كتب
محمد سعد عبد الحفيظ: بعد هدوء عاصفة «انتفاضة الخبز»، التى هزت عرش الرئيس «المؤمن» محمد أنور السادات، فى 18 و19 يناير عام 1977، قرر الرجل أن يرد الإهانة التى ألحقها به وبنظامه، الشعب الذى نزل إلى الشوارع والميادين يندد بسياساته وبقررات رفع الأسعار.
ظل صدى الهتاف الشهير «يا سادات قول الحق كارتر.. ولا لأ»، الذى علت به أصوات المتظاهرين أمام منزل الرئيس الراحل على كورنيش الجيزة، يلاحقه، ولم تفلح وصلات النفاق فى محو آثاره، فعاد الرجل لينتقم من شعبه ومؤسسات حكمه بدعوى أن الجميع تخلى عنه.
ما بين غضب الغلابة و«فقرات الرقص»، أصيب السادات بما يعرف فى علم النفس بالـ«ميجالومانيا»، أو «وسواس العظمة»، كانت بوادر تلك الحالة قد ظهرت على «بطل الحرب والسلام» عقب انتصار أكتوبر، لكنها تزايدت ووصلت إلى حالة حرجة فى السنوات الثلاث الأخيرة من سبعينيات القرن الماضى، غذى ذلك حملات «النفخ» التى تعرض لها، والتى وصلت إلى أن أحد الشيوخ الكبار رفع عنه التكليف، وقال تحت قبة البرلمان: «والذى نفسى بيده لو كان لى من الأمر شىء لحكمتُ لهذا الرجل الذى رفعنا تلك الرفعة وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يُسألَ عمَا يَفعل».
بعد تلك الواقعة جن جنون الرجل.. ومضى فى طريق الانتقام، لم يكن بإمكانه الاستماع إلى كلمة نقد أو مراجعة.. اتخذ قرراه بالصلح المنفرد مع العدو الصهيونى، ووقع اتفاقية كامب ديفيد، وبعدها بشهور، وتحديدا فى مطلع عام 1981 قدمت السيدة فايدة كامل، عضو مجلس الشعب وزوجة وزير الداخلية الأسبق النبوى إسماعيل، مقترحا بتعديل المادة 77 من الدستور، بما يسمح له بأن يبقى لمدد غير معلومة، بعد أن كانت المادة تنص على أن «مدة رئيس الجمهورية 6 سنوات ويجوز أن تجدد لمدة واحدة أخرى»، فجاء التعديل ليلغى حرف التاء المربوطة من كلمة مدة ويستبدل بها حرف الدال فتصبح «مدد أخرى».
كالعادة، حازت «تعديلات الهوانم» الدستورية على تأييد غير مسبوق، وصوت نحو 11 مليون ناخب بـ«نعم»، فيما رفض التعديلات ما يقرب من 60 ألف شخص، وصفهم السادات بـ«العناصر الشاذة»، فى كلمة شهيرة ألقاها فى سبتمبر 1981، وبعدها بأسابيع اغتاله «أولاده» فى حادث المنصة الشهير، ليستفيد خلفه مبارك من تلك التعديلات، ويجسم على صدورنا 5 مدد رئاسية، جرف فيها كل شىء، ودمر معظم مؤسسات الدولة.
جمد مبارك السياسة، لنحو عقدين، وقضى على التجرية الحزبية التى لم تكن اكتملت بعد، وزور الانتخابات النيابية لصالح حزبه «الوطنى»، لكن أول ما امتدت يده للعبث فى الدستور عام 2005، تمهيدا لمشروع «التوريث»، بدأ الشارع فى الحركة، وتشكلت كيانات جديدة، وتصاعد الغضب حتى سقط «المخلوع» فى ميدان التحرير فى 25 يناير 2011.
بخلاف مبارك، كان سقوط الرئيس الإخوانى محمد مرسى أسرع، فالرجل قرر تغيير قواعد اللعبة التى أتت به رئيسا بعد شهور قليلة من وصوله قصر الاتحادية، وأصدر فى نوفمبر 2012 إعلانا دستوريا يمكنه من كل الصلاحيات، ويجمع فيه كل السلطات، ثم استأثر مع جماعته بوضع دستور يخدم مشروعهم، فذهب مع جماعته ودستوره إلى حيث لا رجعة.
من يغير قواعد اللعبة التى أوصلته إلى السلطة لا يمكنه الاستمرار، هذه هى القاعدة، وبالرغم من انهماك الشعب فى البحث عن لقمة العيش فإنه لا يقبل بتضليله ولن يستمع إلى «الراقصين على موائد كل سلطان»، ممن هتفوا بالأمس القريب: «نعم للدستور من أجل الاستقرار»، ويدعون اليوم لتعديله «حتى يتمكن الرئيس من تنفيذ برنامجه الانتخابى».. من يراهن على غسيل ذاكرة الناس خاسر حتى لو كانت «نياته حسنة».
(عن بوابة الشروق
المصرية)