحسين بحثا عن شيعة يهدفون من احتفالهم أن يتقاضوا "تمويلات مالية" من إيران!

ويبدو أن أخينا "المتحسب"، لا يعلم أنه لو انعطف يمينا، فسوف يجد نفسه أمام مسجد الحاكم بأمر الله الذي جرى تسليمه منذ زمن للشيعة البهرة، "تسليم مفتاح"، كان عليه لو صدقت النوايا أن يطارد من تم تمكينهم منه دار دار .. زنقة زنقة.

لقد عادت ريما، وبعودتها سيتم وصل ما انقطع بمواصلة النضال ضد الخطر الصوفي، وائتلاف من عشرة يمكن من خلاله إلغاء الموالد، ووقف الاحتفالات الصوفية، في دولة تخشي من أي تواجد جماهيري ولو على قواعد الدروشة والغيبوبة الدينية.

وإذ انتهى دور السلفيين من الفرع إياه، في الحياة السياسية، فإن لهم مهمة أمنية جديدة، هي التصدي للصوفيين وللشيعة "على البيعة"، بعد أن أيدوا الانقلاب العسكري وبايعوا السيسي على المنشط والمكره، ظنا منهم أن "تحت القبة شيخ"!.

إنها نهاية شهر العسل!