عدّ مراقبون ما جاء في رسالة
الاستقالة التي أعلن عنها الوزير المكلف لدى رئيس الحكومة بالعلاقات مع مجلس
نواب الشعب التونسي، لزهر العكرمي، "دليلا آخر على حالة
الفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة، أمام عجز حكومة الحبيب الصيد عن التصدي لها ومكافحتها".
وكان العكرمي قد أكد الاثنين، في رسالة استقالته التي اطلعت عليها "
عربي21" أنه أصبح يتساءل إن كانت هناك "إرادة فعلية للتصدي للفساد"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن محاربة الفساد بمسؤولين فاسدين"، على حد قوله.
كما نبه إلى "ملفات بعينها، وإلى أشخاص متورطين لا يستحقون الطرد فقط، بل المحاسبة الفورية والسجن"، لكنه وجد نفسه "كمن يصيح في الربع الخالي، أو من يجدّف في بحيرة لا ماء فيها، في حكومة قيل إن أيديها مرتعشة، وأنا أقول إن لا أيادي لها أصلا لترتعش" وفق تعبيره.
وتابع الوزير المستقيل بأنه "يخجل من نفسه عندما يرى ثقة عشرات الآلاف؛ يُحولها إلى راتب شهري وزاري، يأتي من جيوب المكلفين بالضريبة، الذين يئنون تحت وطأة غلاء الأسعار"، مضيفا أنه يرفض أن يجلس على مكتب فخم، ويقود سيارة مرسيدس فخمة، ويتقاضى راتبا وزاريا ويمتع بامتياز "كوبونات" البنزين.
غارقة في الفساد
من جهته قال الكاتب العام للجمعية التونسية لمكافحة الفساد المحامي عمر السعداوي، إن ملف مكافحة الفساد في حكومة الصيد مسألة ثانوية، "أو هي ليست ضمن جدول اهتماماتها"، بحسب تعبيره.
وأضاف السعداوي لـ"
عربي21" أن ما جاء في رسالة الوزير المستقيل "يؤكد جازما أن مؤسسات الدولة التونسية غارقة إلى حد النخاع في الفساد المالي والإداري"، مؤكدا أنه "لا يمكن التأسيس لانتقال ديمقراطي، أو لعدالة اجتماعية، أو لحرية سياسية، أو تعددية حزبية؛ في غياب مناخات القضاء على الفساد في البلاد، وخاصة في مؤسسات الدولة".
وأشار السعداوي إلى أن الرسالة التي تضمنت تقييما للأوضاع والأسباب التي أدت إلى الاستقالة؛ أكدت وجود مسؤولين فاسدين، وغياب استراتيجية وطنية لمقاومة الفساد، "كانت الجمعية قد دعت في مناسبات كثيرة إلى وضعها واعتبارها من الأولويات الوطنية".
وتابع: "جمعيتنا نبهت منذ فترة؛ إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار؛ تقارير الهيئات الدولية بخصوص هذه الظاهرة المدمرة، والمؤشرات التي ارتفعت بترتيب تونس عشرات النقاط".
وتساءل عما إذا كانت الاستقالة تعبّر عن مسار صحي في عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، أم هي تكشف في حقيقة الأمر عن علاقة مشبوهة بين الأحزاب التي ظهرت بعد الثورة، وبين السلطة، وعلاقتها بـ"لوبيات" المال والفساد؟
وربط السعداوي بين استقالة العكرمي، وبين انسحاب القيادي في حزب "المؤتمر" سابقا، المحامي محمد عبو، من حكومة حمادي الجبالي في حزيران/يونيو 2012، حيث كان يشغل حقيبة وزير مكلف بالإصلاح الإداري لدى رئيس الحكومة.
تسرب الفاسدين
من جانبه؛ قال رئيس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو: "ربما ألتقي مع العكرمي في استقالتي، ولكن في نقطة واحدة، وهي أن طرفي الحكومة اليوم هما حركتا
النهضة ونداء تونس، فالأولى لم تسعَ بتاتا إلى فتح ملفات الفساد بشكل جدي، ولا إلى إنجاح سياسة التحكيم الرشيد، أما نداء تونس فهو الحزب الذي وصل إلى السلطة بالاستعانة بالمال الفاسد".
وتابع لـ"عربي21": "كان يُفترض في كل من شارك في هذه الحكومة؛ أن لا يتوقع منها فتح ملفات الفساد، بل عليه أن يتأكد من تسرب الفاسدين إليها، وهذا كان مؤكدا بالنسبة لنا".
وأضاف عبو الذي يعارض حزبه مشروع "قانون المصالحة" أنه "ليس من دورنا إحباط التونسيين، لكننا نحثهم على حماية الدستور، والتصدي لمشروع قانون المصالحة الذي يُعد غير دستوري، مثلما نحث الحكومة على أن تصلح حالها؛ لأنها باتباعها هذا الطريق؛ لن تبلغ إلا الفوضى"، وفق تعبيره.
وتعد استقالة لزهر العكرمي، الذي يُعد أحد مؤسسي حزب "نداء تونس" في حزيران/يونيو 2012، الأولى في حكومة الحبيب الصيد، منذ تشكيلها في شباط/ فبراير الماضي.