إن دليل العمدة للصهيونية على امتلاك
القدس وتهويدها واحتكارها وجعلها "بيت اليهود" وحدهم، هو ما جاء في أسفار العهد القديم، وتحديدا في سفر التكوين، مما أسموه "وعد الله" لإبراهيم عليه السلام بامتلاك الأرض المقدسة له ولذريته، ومن هذه النصوص:
1- "فقال الرب لإبرام ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لأن جميع الأرض التي أنت ترى أعطيها لك ولنسلك إلى الأبد" تكوين 13: 14، 15.
2- "واجتاز إبرام في الأرض من مكان شكيم إلى لوطة موره، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض، وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض" تكوين 12: 6، 7.
3- "وفي ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر
مصر إلى النهر الكبير نهر
الفرات" تكوين 15: 18.
ونحن سنعتمد قي تفنيد هذا الدليل العمدة على منطق النقد الداخلي للنصوص، وهو منهاج سلم ويسلم به العقلاء من كل الديانات والفلسفات والثقافات والحضارات، وبهذا المنطق يستبين:
1- تناقض نصوص هذا "الوعد"، فمرة يكون الوعد بهذه الأرض لإبرام ونسله من بعده، ومرتان يكون الوعد لنسل إبراهيم من دونه!.
2- ثم - وهذا هام جدا - ما هي حدود هذه الأرض الموعودة ومساحتها؟ إذ مرة تكون مساحتها هي مساحة الأرض التي تراها عيون إبراهيم وهي مساحة يستحيل تحديدها الآن!، ومرة نراها محددة بأرض كنعان، الأمر الذي يستدعي التساؤل: هل كانت عيون إبراهيم تبصر جميع أرض كنعان؟!.
ومرة ترى هذه الأرض شاملة لما بين النيل والفرات؟! مما يستدعي السؤال: هل كانت أرض كنعان شاملة لما بين النيل والفرات؟! وهل كانت عيون إبراهيم تبصر ما بين النهرين؟! وذلك فضلا عن وصف الفرات بالنهر الكبير دون نهر النيل الذي هو أطول أنهار الدنيا على الإطلاق؟!.
وانطلاقا من هذه التناقضات الصارخة داخل نصوص هذا "الوعد" الذي جعلوه مقدسا، يتساءل العقل المجرد والمحايد عن إمكانية بناء الأوطان والدول والحقوق على مثل هذه الوعود؟!.
وفوق كل ذلك، يأتي النقد الداخلي للكتاب الذي وردت فيه نصوص هذا "الوعد"، ولقد تكفل علماء يهود كبار بنقد نصوص العهد القديم، ونشروا هذا النقد في كتاب حرره ونشره العالم اليهودي "زلمان شازار" بعنوان "تاريخ نقد العهد القديم من أقدم العصور حتى العصر الحديث"، ولقد ترجم الجزء الأول من هذا الكتاب بواسطة المركز القومي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية عام 2000م، وفي هذا الكتاب برهان قاطع على:
1- إن العهد القديم قد بدأت كتابته بواسطة أحبار اليهود في القرن الخامس قبل الميلاد، أي بعد ثمانية قرون من عصر موسى عليه السلام.
2- أن سفر التكوين -الذي جاء به هذا "الوعد" لم يدون إلا في القرن السابع قبل الميلاد- أي بعد سبعة قرون من عصر موسى.
3- وبنص هذا النقد الداخلي للعهد القديم، الذي شهد به العلماء اليهود، فإن "هذه الأسفار المقدسة هي من طبقات مختلفة، وعصور متباينة، ومؤلفين مختلفين، فلا ارتباط بينهما، سواء في أسلوب اللغة أم في طريقة "التأليف".
فهل تصح في العقول والأفهام أن تقام الأوطان على ما هو أو هي من بيت العنكبوت؟!.