نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا حول تنامي الغضب في صفوف الشباب
الفلسطيني، واستحالة السيطرة عليهم في ظل فشل المسار السياسي المنبثق عن اتفاقيات أوسلو، وتواصل السياسات الاستيطانية
الإسرائيلية رغم القوانين والقرارات الدولية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن سلطات الاحتلال قامت بتدمير منزل عائلة مهند حلبي، كإجراء انتقامي بعد قيام الشاب البالغ من العمر 19 سنة، بطعن إسرائيليين اثنين في البلدة القديمة في القدس، في الثالث من أيلول/ سبتمبر الماضي، قبل أن تطلق عليه الشرطة الإسرائيلية النار لترديه قتيلا.
وذكرت الصحيفة أن حلبي، الذي كان يدرس الحقوق في جامعة القدس، كان قد حضر قبل أيام من تنفيذ العملية جنازة شاب آخر قتله جنود الاحتلال في الخليل. وقد علق حينها عبر حسابه على "فيسبوك" قائلا: "بعد ما شاهدته اليوم، أنا واثق أن الجامعة ستخرج جيلا يسير على خطى الشهيد".
وقالت الصحيفة إن غضب مهند وبقية أقرانه من الشباب الفلسطيني كان في تزايد مستمر منذ فترة، وكان يبلغ ذروته خلال الأعياد اليهودية، عندما تقوم مجموعات اليهود المتطرفين بتدنيس المسجد الأقصى، حيث يدخل الفلسطينيون في مواجهات يومية مع جنود الاحتلال والمستوطنين.
ونقلت الصحيفة عن شفيق حلبي، والد الشهيد مهند قوله: "لم أكن أتصور أن ابني قادر على القيام بكل هذا، هذا الجيل الجديد يحمل مشاعر قوية تجاه القضية الفلسطينية، ونحن كآباء لا يمكننا السيطرة عليهم، لأنهم يشاهدون الجرائم اليومية التي يرتكبها المستوطنون والجنود الصهاينة".
ولاحظت الصحيفة أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي شهد منذ أسبوعين مستويات جديدة من التصعيد، حيث تعددت هجمات الفلسطينيين باستعمال السكاكين ضد الإسرائيليين في
الضفة الغربية والقدس، باستثناء عملية قتل مستوطنين اثنين في 1 تشرين الأول/ أكتوبر قرب نابلس؛ وتبنتها خلية تابعة لحركة حماس.
وعادت الصورة المعهودة للمواجهات في الشوارع، حيث يظهر شبان فلسطينيون عزل، يغطون وجوههم بقمصانهم أو كوفياتهم، ويحملون في أيديهم حجارة أو زجاجات حارقة، ويتحركون وسط دخان كثيف بسبب العجلات المطاطية المشتعلة، في مواجهة جنود الاحتلال الذين يطلقون الرصاص المطاطي أو الحي. ورغم الخطر المحدق، فإن الشبان يتحدّون جيش الاحتلال ويدخلون معه في كر وفر، وتتواصل المواجهات لأيام دون كلل أو ملل.
وفندت الصحيفة الادعاءات التي تقول إن هذه التحركات الفلسطينية والتضحيات التي يقدمها مهند وأمثاله؛ عبثية ولا تفضي لأي نتيجة.. إذ يتوهم البعض أن الوضع لم يتغير طيلة السنوات الماضية، لأن السياسات الاستيطانية ظلت تنهش أطراف الأراضي الفلسطينية، ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والقوانين الدولية.
ولكن الواقع، بحسب الصحيفة، هو أن هذا الوضع الذي نجم عن اتفاقات أوسلو، خلق جيلا جديدا في المجتمع الفلسطيني، يملؤه الغضب والنقمة من الاحتلال الإسرائيلي، وهو "جيل أوسلو"، الذي تتراوح أعماره بين 16 و25 سنة، والذي ولد في فترة توقيع اتفاقيات أوسلو في واشنطن في سنة 1993، على أمل التحضير لتحقيق
السلام وإقامة دولة فلسطينية.
واعتبرت الصحيفة أن تبدد حلم الدولة، وانكشاف العديد من الأكاذيب خلال السنوات التي تلت الاتفاق، ودوامة العنف المتواصل، والعدوان المتكرر على قطاع غزة، والفشل التام الذي منيت به السياسات التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية؛ التي افتقدت للمصداقية والشرعية بسبب تفشي الفساد وغياب الانتخابات، كلها عوامل أنتجت جيلا جديدا في قطيعة مع أساليب الجيل السابق.
وأضافت الصحيفة أن هذا الجيل الذي ظهر بعد اتفاقات أوسلو، يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتناقل مقاطع الفيديو التي تفضح الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ويشحذ الهمم للدفاع على المسجد الأقصى.
ونقلت الصحيفة عن عنان، وهو شاب من بير زيت يبلغ من العمر 22 سنة، قوله: "الجيل الجديد لا علاقة له بجيل الانتفاضة الثانية في سنوات الألفين، لأنه لا ينتمي لحماس ولا لفتح، ويستفيد من تطور التكنولوجيا للتعرف على تاريخه الوطني والحصول من المعلومات من مصادر متعددة".
كما ذكرت الصحيفة أن المسئولين الإسرائيليين، الذين يقفون عاجزين أمام انتفاضة "جيل أوسلو"، يوجهون أصابع الاتهام لمحمود عباس وسلطته، رغم أن عباس ظل وفيا لسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وذكرت الصحيفة عباس وإسرائيل كلاهما يتجاهلان حقيقة الوضع، وهي أن الشارع الفلسطيني أصبح يتحرك من تلقاء نفسه دون إيعاز أو توجيه من أحد، بعد ظهور جيل جديد يتميز بالجرأة والوطنية، مثل الجيل الذي صنع الربيع العربي، وهذا ترك هياكل السلطة الفلسطينية والاحتلال في حالة من الذهول والارتباك".
وقالت الصحيفة أنه في جامعة بير زيت، قرب رام الله، تجمع مئات الطلبة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر للاستماع لخطابات القيادات الطلابية، حيث تجتذب هذه الوقفات الأساتذة والطلبة، والفتيات المحجبات وغير المحجبات على حد السواء. وقد كثف الطلبة خلال هذه الفترة الأخيرة من الحديث عن الانتفاضة والدعوة للوحدة ونبذ الخلافات، وتجاوز التقسيمات السياسية الكلاسيكية بين حركتي فتح وحماس.